شعار قسم مدونات

الانترنت.. السلاح الفتاك بيد الحكومات الدكتاتورية

blogs الإنترنت

"انقطاع خدمة الإنترنت" أو "حجب المواقع الإخبارية وتطبيقات التواصل الاجتماعي" هي عبارات نسمعها فور بدء الاحتجاجات في أي بلد عربي، فمنذ العام ٢٠١١ شهد العالم العربي تغييرات سياسية كبيرة حصلت نتيجة لثورات وتحركات شعبية لم تكن تخطر على بال أحد ولا حتى في الأحلام، فمن كان ليصدق بأن الشعب العربي سيننتفض عن بكرة أبيه ضد أنظمة تحكم بالسيف والنار؟

 
كلمة "ثورة" بحد ذاتها كانت محذوفة من قاموس الشعوب العربية أن أي ذكر لكلمة "حرية" قد يطيح بقائلها ويلقي به إلى التهلكة، ولكن كل ذلك تغير بين ليلة وضحاها فجاءت ثورة تونس لتكسر حاجز الخوف وتبعتها مصر ثم ليبيا ثم سوريا والعراق ولبنان والجزائر لتقلب الطاولة رأسا على عقب على رؤوس حكامها وأعوانهم.
   
ولكن مع اختلاف بنية الانظمة العربية وتفاوت ردود فعلها تجاه حراك الشعوب ضدها، إلا أن أغلب هذه الأنظمة اتبع أو حاول على الأقل اتباع سياسة قمعية ممنهجة للقضاء على هذه الثورات وإضعافها، القاسم المشترك أن معظم هذه الحكومات اتخذت من الانترنت سلاحاً فعالا للفتك بشعوبهم واستغلوا جهل معظمه بالعلوم التقنية وكيفية عمل الشبكة العنكبوتية التي أصبحت تشكل ركنا اساسيا من اركان حياتنا اليومية تماما كالطعام والشراب والهواء، فكثير ما نسمع عن اعتقال شبان مصريين بسبب بوست على الفيس بوك أو اختفاء ناشطين سعوديين بعد تغريدة تنتقد سياسة حكام المملكة ولعل أشهر هؤلاء هو سلمان العودة الشيخ والداعي السعودية الذي غرد بدعوة لتأليف قلوب المسلمين في الإشارة الى الحصار الجائر الذي فرضه حكام السعودية على دولة قطر.
    

مع تطور وتعقيد التكنولوجيا يجهل العديد من البشر حول العالم أن مع كل مرة تقوم فيها بتصفح موقع أو تطبيق معين، فإنك تقوم بتسريب كم هائل من معلوماتك الشخصية لمصدر غير معلوم

وبينما يكون دائما من السهل الوصول الى المشاهير من الناس، يبقى السؤال كيف تستطيع أجهزة الأمن المصرية على سبيل المثال تكميم أفواه شاب يعيش في ضواحي القاهرة في حي شعبي ببناء مضمحل غير مسجل ولا عنوان معين له، كيف تتمكن هذه الاجهزة من الوصول اليه مباشرة بعد فترة وجيزة من نشره لتغريدة معارضة لنظام الحكم؟ ما لا يعلمه الكثيرون أن الاتصال التقليدي بالأنترنت يكون بمثابة أداة تجسس زرعتها الحكومة في أجهزتك الذكية للتجسس عليك، وانا هنا لا اتحدث عن خيال علمي ولست من مؤيدي نظرية المؤامرة، فلا دخل لأمريكا واسرائيل بالموضوع، بل انني كمهندس ومتخصص بأمن المعلومات، احلل الامور من منظور تقني وفني بحت. ومن هنا جاء السؤال:

  

كيف أودى الانترنت بحياة الكثير من العرب في ظل الحكومات الدكتاتورية؟

سؤال قد يبدو غريبا إذا ما طرحته في الدول المتحضرة، ولكن للأسف في العالم العربي لدينا عشرات السجون مخصصة لمسجوني الرأي بسبب تغريدة أو بوست ضد النظام الحاكم، فكيف تمكنت هذه الحكومات القمعية من توظيف الانترنت لخدمتها؟ في الماضي وقبل عصر الإنترنت، كان تجسس الحكومات مقتصرا فقط على معرفة سجل المكالمات التي أجريتها والمدة الزمنية لكل مكالمة منذ اللحظة الأولى لاقتنائك رقمك الخاص، وبزرع أجهزة معينة (هاردوير) في صندوق الهاتف كان بإمكانهم سماع مكالماتك والتجسس عليك.

أما الأن ومع وصول تقنية الويب وتطور شبكة الاتصالات لم تعد الوسائل القديمة تجدي نفعا فاغلب نشاطاتنا أصبحت على الشبكة العنكبوتية، فبحسب التقرير الرقمي السنوي لعام 2019 يمضي الشخص الواحد معدل ٧ ساعات يوميا على الإنترنت. فهناك بحر وفير من المعلومات يسبح في فضاء الإنترنت، وهنالك عدد كبير من الجهات تسعى إلى الوصول لهذه البيانات، منها شركات التسويق الالكتروني ومعاهد التحليل النفسي والهاكرز، ولعل أخطرها في حال الدول الدكتاتورية هي فروع أمن المعلومات.

فمع تطور وتعقيد التكنولوجيا يجهل العديد من البشر حول العالم أن مع كل مرة تقوم فيها بتصفح موقع أو تطبيق معين، فإنك تقوم بتسريب كم هائل من معلوماتك الشخصية لمصدر غير معلوم داخل شركات مزودي الإنترنت وبالتالي مباشرة للحكومة، ومن هذه البيانات المسربة:
١.عناوينك والفترة الزمنية التي تقضيها في كل موقع(وهذا يعطيهم احتمالات معرفة مكان عملك وبيتك).
٢.نشاطاتك المفضلة وكل المواقع والصفحات التي تزورها كل يوم والفترة الزمنية التي تقضيها بكل صفحة.
٣.قائمة اتصالاتك وكلماتك المرورية وبيانات بطاقات الائتمان في حال شرائك من خلال المواقع ضعيفة الحماية أو استعمالك لـ انترنت عام public wifi.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.