شعار قسم مدونات

هل تتجه تونس نحو حكومة الرئيس؟

BLOGS تونس

لقد أدت الانتخابات التشريعية الأخيرة في تونس إلى تشكل مجلس فسيفسائي من خليط غير متجانس من القوى السياسية التي لا يجمع بينها إلا المقر الخاص بمجلس النواب في باردو ولا شيء غير ذلك. لذلك كثرت المزايدات السياسية فيما بينها حول تشكيل الحكومة الجديدة إلى درجة أصبح يبدو من الصعب حتى لا نقول من المستحيل أن ترى هذه الحكومة النور قريبا بل لعل تونس تسير نحو الطريق الواثق لإعادة الانتخابات التشريعية.

وإعادة الكلمة للشعب للحسم في أمر من يحكم تونس حتى لا تتحول هذه المزايدات إلى خطر يهدد السلم الأهلي خاصة مع تصدر قوى الثورة المضادة للمنابر في الإعلام وداخل تلك الأحزاب (وهو أمر مؤسف أن يكون من يتكلمون باسم تلك الأحزاب في المنابر ينطقون بنفس خطاب الثورة المضادة التحريضي بدون أي إحساس بالمسؤولية من خطر مثل هذا الخطاب على السلم الأهلي) ومحاولتها إضرام نيران الحقد الأعمى بين أتباع تلك الأحزاب وتجييش الاتباع ودفعهم بكل الأدوات الخطابية التحريضية نحو العنف.

الحل المنطقي والواقعي في تونس هو أن تتشكل حكومة برلمان يتحمل فيها كل طرف سياسي مسؤوليته الكاملة في إدارة الشأن العام داخلها أو في المعارضة حتى يعلم الشعب من تهمه مصلحة الوطن

وسط هذا الخطاب وفي إطاره طرحت بعض المقترحات حول طبيعة تلك الحكومة القادمة ومن بينها اقتراح أطلق عليه حكومة الرئيس فهل تتجه تونس نحو حكومة الرئيس؟ إن اقتراح حكومة الرئيس يمكن النظر إليه من وجهين: الوجه الأول ينظر بحسن نية للاقتراح كمحاولة ممن اقترحه لاستغلال الاجماع الكبير حول شخصية الرئيس لتجاوز انسداد افق تشكل حكومة البرلمان بتدخل الرئيس بثقله الشعبي والشخصي والرمزي لدفع القوى السياسية للاتفاق حول برنامج إعادة بناء وطني (كلمة انقاذ لم تعد تعنى شيئا وفقدت كل معنى) والاتفاق معه على شخصية وطنية جامعة تتحصل على تزكية البرلمان ودعمه الكامل وتنطلق في ذلك البناء خدمة لمصلحة الوطن والشعب.

الوجه الثاني سيء النية ينظر للمقترح كهروب من قبل البرلمان من تحمل المسؤولية في تشكيل حكومة فاعلة وناجعة على أسس برنامج واضح وواقعي وبعيدة عن المحاصصة الحزبية والنظر للوطن كخبزة حلويات قابلة للتوزيع بين الأحزاب وبالتالي توريط الرئيس في أي فشل قد تتعرض له تلك الحكومة نتيجة العراقيل التي سيضعها البرلمان في وجهها خاصة حين تقترح قوانين حول محاربة الفساد قد تمس من مصالح الكثير من النواب الفاسدين أو من يمثلونهم من الفاسدين في المجلس إذ لا يجب أن ننسى أن كثير من النواب تحوم حولهم شبهات فساد والبعض الأخر انتخبوا للدفاع عن مصالح بعض القوى الاقتصادية والاجتماعية المتورطة في الفساد المستشري في جسم الدولة التونسية كسرطان يهدد كيان الدولة بالموت والزوال. ولذلك يصبح اقتراح حكومة الرئيس كلمة حق يراد بها باطل.

كما أنها دليل على الفشل الذريع للقوى السياسية على تجاوز خلفياتها الأيديولوجية وعدم قدرتها على أن تكون ديمقراطية بحق. ففي الغالب القوى السياسية في تونس وأتباعها تعيش في دولة ديمقراطية بعقلية دولة الاستبداد بحيث يكون الخطاب التحريضي ضد الأخر هو الخطاب الغالب على خطاباتها الموجهة للرأي العامة في أغلب المنابر الإعلامية وهو من انعكس سلبا على الفضاءات الاجتماعية الافتراضية التي تحولت لساحة حرب بين الأتباع أصبحت تهدد لو تحولت من الافتراض إلى الواقع السلم الأهلي. إن الحل المنطقي والواقعي في تونس هو أن تتشكل حكومة برلمان يتحمل فيها كل طرف سياسي مسؤوليته الكاملة في إدارة الشأن العام داخلها أو في المعارضة حتى يعلم الشعب من تهمه مصلحة الوطن ومن يقدم مصلحة حزبه على مصلحة تونس.

وإن عجزت تلك القوى على حسم خلافاتها التي يغلب عليها الطابع الأيديولوجي فإن الحل الأسلم للجميع إعادة الانتخابات وترك أمر الحسم بيتها للشعب الذي وطبقا للمفاوضات الحالية سيختار من يراه منها الأقدر على تشكيل الحكومة ويحسم فيمن يراه لا يزال مراهقا سياسيا لا يستحق أن يؤتمن على الوطن. لقد أثبت الشعب التونسي في الانتخابات الرئاسية أنه قد تجاوز عصر الإيديولوجيا فمتى تدرك القوى السياسية أن عصر الإيديولوجيا قد ولى بلا رجعة وترتقي إلى مستوى وعي الشعب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.