شعار قسم مدونات

رواية الأندلسي الأخير.. المسلم الأخير وسقوط غرناطة

blogs الأندلس

رواية الأندلسي الأخير للكاتب أحمد أمين، الرواية التي ما إن قرأها أي إنسان مسلم كان أو غير مسلم، حتى يبدأ بالبكاء والشعور بأن لا ظلم بعد هذا الظلم، ولا عذاب بعد هذا العذاب، سيبكي على الحال التي وصلت إليه الحضارة، التي تعتبر من أعظم حضارات العالم، حضارة بين لنا الكاتب تفاصيل حكاية سقوطها، مبيناً أنه حصل على أحداث الرواية، من صديق له يدعا فرحات، والذي وجد المخطوطة في مسجد بحي الدراسة في القاهرة، وقد كانت المخطوطة مكتوبة بلغة الخميادو، فقام بترجمتها، وهي مقسومة إلى جزئين، الأول: لرجل اسمه أبا الحسن الغرناطي، والثاني: كتبه رجل اسمه علي بدية.

الجزء الأول: ما كتبه أبا الحسن الغرناطي

كتب أبا الحسن ما حصل في آخر خمسة أيام في غرناطة، وتميل نفسي لأخذ العبرة من هذا الجزء الموجود في الرواية والذي بدوره أدى إلى سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، ويمكن تلخيص أسباب سقوط غرناطة في ثلاث نقاط:

1- تخاذل أهل غرناطة
يقول أبا الحسن: قد خرج أمس للقتال مع موسى بن أبي الغسان آخر من يطلق عليهم لقب رجال. وضح أبا الحسن تخاذل رجال غرناطة في الدفاع عنها، ليبقى موسى مع بضعة رجال يدافعون وحدهم عن حصون المدينة، بل زاد بعض رجال غرناطة بوصف الفارس موسى بالمتهور؛ حيث كانوا ينظرون إلى محاولة الدفاع نفسها على أنها مخاطرة لا فائدة منها، لقد كانت نفوسهم قبل أجسامهم مُحتلة وجاهزة للخنوع والتسليم، ولم يفكروا حتى بشرف المحاولة، والصمود لآخر لحظة، أو الموت في الدفاع عن غرناطة بدل الإستعداد لتركها للنصارى وجيوشهم.

2- خيانة أبي عبد الله بن الأحمر ووزراءه

الحقد الدفين من قبل محاكم التفتيش على الإسلام، جعلهم ينسون أن الإنسان يبقى هو الإنسان مهما اختلف معنا في دينه أو لونه أو نسبه أو لسانه، يبقى مكرماً كرمه الله عز وجل عن بقية الخلائق وسوده هذه الأرض ليحكم فيها

كان السبب الثاني من أسباب سقوط غرناطة، خيانة أعيان ووجهاء غرناطة، وبيعهم أملاكهم وأراضيهم مُستعدين للتسليم، وكما وصفهم أبا الحسن: سلم ملوك الطوائف قلاعاً ومدناً للنصارى أكثر مما حصل عليه النصارى من الحروب والقتال. إن آخر من حكم الأندلس لم يكونوا على قدر المسؤولية، فقد أغرتهم الدنيا بمتاعها وخضعت أعناقهم، ولانت أقدامهم، بدلاً من ركوب الخيل وسن السيوف وضرب الرماح، لإظهار العزة والشهامة.

3- عدم نصرة دول الإسلام لهم
انشغال دول الإسلام عنهم، وانشغال سلطان مصر بأموره الداخلية، والدولة العثمانية بغزواتها، جعل غرناطة ومسلميها، يواجهون مصيرهم وحدهم، في حين لم تجتمع دول الإسلام للدفاع عن أرض الإسلام، اجتمعت دول أوروبا لدخول غرناطة، ولتقول أم عبدالله ابن الأحمر كلمتها الشهيرة لأبنها "إبك كالنساء-ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال".

