شعار قسم مدونات

هل اقترب طلاق إسرائيل من نظامها الانتخابي العقيم؟

BLOGS الكنيست

النظام الانتخابي في دولة الاحتلال هو نظام ‏برلماني يعتمد نظام التمثيل النسبي (القوائم) الكامل، ‏وبالتالي لا يمكن اعتبار الفائز بأعلى عدد مقاعد هو الفائز لأن القضية تعتمد على ‏من تتوفر لديه إمكانية تشكيل الحكومة، وحصل هناك سوابق، ففي انتخابات سابقة استطاع الحزب الأقل عدداً في المقاعد -وهو الليكود- بقيادة نتنياهو أن يشكل الحكومة، في الوقت الذي لم تتمكن فيه تسيبي ليفني ‏رئيسة الحزب صاحب عدد المقاعد الأكثر من تشكيل الحكومة، أي لا‏ ‏يمكن مطلقاً، ‏لأي حزب (قائمة) أن يتمكن من حسم نتيجة الانتخابات، وتشكيل حكومة بشكل مضمون لوحده أو مع غيره.

‏ولنستحضر ولنلاحظ معاً أن أقصى ما ‏يمكن أن يحصل عليه أي حزب صهيوني -حتى من الأحزاب العريقة القوية ذات قاعدة الناشطين المميزة مثل الليكود- هو 34 مقعد من أصل 120 مقعد، ‏أي ما يقارب 28‎ في المائة‎ من اجمالي عدد مقاعد البرلمان، وهذا يظهر جليّاً واضحاً في الانتخابات الأخيرة وفي تلك التي سبقتها وتمت إعادتها بالأمس، ‏وعلى مدى عمر انتخابات دولة الاحتلال. وحيث أن نسبة الحسم اللازمة ‏للقدرة على تشكيل حكومة ‏مستقرة هي بالحد الأدنى هي 61 مقعد، والتي من الواضح من النتائج شبه النهائية للإنتخابات الأخيرة المُعادة أنه لا ولن يتمكن حزب من الحزبين ‏الكبيرين الليكود وكحول لفان أن يحقق ذلك الحد الأدنى من المقاعد وحده.

ما لم تتم تغيير نوع الطريقة الانتخابية ستستمر حالة الشلل في تشكيل ‏الحكومة وفي التأثير على موازنة الجيش والقطاعات المهمة في دولة الاحتلال، ولكن على الأرجح أن ‏الأحزاب ولاسيما الحزبين الكبيرين سيتدارسون في ما بينهم تغيير الطريقة الانتخابية الحالية

وعليه فإن ‏الحزب الفائز بأعلى الأصوات مضطر إلى أن يسترضي أحزاباً صغيرة عديدة، وهي عادةً بينها تناقضات في المصالح وفي المبادئ، طمعاً في أن ‏تطلب ‏تلك الأحزاب من رئيس الدولة أن يُكلف رئيس الحزب بالمشاورات ‏اللازمة لتشكيل الحكومة، وذلك بخلاف نظم انتخابية متبعة في العديد من الدول ‏الديمقراطية في العالم والتي تعتمد بعضها النظام الرئاسي الكامل أو الجزئي، ‏أو تعتمد النظام البرلماني، ولكن مع وزن أقل ‏للأحزاب الصغيرة وذلك من خلال أسلوب رفع نسبة الحسم لدخول للبرلمان حيث أن نسبة الحسم عند دولة الاحتلال هي 3.25 في المائة وفي نظم انتخابية مستقرة تصل نسبة الحسم ‏إلى 10‎ في المائة، وهناك دول ومؤسسات تعتمد نظام الأغلبية النسبية (الدوائر) وهو ما كان مشهور في ‏انتخابات الكتل الطلابية في الجامعات الفلسطينية، قبل التحول إلى نظام التمثيل النسبي (القوائم).

