شعار قسم مدونات

الجوكر واضطراب الثورة

BLOGS THE JOKER

ينطلق معيار تقييمي لأي فيلم في أن يبقيني مستيقظا حتى نهايته. فأنا من الذين يغرقون في نوم عميق لا يهزه كل الرصاص والانفجارات في أفلام المرتزقة "The Expendables". نجح فيلم الجوكر في طرد شبح النوم حتى عودتي إلى البيت. ونجح في رجوعي إلى صالات السينما بعد قطيعة نظرا لتدني مستوى الأفلام والاكتفاء بنتفلكس.

 

ثورة أم اضطراب نفسي

وقراري بمشاهدة الفيلم سببه حالة الانبهار بين أصدقائي. عدا عن حالة الجدل الكبيرة حول رسالة الفيلم: هل هي الثورة؟، هل هم المرضى النفسيون؟ أم ماذا تحديدا؟ باندهاش، تتبعت الحبكة المبدعة، وتعقبت عظمة زوايا التصوير القاتمة، وانبهرت بالأداء الاستثنائي والجنوني للممثل خواكين فينيكس. وأثناء كل ذلك، طاردني نفس السؤال، ما الذي يريد أن يقوله صانع الفيلم؟ الرسالة المباشرة من الفيلم، باعتقادي واضحة، هي المرضى النفسيون، أو الأشخاص المصابين باضطراب نفسي مثل آرثر فليك شخصية بطل الفيلم الذي تحول من مهرج إلى قاتل. هذا التحول الخطير سببه اضطهاد الناس وظلمهم له واستغلالهم وعدم تفهم حالته. ومن هنا انطلقت شرارة انتقام الجوكر من كل المسيئين له. فهل هذه هي فعلا الرسالة؟

 

اختلاف التأويل

أي فيلم أو رسالة إعلامية مهما اختلفت يجري تأويلها أو تفسيرها بشكل مختلف بين المشاهدين أو المتلقين، فليس هناك صواب بالمطلق وخطأ بالكامل. ويعود السبب إلى اختلاف ظروف المتلقين وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية والعرقية وما إلى هنالك. هذا ما تقوله أدبيات الدراسات الثقافية وجمهور الإعلام.

 

الثورة المتقاطعة

تتقاطع معاناة آرثر من الاضطراب النفسي واضطهاد الناس مع معاناة أهالي مدينة "غوثام" الشهيرة في عالم الكوميكس عام 1981. فـ"غوثام" في فيلم الجوكر هي إسقاط لنيويورك في السبعينيات والثمانينيات حيث الفوضى وتفشي الجريمة والبطالة والأوضاع المتردية اقتصاديا واجتماعيا مع سوء الخدمات وانتشار القوارض والقاذورات. وتتقاطع "ثورة" الجوكر الانتقامية مع بلوغ الغضب الشعبي أوجه في "غوثام" لتنفجر المدينة في ثورة أشعلها انتقام الجوكر، ضد من ظلمها واستغلها وهم الأقلية الثرية المتحكمة في مفاصلها.

 

بين التمرد والقتل

فئات عدة طالتها أيدي الجوكر القاتلة:
– ثلاثة موظفين من طبقة المال والأعمال.
– زميله المهرج من طبقة المسحوقين.
– المذيع الساخر.
– والدته.

فالفئة الأولى هي انتقام الأكثرية الفقيرة المهمشة من الأقلية الغنية الحاكمة، والفئة الثانية هي ثأر المسحوق من مسحوق مثله لكنه ينتهج الاستغلال وينصب الأفخاخ. بينما حالة المذيع هي قتل للإعلام الذي يسخر من آلام الناس. أما قتل أمه التي كان يرعاها ويحنو عليها بدم بارد، فهو انتقام من الكذب والخداع وتجميل الأقلية الحاكمة المتمثلة بتوماس واين. فهل ما شاهدناه كان صورا مجازية للتمرد على هذه الفئات أم دعوة فعلية لقتلها؟

 

بين التمرد والقتل

الضغط إذا ازداد عن حده يولد انفجارا. هذا في الفيزياء وفي سلوك الإنسان أيضا المضطرب أو السوي. والانفجار في طبيعته فوضى تختلف آثارها التدميرية باختلاف قوة الضغط وهشاشة البنيان. وهذا ما انتهى إليه "الجوكر" رمز الفوضى الثائرة على النظام.

 

باتمان وجوكر.. الأخوة الأعداء؟

رغم أن فيلم الجوكر 2019 لا علاقة له بشخصية الجوكر الكرتونية إلا أن حضور شخصية توماس واين رجل الأعمال وهو والد "بروس" أي باتمان يستدعي التوقف عنده. والاستدعاء هذا يأتي من الغموض الذي لم يجب عليه الفيلم عما إذا كان الجوكر هو الابن غير القانوني لتوماس أم لا. مما يفتح تأويلا آخرا عن تحول العدوين اللدودين إلى أخوة في الدم لمواجهة الظلم كل على طريقته. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.