الجزء الثاني: رحلة علي بدية

يصف علي بدية حياته في غرناطة بعد سقوطها، وكيف استطاع الخروج إلى الحجاز، هذا الجزء من الرواية الذي لا عبرة فيه، فقط أجلس وأبكي على حالهم، ولتبكي الأمم لما حصل فيهم، من تعذيب وقتل وتشريد، فبعد رحيل ملوك غرناطة وأعيانها، تركت الرعية لتواجه مصيرها مع النصارى، فمنع كل ما هو عربي أو إسلامي، من لباس أو كتاب أو حتى النطق بحرف عربي، قد منعتهم محاكم التفتيش ومن خالف، أخذ إلى حفلات الحرق، في ساحات غرناطة، وأحد العائلات التي تم حرقها، عائلة علي بدية، التي حرقوها وأخذوا علي إلى الكنيسة ليتعلم النصرانية، فقد كان صغيراً وأخفى والده عن محاكم التفتيش إسلام ابنه بعد أن أمسكوا بهم بتهمة الإسلام، يقول علي بدية: لم أسمع أي حرف منهم -يقصد عائلته- حتى بعد أن قام الجلاد بربطهم في العمود لحرقهم بالنار، كل ما سمعت هو صوت أبي وهو يقول: (لا غالب! إلا الله، هو الحي الذي لا يموت).

لك أن تتخيل إنسان ينظر إلى عائلته وهم يحرقون أمام عينيه في وسط ساحة عامة، وهم يصفونهم بالكفرة، ويجب حرقهم، وبعد أن رأى علي بدية عائلته تحرق، أخذ إلى كنيسة سان سبستيان التي كانت في زمن المسلمين المسجد الكبير في غرناطة ثم حولت إلى كنيسة، ليبقى علي بدية على دين الإسلام مع نفسه فقط، وأمام العامة فهو نصراني، يعيش شخصيتين متناقضتين، ولا يجرأ أن ينطق بالإسلام حتى في حلمه.

إن الحقد الدفين من قبل محاكم التفتيش على الإسلام، جعلهم ينسون أن الإنسان يبقى هو الإنسان مهما اختلف معنا في دينه أو لونه أو نسبه أو لسانه، يبقى مكرماً كرمه الله عز وجل عن بقية الخلائق وسوده هذه الأرض ليحكم فيها، لا أن يذيق بعضهم بعض أشد أنواع العذاب، حتى ندع الإنسان ينكر أصله ودينه وحتى اسمه وإعطائه اسم نصرانية بدلا من اسم عربي، ومع هذا كله، وجد المسلمين طريقة للتواصل دون كشفهم ومعرفتهم، كانت إحدى تلك العلامات، بأن يُطرق الباب ثلاث طرقات متتالية، ثم طرقة رابعة بعد فترة قصيرة، فيعلم أن الذي على الباب مسلم، وهذا الذي فعله علي بداية هو والشيخ عمر عندما ذهبوا إلى القس كاميلو، أو بالموريسكي "قاسم" فقد كان مسلم كما علي والشيخ عمر، وهو يقيم في الكنيسة منذ 10 أعوام، وكانت سبب الزيارة كما جاء على لسان علي بدية:

ألقى على مسامعي ما أصابني بالخوف:
-لقد كبر كاميلو.
أمعن النظر في وجهي:
نحن بحاجة شخص يحوز على ثقة محكمة التفتيش.

كان كاميلو صلة الوصل بين المسلمين "الموريسكيين" وهو المسؤول عن حفظ الأوراق المكتوبة بلغة الخميادو، ويقع على عاتقه الحمل الكبير في الحفاظ على ما تقبى من حضارة المسلمين والعرب في غرناطة، وعلى علي أن يكون بدلا منه، ومع مرور الأيام والأشهر ،إكتشفت محكمة التفتيش أمر الشيخ عمر، فأحرقوه هو وثمانية معه وهم يصلون، ولم يبقى من المسلمين إلا كاميلو وعلي، فقد مات من مات وأحرق من أمسكه به، وعذب الآخرون، ومات كاميلو أيضا، وضل علي بدية وحيدا، إلى أن جاء الخلاص عندما طلبه الكردينال خمينس، وأخبره بأنه تم إختياره للذهاب إلى مكة لدعوة الناس للإيمان بالنصرانية، فصعدوا على ظهر السفينة هو ومن معه وأتجه نحو مكة، حاملا معه آخر ما تبقى من تراث الأندلس (أوراق ملفوفة)، وماجت بهم البحار وشاء القدر أن يغرق الجميع وينجوا علي بدية، ويلتقطه تجار مصريين، يقول علي بدية: كانت سعادتي لا توصف وأنا أصلي جماعة مع هؤلاء التجار، لا أذكر أنني صليت في أمان واطمئنان منذ كنت في سن التاسعة من عمري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.