ما يعني أنه بسبب هذا النظام الانتخابي المتبع، لا يعتبر رئيس الحزب الفائز بأعلى عدد مقاعد في الكنيست (البرلمان) هو من يشكل الحكومة. الفائز بتشكيل الحكومة، هو رئيس الحزب الذي يستطيع تجميع تأييد 61 عضو كنيست ‏أو أكثر، ليتمكن من تشكيل الحكومة. ‏وهناك أيضًا نظام انتخابي متطور ومعقد نسبيًا، وهو الذي تم اعتماده في انتخابات 2006 في الأراضي الفلسطينية، وهو عبارة عن نظام انتخابي مختلط (نظام هجين)، حيث أنه يجمع مناصفة بين نظام الأغلبية النسبية (الدوائر)، ونظام التمثيل النسبي (القوائم)، ويتميز ذلك النظام بأنه يكفل أن تكون هناك حكومة مستقرة تمرر برنامجها الانتخابي، وأيضا يمنح الأحزاب الصغيرة نسبياً ‏الفرصة بأن تكون ممثلةً ‏في البرلمان، ولكن بدون أن يكون لها تأثير سلبي ابتزازي على ‏الأحزاب الكبيرة، وأيضا يمنح ‏الشخصيات المستقلة بأن تكون ممثلة ‏في البرلمان.

وهو النظام الذي مكن حركة حماس التي حازت على 44 في المائة من أصوات الناخبين من أن تحصل على 74 مقعد من أصل 132 أي 60 في المائة من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، بينما حركة فتح التي حازت على 41 في المائة من الأصوات حصلت على 45 مقعداً فقط. ‏والمضحك للفلسطينين المبكي للإسرائيليين، أن ‏خبراء النظم الانتخابية الصهاينة كانوا وبسبب تلك المعضلة المزمنة في انتخابات سابقة ‏قد قاموا بدراسة العديد من النظم الإنتخابية العالمية، وخلصوا لأن النظام الانتخابي الفلسطيني، الذي جرت ‏الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفقه في العام 2006 كان من أرقى النظم الانتخابية، ‏ولكن يبدو أن ما منعهم من تطبيق ذلك النظام الانتخابي الراقي هو التكبر لكون الفلسطينيين سبقوهم لتطبيقه.

ولربما تكون الدولة العبرية مشلولة في اتجاه تشكيل حكومة، لاسيما للأسباب التي تم التطرق له في صدر المقال من عقمية النظام الانتخابي الصهيوني، وسيكون أمامهم خيار اللجوء إلى انتخابات جديدة بنفس الطريقة خياراً هزلياً صفرياً، ولن يتقدم نتنياهو نحو هذا الخيار إلا مضطراً، ‏لأن حبل المشنقة وهو المستشار القضائي للحكومة (بمنزلة النائب العام) يقترب من رقبة نتنياهو.

وكذلك ما لم تتم تغيير نوع الطريقة الانتخابية ستستمر حالة الشلل في تشكيل ‏الحكومة وفي التأثير على موازنة الجيش والقطاعات المهمة في دولة الاحتلال، ولكن على الأرجح أن ‏الأحزاب ولاسيما الحزبين الكبيرين سيتدارسون في ما بينهم تغيير الطريقة الانتخابية الحالية، ولكنها حتماً ستنثر بذور ‏شقاق ‏جديدة بين أحزاب وأفراد المجتمع الإسرائيلي ‏إضافة إلى أنها موجودة أصلاً كامنة ومتفشية، ولكن من ‏المتوقع أن يصاحبها حالة عنف، ومن يستبعد تنامي حوادث العنف الناجمة عن ‏الاستقطاب السياسي عليه العودة ‏بالذاكرة الي حادثة مقتل إسحاق رابين على يد المتطرف يغآل عمير، وحادثة إغراق سفن الأسلحة التي قام بها مؤسس الدولة العبرية بنغوريون ضد إسحاق شامير، وستعزز تلك الخطوة أيضًا حالة ‏الاستقطاب داخل الاحتلال، التي هي في أوجها حالياً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.