شعار قسم مدونات

هل يتّجه العالم إلى أزمة اقتصادية عالمية جديدة؟

blogs البورصة

هناك عدة عوامل جعلت المتتبِّعين والإعلاميّين، وخاصة منهم المحلّلين الاقتصاديين في الآونة الأخيرة يؤكدون على أن الأزمة الاقتصادية العالميّة تقترب بنفس الطريقة التي كانت عليها في العام 2008، ومن بين أهم المظاهر التي يبنون عليها استنتاجاتهم هي انخفاض الإنتاج الصناعي العالمي وتراجع الثقة في المعاملات التجارية، وكذا بعض الدول المُهمّة التي أوشكَت على الرّكود، وكذا الزيادة المفرطة في الدّيْن العالمي، ناهيك عن الحرب التجاريّة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين والتي هي تمثّل مربط الفرس.

    

كما يستدلّ هؤلاء المحلّلين لتأكيد فرضيّتهم بعدم قدرة البنوك المركزيّة في العالم كلّه على اتخاذ التدابير المناسبة لتحقيق الاستقرار ضمن هذا الوضع الحرج، ووفقًا لتقرير صادر عن معهد التمويل الدولي، فإن نسبة الدّيْن العالمي ارتفعت بمقدار 3.3 تريليون دولار سنة 2018 وبلغت حاليًا 243 تريليون دولار، ممّا يمثّل ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في العالم، أي أعلى من قيمة جميع المنتجات والخدمات في العالم. بحيث تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر مديونية بحوالي 72 مليار دولار.

 

إذا كانت السنة الماضية هي سنة ازدهار معظم الاقتصادات العالمية، فيبدو اليوم أنها تقترب من حافة أزمة أخرى شبيهة بأزمة 2008. حيث خفضت المؤسسات المالية الدولية سقف توقعات النمو العالمي إلى 2.7 بالمئة في 2019 و2020 مقارنة مع 3.2 بالمئة في العامين السابقين، حسب رأي أحد الاقتصاديين فإن سياسة تأمين الاستثمار التي تقودها الولايات المتحدة تؤثر أيضًا على التجارة العالمية من خلال ضمان نمو أقل معدل في الأعوام الثلاثة الأخيرة وذلك بنسبة 2.5 بالمئة فقط.

  

بالنسبة للصين والتي تعتبر طرف رئيسي في هاذه الحلقة، فعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لهذا العام هو 6.2 بالمئة، فإن اقتصادها لا يزال من بين أقوى الاقتصادات في العالم

إن الرسوم الجمركية والابتزازات التي تفرضها الإدارة الأمريكية على الصين ودول أخرى تخلق حالة من عدم اليقين بشأن الاقتصاد الدولي والقوة الشرائية عند الأمريكان، الذين سيتعيّن عليهم دفع المزيد مقابل البضائع التي سيكتسبونها دون الرفع من مرتباتهم، كما تعاني بعض الدول بالفعل من مشاكل حرجة على المستوى الاقتصادي وتقترب احيانا من حافة الركود كما هو الحال مع البرازيل الذي يعتبر أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، والتي تعاني بالفعل من الركود حيث كان الناتج المحلي الإجمالي سلبيّا لستة أشهر متتالية، متأثرًا بتراجع الإنتاج الصناعي والبطالة المرتفعة والسياسات المتخذة ضد القطاعات العامة التي تستهدف الرئيس الحالي "بولسونارو".

 

بالنسبة لألمانيا والتي تعتبر رابع أكبر اقتصاد في العالم، خلال الستة أشهر الأخيرة، عرفت تراجع في نسبة الصادرات، وخاصة السيارات والمعدات والآلات، كما تواجه تحديات جديدة بسبب خروج بريطانيا الشبه المؤكد من الاتحاد الأوروبي وإمكانية أمريكا من تطبيق تعريفات جديدة على صادرات صناعات السيارات في الاتحاد الأوروبي. الشيء الذي يجعل بعض المحللون يعتقدون أن الاقتصاد الألماني على وشك الركود، ومن بين الدول الأوروبية الأخرى كذلك التي ظهر بها عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي منذ سنوات هي إيطاليا، مع انخفاض الإنتاجية، وارتفاع معدل البطالة بين الشباب، وارتفاع مستويات المديونية، إلى ضعف الناتج المحلي الإجمالي.

 

كما تسببت أعمال الشغب التي أحدثها اتفاق "بريكسيت" بالفعل في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة في الربع الثاني من هذه السنة، مما يعني أول انخفاض منذ سنة 2012، يضاف إلى ذلك الخوف من فوضى محتملة بعد مغادرة البلاد للاتحاد دون اتفاق متوازن مع الحصار الأوروبي المسمى "بريكسيت الثابت" والذي يمكن أن يكون له تأثير قوي على اقتصادها والذي وفقًا للمحللين قد يؤدي إلى ركود لا مفرّ منه.

 

في خضم كل هذه الفوضى الاقتصادية، فإن الأرجنتين يُتَنَبؤ لها بالتخلّف عن سداد ديونها الضخمة من صندوق النقد الدولي، لأنها لا تستطيع ذلك من دون صرف العملات الأجنبية في خزائن البنك المركزي، خاصة وأنها لا تتوفر إلا على سيولة ضعيفة لا تفي بالغرض. فخلال رئاسة الليبرالي الجديد "موريسيو ماكري" عرف قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الأرجنتيني إفلاسا ملحوظا، حيث وصل الفقر إلى نسبة 38 بالمئة من السكان مع تضخم هائل في الغذاء والكهرباء والنقل والغاز والوقود.

 

أما بالنسبة للصين والتي تعتبر طرف رئيسي في هاذه الحلقة، فعلى الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لهذا العام هو 6.2 بالمئة، فإن اقتصادها لا يزال من بين أقوى الاقتصادات في العالم ولكن حرب التعريفة الجمركية التي أطلقتها أمريكا يمكن أن تؤثر على بعض منتجاتها ووارداتها مع ما يترتب على ذلك من أضرار لدول مثل شيلي التي تصدر النحاس وأستراليا التي تصدر الحديد إلى العملاق الأسيوي (الصين)، وبصورة عامة، فإن الوضعية المستقبلية الغير السارة للاقتصاد العالمي جدّ مُحْتمَلة، وذلك استنادا لاستنتاجات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الأمريكيين اللذين يحذران من ركود في الاقتصاد العالمي خاصة في ظل استمرار الأخطاء السياسية والنزاعات التجارية القائمة حاليا أهرامات الاقتصاد العالمي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.