شعار قسم مدونات

رومانسية أم واقعية.. هل ستصطدم مطالب اللبنانيين بجدار الطائفية السياسية؟

blogs لبنان

مهما كانت حماسة الجماهير، ومهما كانت صرخاتهم نابعة من آلامهم الاقتصادية والاجتماعية، ومهما تحلوا بصدق التحرك وعمق الغضب ونبل الأهداف والتطلعات، ومهما أطربت شعاراتهم نفوس الناس التواقة للتغيير والتحرر، كل هذا لا يمكنهم أن يتجاوزوا به قواعد وقوانين تحكم الحياة وخاصة السياسية منها، وقد تكون هذه القواعد غير واضحة على الكثيرين.. من هذه القواعد الأساسية، أن الأنظمة السياسية لها مرتكزات تستند إليها، فالنظام المصري مثلا يرتكز على الجيش، والنظام السويسري مثلا يرىتكز على الشعب، والنظام اللبناني يرتكز على الطوائف، وعند التوجه لإسقاط أي نظام لا بد أن تكسب مرتكزاته إلى جانبك أو تحطمها لتأتي بمرتكزات جديدة لنظام جديد، وهنا يبدأ اللعب في ملعب القوة المادية ومن يملكها أو من يستطيع أن يجيرها لمصلحته، وهذا ما يحدث عند انفلات الأمور من عقالها فيتسلم زمام الأمر الأكثر قوة والأقوى تنظيما، وعند سقوط الأنظمة أو حتى دخولها في مرحلة شلل سياسي، يتصدر المشهد من يملك الرؤية السياسية ويملك الرصيد الشعبي ويدعمهما بقوة مادية مؤثرة على الأرض تأتمر بأمره وحده.

إن النظام اللبناني قائم على أساس الطائفية، وتتنقل مراكز القوة فيه من طائفة إلى أخرى وفق تنقل القوة المادية على الأرض، فالمسيحيون أخذوا حكم لبنان منذ الاستقلال بقوة الجندي الفرنسي حينها، حيث فرض نظاما سياسيا أفضى إلى تفرد المسيحيين بحكم لبنان، والمسلمون أعادوا التوازن باتفاق الطائف بانتصارهم في الحرب الأهلية التي دامت ١٥ سنة، فكانوا حينها القوة المسيطرة على الأرض مع تلاشي قوة الطرف الآخر، وهنا كانت التجربتان قائمتين على أساس الطائفية، فبقي الكيان وأساسة ولكن تغيرت موازين القوى داخله، وهذا على عكس ما يتم الدعوة اليه اليوم في ساحات لبنان، وانتفاضة شعبه التي تميزت بتجاوزها للناحية الطائفية وإن كان الأمر شكليا فقط، فإسقاط النظام الطائفي في لبنان أو إدخاله في مرحلة شلل سياسية يقتضي تخلي جميع الطوائف عنه، وابتعاد القوى المادية التي تدعمه عنه، وهذا في واقع لبنان الحالي يعني أننا لا نسلم لبنان وحسب إلى حزب الله، بل يعني أننا نسلمه لبنان ليعيد صياغته سياسيا بما يتناسب مع واقع سلاحه وسيطرته وتوجهاته الخارجية.

الحل في لبنان لا يكمن في إسقاط النظام لأنه لا يوجد أصلا نظام بمعنى الكلمة، بل الحل يكمن بتقوية الدولة وحصرية السلاح بيدها، بحيث يصبح كل فئات الشعب في لبنان متساوون بالقوة

إن ميزة حزب الله في لبنان أن قوته ليست مرتبطة بالنظام السياسي أو الأجهزة الرسمية وإن كان يستغل بعضها، بل إن أحد الأركان التي تجعل حزب الله قويا هو ضعف الدولة وأجهزتها، وهذا ما عمل عليه حزب الله دوما من منع الدولة من لعب دورها الحقيقي والصحبيح، فإسقاط الدولة وأساساتها لا يعني أنك قادر على إسقاط الدويلات الرديفة التي نبتت من خلال ضعف الدولة وتدمير مقدراتها، ولا يعني أنك قادر على صياغة أساسات جديدة، بل يعني أنك قتلت الأب الكبير سنا والضعيف قدرة الذي كان يمنع أحد الأبناء الأقوياء من ابتلاع باقي إخوته، وهكذا سيتفرد هذا الأخ بعد سقوط الأب (الدولة) برسم طبيعة البيت اللبناني الجديد كما يريد ويشتهي، لأنه الوحيد ساعتها من يملك القوة والتنظيم والرصيد الشعبي والدعم الإقليمي والغطاء الدولي إلى حد ما، وإن رفض الإخوة وعاندوا فهذا يعني الدخول في حرب مع حزب مضمونة النتائج بالنسبة إليه، ما يؤدي بنتيجة الأمر إلى سيطرة الحزب على لبنان ليس بفعل الأمر الواقع من خلال فوته العسكرية، بل ومن خلال الدستور الجديد الذي سيمنح هذا الطرف صلاحيات أوسع في النظام السياسي، من شأنها أن تشرعن سلاح حزب الله على نسق الحشد في العراق.

إن حزب الله يعتبر أن حلفه انتصر في المنطقة، وإن انسحاب القوات الاميركية من شمال شرق سوريا مؤشر إلى أن كفة حلف الأقليات باتت راجحة وبقوة، وإن مشروع إيران في منطقة المشرق العربي قد شارف على اكتماله، خاصىة بعد إزاحة العقبة الأكبر من أمامه وهي سنة سوريا، الذين تم تهجيرهم تحت سمع العالم وبصره، ولم يعد أمامهم سوى استثمار هذا الانتصار في الساحة اللبنانية، وتسييله عملة سياسية في النظام السياسي اللبناني، وذلك بتعديل الطائف وسحب صلاحيات السنة وإعطائها للشعية والمسيحيين في لبنان.

إن ثورات الشعوب بقدر ما يصعب ضبطها يسهل التلاعب بها واستخدامها، وليس بعيدا عنا ثورة سوريا الشعبية كيف تم استغلال هذا الشعب المظلوم والبطل، لخدمة أهداف الدول الإقليمية والكبرى، فأدى ذلك الى تهجير أهلها والعمل على تقسيمها، فليحذر أهل لبنان من هذه الأهداف التي لا يريدونها، وليكونوا على دراية أن الثورات تبدأ بالهتاف والرقص والحماسة، ولكن استكمالها وتحقيق نتائجها السياسية رهن بالرقص الإقليمي والهتاف الدولي وحماسة الشعوب التي عادة ما تهدأ بعد فترة وجيزة. إن الحل في لبنان لا يكمن في إسقاط النظام لأنه لا يوجد أصلا نظام بمعنى الكلمة، بل الحل يكمن بتقوية الدولة وحصرية السلاح بيدها، بحيث يصبح كل فئات الشعب في لبنان متساوون بالقوة، حينها يمكن أن تدعو للتغيير وصياغة نظام بعيد عن الطائفية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.