شعار قسم مدونات

السياسي فاسد حتى يثبت صلاحه

blogs لبنان

استقال وزراء القوات اللبنانية من الحكومة اللبنانية، فلقي رئيسها سمير جعجع تعاطفاً في الشارع المسيحي، وبدأ الحديث عن استثناء حزبه من شعار "كلّن يعني كلّن"، طالما أن وزراء القوات استجابوا لمطالب الشارع وقدّموا استقالتهم، وكأن هذه الاستقالة تمنح صك براءة تصفح عما قبلها.

 

قدّم الرئيس سعد الحريري استقالته رغم محاولات أقطاب الحكومة الآخرين ثنيه عن خطوته، فلقيَ استحساناً في شارعه، وارتفع مستوى أدرينالين التعاطف لدى مناصريه، وبدأ محبّوه يرددون أن الحريري ضحّى بنفسه واستجاب لمطالب الثورة، وأنه باستقالته قدم مثالاً على النزاهة، وبالتالي لم يعد "واحد منّن"، دون أي تدقيق في شبهات الفساد التي تحوم حول الحريري والمحيطين به.

 

أقدم أحد العسكريين على قتل مواطن درزي أمام أعين زوجته وأبنائه. لكن بما أن الضحية درزي وينتمي للحزب التقدمي الاشتراكي، فإن الحادثة الأليمة انعكست تعاطفاً مع الزعيم وليد جنبلاط، وتقديراً لحكمته وتحلّيه بالمسؤولية، وبدأ يظهر في الشارع حديث عن تحييد جنبلاط المكلوم بمقتل أحد مناصريه عن شعار "كلن يعني كلن"، علماً أن جنبلاط هو أحد رموز الفساد التي ثار بمواجهتها الشارع، وهذا ليس اتهاماً بل اعتراف من جنبلاط نفسه في مقابلة متلفزة.

 

قدّم اللبنانيون خلال الأسابيع الماضية صورة جديدة بتجاوزهم لانتماءاتهم الطائفية، التي لطالما تمّ استغلالها وقوداً للتنافس الأعمى بين الزعماء

هي العاطفة البلهاء التي نجحت الغالبية الساحقة من الثائرين في الشارع من تجاوزها والحذر من عودتها، لأنها السبب في أزمات اللبنانيين. هي العاطفة الطائفية العمياء التي تدفع مناصري الزعيم للتهليل والتصفيق له رغم أنه لم يقدم شيئاً لجمهوره، وإنجازاته تتلخص في أنه حقق مصلحته وزاد ثروته وواصل نهب وسرقة اللبنانيين.

 

لا استثناء لأحد، كلهم مسؤولون عنما وصل إليه لبنان، وإذا كان رئيس الجمهورية منزعج من هذه الشمولية فلا بد من التوضيح لفخامته: "كلّن يعني كلّن" يا فخامة الرئيس، معناها أنه يجب التحقيق معهم كلهم بالمزاعم والشبهات الموجّهة إليهم وحول حاشيتهم. "كلّن" يجب أن يخضعوا للمحاسبة، ولا خط أحمر لأحد، مهما علا شأنه أو بلغت قدسيته عند جمهوره. وبخلاف القاعدة القانونية "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، فإن السياسي في لبنان فاسد حتى يثبت صلاحه، وهذا ليس تعسّفاً أو ظلماً، بل إقرار لحقيقة. فالسرقة والنهب الذي أصاب مؤسسات الدولة، وشبهات الفساد التي تحيط بالطبقة السياسية، أوصل إلى قناعة بأن الأصل هو فساد جميع السياسيين، والاستثناء هو من يثبت صلاحه وبراءته من تهم السرقة والفساد. ولا يعفي الزعيم أو الوزير المفاخرة والمكابرة ومحاولة خداع اللبنانيين بأنه رفع السرية المصرفية عن حساباته، فالفاسد الذي احترف السرقة ونهب خيرات البلد على مدى سنوات، يحترف كذلك إخفاء سرقاته وتبييض صفحته.

 

كلهم فاسدون حتى تبثت براءتهم، كلّهم يعني كلّهم، سواء الذين سرقوا ونهبوا فعلاً، أو الذين كانوا يجلسون على مقاعد المتفرجين يشاهدون السرقة والنهب من أصدقائهم وحلفائهم ولم يجرؤوا على الاعتراض ورفع الصوت، كلهم فاسدون، وفسادهم عابر للطوائف والمذاهب والخلافات السياسية، يستغلّون عواطف اللبنانيين لتهديد الآخرين بهم، لكن الزعماء في الأعلى متوافقون فيما بينهم، يداً واحدة في السرقة والنهب والفساد.

 

قدّم اللبنانيون خلال الأسابيع الماضية صورة جديدة بتجاوزهم لانتماءاتهم الطائفية، التي لطالما تمّ استغلالها وقوداً للتنافس الأعمى بين الزعماء، الأمر الذي تتلطى وراءه الطبقة السياسية للاستمرار في مقاعدها. وانتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي مواقف لرجال دين وناشطين من مختلف الطوائف، أكدوا تأييدهم محاكمة ومحاسبة زعماء طوائفهم، طالما أنهم فاسدون. هذا المنطق غير المسبوق والبعيد عن العاطفة الطائفية، فإنه سيقطع الطريق أمام محاولات سرقة الثورة وسلب ما حققته حتى اليوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.