شعار قسم مدونات

هل يكون قيس سعيد الشهيد القادم للثورة المضادة؟

blogs قيس بن سعيد

لقد اختار الشعب التونسي السيد قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري القريب من روح شباب الثورة رئيستا جديدا لتونس للسنوات الخمس القادمة. وقد كان للمناظرة الأخيرة مع المرشح نبيل القروي دورا حاسما في حسم المنافسة بينهما في اتجاه الأستاذ قيس سعيد لتكون النتيجة اكتساح لصناديق الاقتراع بما اعتبره الكثيرين من المراقبين والمحللين ثورة الصناديق وكأن الثورة التونسية التي انطلقت ذات شتاء في أكتوبر 2010 قد اكتمل مسارها ومصيرها يوم 13 أكتوبر 2019 بانتخاب أحد رموزها رئيسا لتونس وهو الرجل الذي كان له دور في اعتصامات القصبة 1 و2 وكان قريبا من الشباب الذي أوصله في النهاية للرئاسة انتصارا لقيم الثورة والأخلاق التي نسفت خلال السنوات الأخيرة من قبل سياسيين لا هم لهم إلا مصالحهم الخاصة والحفاظ على كراسيهم على حساب الشعب الذي ازداد فقرا ليزدادوا هم غنى. بل وصل بهم الأمر لبيع الوطن لأعدائه من عرابي الثورة المضادة الذين تربصوا بتونس بكل الشرور الممكنة.

 

لقد كان انتصار الأستاذ قيس سعيد انتصار لكل القيم التي جاءت بها الثورة وعودة للشعارات الأساسية في الحرية والشغل والكرامة الوطنية وانتصار أيضا لأخلقة السياسة التي فقدت كل روح أخلاقي خلال الخمس سنوات الأخيرة حتى أصبحت رائحة الفساد تفوح نتنة في كل ممارسات السياسيين وفي كل الأمكنة، ولكن هل يمكن للثورة المضادة مدعومة من الحركة الصهيونية أن تقبل بسهولة أن يكون على رأس الدولة التونسية رجلا أعلن صراحة أنه ضد السيستام) النظام القديم والدولة العميقة (والصهيونية وكل عرابي الثورة المضادة في الشرق والغرب؟

 

إن المتأمل في ردود أفعال الإعلاميين الممثلين للسيستام في قنواته المشبوهة التي سيطرت خلال السنوات الأخيرة على المشهد الإعلامي مدعومة من السياسيين الفاسدين والمال الفاسد القادم من خارج الحدود يدرك أن مهمة الرجل لن تكون سهلة أبدا بل ستكون مهمة انتحارية في حقل ألغام صنعه الفاسدون خلال السنوات التالية للثورة. فلقد بدأ هؤلاء المرتزقة في حربهم المعلنة ضد الرئيس القادم وضد من انتخبوه من عامة الشعب وخاصته بل وصل بأحدهم الأمر حد الدفاع عن الصهيونية في رده على خطاب الفوز الذي أعلن فيه الأستاذ قيس سعيد دعمه اللامحدود للقضية الفلسطينية ولشعب فلسطين الثائر والمقاوم.

   

   

لقد كان خطاب هذا المرتزق كله حقد وكره لشعب هدفه الوحيد أن يتحصل على حقه في الحرية مثل كل شعوب العالم وكان خطاب تهديد ووعيد بأن أسياده في خمارات الثورة المضادة وفي إسرائيل وفرنسا لن يتركوا هذا الرجل المؤمن بقيم الحرية والعدالة حتى يدخلوه بيت الطاعة أو يتخلصوا منه باستعمال دماهم المتحركة في المنظمات والأحزاب ومؤسسات الدولة مثلما فعلوا ذلك مع المنصف المرزوقي من قبله أو كما كتبت مرتزقة أخرى سيكون مصيره كمصير الشهيد محمد مرسي. لقد بدأ هؤلاء المرتزقة في تهديد الشعب التونسي الذي انتصر لذاته وقيمه الأخلاقية والإنسانية.

