شعار قسم مدونات

الحراك اللبناني وقدسية الدولة

blogs لبنان

الحِراك اللّبناني يبدو أكثر جدّية ومِصداقيّة هذه المرّة مِن سابقاته دليل حجم المُشاركة الشّعبية والشّعارات التي رفعها المُتظاهرون للمُطالبة بإسقاط النّظام الطائفي بكافة رموزه دون استثناء، البعض يُحاوِل أن يُصوّر لنا المشهد على عكس ذلك وأن يدّعي بأن المَحوَر "المُقاوِم" المُتمثّل بحزب اللّه وأمينه العام حسن نصر اللّه والتيّار العوني وزعيمه رئيس الجمهورية اللّبنانية ميشيل عَون "أشرف" وَ"أطهَر" مِن أن يكونا ضمن دائرة الاتهام بالفساد ذاتها التي تضّم "الفاسدين الآخرين"، هذا غير صحيح.

 

فالفساد لا يُختَزَل بسوء الإدارة وهدر المال العام وفرض الضّرائب والتسبّب بانهيار الاقتصاد وتفاقم البطالة فقط فحسب وإنّما يتخذ الفساد أشكالاً مُتعدّدة أخرى، فعندما يُقرّر زعيم طائفة ما انتهاك سيادة الدّولة الأم التي يحمل أتباعُه جنسيتها ويُقرّر أن يُقيم دُويلة أو إمارة خاصة بطائفته فيها وينشئ جيشاً مذهبيّاً خاصّاً بها يقوم باستعراضات عسكرية في قلب العاصمة بيروت وعندما يُمارس أبشع أشكال العُنصرية فكراً وقولاً وفعلاً تجاه الآخر المُختلف عنه عرقاً أو ديناً أو مذهباً أو لوناً ويُشارك في قتل وإبادة شعب آخر يُطالِب بالحُرّية ويغُّض الطّرف عَن مُعاناة اللاجئين السّوريين والفلسطينيين في وطنه فهوَ فاسِد أيضاً ولا يقّل فساده خطورةً عنهم.

 

لقد أثبتَ الشّباب اللّبناني خلال الأيّام الأخيرة أنّه على درجة عالية مِن الوعي بنزوله إلى الشّوارع للاحتجاج على اوضاعه المُتردّيّة تحت راية واحدة، راية الدّولة اللّبنانيّة وباستهدافه من خلال الشّعارات التي رفعها جميع رموز النّظام الطائفي في لُبنان دون أن يستثني أو يبرئ أحدها مِن الفساد.

 

حزب الله لعب على وتر التمويل الخارجي والسفارات في بداية الثورة لإيصال رسالة الى الفرقاء السياسيين مفادها انهم ممولون من الخارج وان هذا الحراك مدفوع من قوى خارجية
ما بين السفارة والسردابط

إن مصطلح "السفارة" الذي أطلقه نصر الله على من يخالفونه الرأي ليس غريبا على أدبيات حزب الله، وهو مصطلح يطلق على كل من يعارض الحزب في سياساته وخياراته وأيديولوجياته، ويرى الحزب أن الآراء المخالفة له أصبح لها وزن وجمهور يكبر يوم بعد يوم، خاصة أنها تضم نخبة من أساتذة الجامعات والمثقفين ومن كانت لهم تجارب حزبية متنوعة، وبالتالي هم شخصيات ليس من السهل أن تنقاد إلى أيديولوجيته ضد شركائه في البلد والدين والمجتمعات التي يعيشون فيها، حزب الله يؤكد يوما بعد يوم أنه أسير مواقف وخيارات معينة، وكل من يخالفه فيها هو خارج إطار الوطنية ومتهم بالخيانة والعمالة.

 

الثورة اللبنانية كشفت حزب الله ووضعته أمام مجهر اللبنانيين، خصوصا من كان يؤيده في سياساته الداخلية والخارجية فبات يفقد رصيده الذي بناه من مقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلي على مدى عقود مضت، الأمين العام حسن نصر الله، بات يدرك جيدا أن هناك أصواتا داخل الشيعة بدأت تتململ من سياسات الحزب، وتصرفات مناصريه، خصوصا بعد الهجمات التي قام بها مناصرو واتباع الحزب على ساحات الثورة في بداياتها، مما حدا به ان يطلب منهم الخروج من الشارع وعدم المشاركة في الثورة، عموما لم يكن خطاب حزب الله على لسان زعيمه نصر الله موجها للطائفة الشيعية فقط، وانما امتد ليشمل كافة معارضي سياساته وهو تعبير عن تراجع وانكسار، وعندما لم تعد هناك قدرة على التعبئة على المستوى الطائفي فان عليه ان يعمم التعبئة على المستوى الاشمل، لبنانياً، وعربيا واسلامياً.

 

ولكن لماذا مصطلح السفارة؟، ومن هي السفارات المقصودة؟، إذا ما استثنينا السفارة الايرانية التي لا تندرج في هذا الإطار، بدا واضحاً أن حزب الله قد لعب على وتر التمويل الخارجي والسفارات في بداية الثورة لإيصال رسالة الى الفرقاء السياسيين مفادها انهم ممولون من الخارج وأن هذا الحراك مدفوع من قوى خارجية للتعتيم على المقاومة وتمثل ذلك في اشارة امينه العام بان هناك ايادٍ خارجية تابعة لسفارات اجنبية وراء التحرّكات ظهرت لمساتها في مشاهد عدة منها، في تأمين المعدات اللوجيستية للتظاهرات، لاسيما للحراك المركزي في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، اذ ان هناك كميات كبيرة من المأكولات والمشروبات وزّعت للمتظاهرين وهو ما يطرح علامات استفهام عمن يموّلها؟، وفي المنصات للصوتيات ومعدات حديثة لتجييش الجماهير، ما يعني أن هناك تمويلاً لذلك.

 

وخلال كلمة لنصر الله سأل عن داعمي الحراك، وقال "معلوماتنا ومعطياتنا تفيد بأن الوضع خطير، ولم يعد حراكاً شعبياً بل هناك تدخل من سفارات أجنبية. وعلى اللبنانيين التحقق مما طرأ مؤخراً على الحراك، عكس ما كان عليه في بداياته، وأن يتنبهوا مما يخطط للبنان كما حصل لبلدان أخرى". داعياً الى ألا يصدقوا ما تقوله السفارات لأن المطلوب التحقق من أفعالهم وليس من أقوالهم، هذا الخطاب ليس بجديد على اللبنانيين، إذ منذ عام 2005 بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق، كل حركة سياسية أو شبابية أو بيئية أو مطلبية لا تعجب الحزب وتتنافى مع مخططه، من الطبيعي أن تكون تابعة للخارج، ومن الأمثلة على ذلك، التسمية التي تطلق على المعارضين الشيعة لسياسة الحزب "شيعة السفارات".

 

ولوحظ ايضاً أن نصر الله في إطلالته تلك ظهر وراءه العلم اللبناني دون علم حزب الله في محاولة منه ليعطي "طابعاً لبنانياً" لمواقفه، وهو المعروف عنه دائما بالتماهي مع إيران، فيما ذهب اخرون على أنه "الحاكم في لبنان"، وهو بكلامه وضع خريطة الطريق لرئيسي الجمهورية والحكومة، والحدود التي عليهما ان لا يتجاوزاها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.