  

لقد تحركت آلة السيستام والثورة المضادة في الدوران للمرة الأخيرة وبقوة وعنف علها تنقذ نفسها من المصير المحتوم في الاندثار مثلما اندثرت الأحزاب التي كانت تعبر عنها في الحكم والمعارضة. ولعل عجز من فازوا في المجلس التشريعي عن الالتقاء لتشكيل حكومة وحدة وطنية فوق الأحزاب تحقق القيم والأهداف التي على أساسها انتخب الأستاذ قيس سعيد ومنحت الثقة لمن فازوا منهم في الانتخابات التشريعية ستزيد في تمكين الثورة المضادة والسيستام من تحقيق أهدافهما في الانقلاب مجددا على الثورة.

 

ننتظر الأيام القادمة لعل القوى السياسية تتجاوز مراهقتها السياسية وتنضج وتلتقي مع الرئيس الجديد في برنامج وحدة وطنية يتجاوز الايدولوجيا مثلما تجاوزها الشعب

إذا يبدو أن الخلافات الشخصية والمصالح الذاتية غلبت على المصلحة العليا للوطن والثورة لدى جزء مهم ممن انتخبهم الشعب أو أعاد ثقته فيهم بانتخابهم من جديد. فلم يدركوا هؤلاء أهمية وقيمة اللحظة التاريخية التي أعاد تشكيلها الشعب التونسي عبر الانتخابات الرئاسية ولم يفهموا بعد تلك الرسالة ولم يحسنوا تفكيك شفراتها بالشكل الصحيح ولعل أنانيتهم الفردية كانت فوق مستوى فهمهم ولذلك هم يفتحون الباب على مصرعيه للسيستام والثورة المضادة لاختراق الثورة من جديد.

 

لقد كانت رسالة الشعب واضحة وهو أنه يريد من الجميع العمل معا بعيدا عن المحاصصة الحزبية الضيقة طبقا للقيم التي انتخب على أساسها الأستاذ قيس سعيد والتي تتجاوز الايدولوجيا نحو وطن للجميع يحقق أولا وقبل كل شيء الحرية والعدالة الاجتماعية في دولة راعية للجميع تتحرر نهائيا من الفساد المستشري في مؤسسات الدولة التونسية وتعيد الاعتبار للقيم الأخلاقية في الدولة وحولها وتقوم بالإصلاحات الكبرى الأساسية في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وتعيد الاعتبار لقيمة العمل وإنتاج الثروة لتوزع بالعدل بين جميع الجهات في تونس وتحافظ على الحرية والكرامة لكل المواطنين دون تمييز أو استثناء لتكون العدالة للجميع لا للأغنياء فقط.

 

إن ما نشاهده من مهاترات سياسية بين القوى الفائزة ومن حديث عن إسناد المناصب الحكومة لزيد أو عمر دون النظر في برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي يجتمع حوله الجميع لإنقاذ تونس مما هي فيه يدل أن هؤلاء لم يستوعبوا الدرس بعد وأنهم لم يكونوا في مستوى ثقة الشعب. ولعل الأخطر أن هذه القوى السياسية بعجزها عن تمثل برنامج إنقاذ وطني تضع الرئيس القادم وجها لوجه مع الثورة المضادة والصهيونية التي أعلنت عبر أحد رموزها أنها لن تتهاون في شن حرب عليه وعلى تونس وفي غلق كل الأبواب في وجهها في الخارج مما يعني أن على الشعب التونسي أن يعتمد على ذاته مستقبلا ومع قوى سياسية بمثل هذه المراهقة سيبدو الأمر مهم انتحارية أخرى للشعب التونسي الذي سيواجه مصيره معتمدا على ذاته وعلى ثقته فيمن اختاره رئيسا.

 

ننتظر الأيام القادمة لعل القوى السياسية تتجاوز مراهقتها السياسية وتنضج وتلتقي مع الرئيس الجديد في برنامج وحدة وطنية يتجاوز الايدولوجيا مثلما تجاوزها الشعب بانتخاب رئيس صوت له اليمين واليسار والوسط والمؤمن والملحد وكل الملل والنحل في تونس، وإن لم يتحقق ذلك فإن ما نخشاه جميعا مع تربص الثورة المضادة والصهيونية العالمية بالرئيس الجديد أن يكون مصيره مثل كل من وقفوا ضد السيستام في دولهم: حيث كان مصيرهم الشهادة. ذلك أن الجميع في تونس يعلم أن الثورة المضادة وأعوانها يقفون وراء الإرهاب والاغتيالات السياسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.