شعار قسم مدونات

سعادة المدير.. إلزم موقعك

blogs عمل

ماذا برأيك إذا وجدت المهندس المدني وقد ترك الخريطة الهندسية واخذ يحفر مع العمال؟ وإذا وجدت الطبيب ترك بطن المريض مفتوحة أثناء العملية الجراحية واخذ ينظف حجرة العمليات ويُعقم الأدوات؟ وإذا وجدت الطيار يترك قيادة الطائرة ويساعد المضيفة في توزيع الطعام على ركاب الطائرة؟  أكيد ستسيطر عليك الدهشة من هذه الصور المعكوسة والخلل في الأوضاع، لكن أشد أنواع الخلل حينما تجد مدير شركة أو مؤسسة يترك مهامه المنوط بها وينشغل بمهام فرعية أخرى.

 

أنت تتعجب وتندهش خوفًا من تعطل البناء لدى المهندس وموت المريض لدى الطبيب ووقوع الطائرة لدى الطيار، فما بالك من خسارة شركة بأكملها وانهيار مؤسسة ذات أصول استثمارية وقوى بشرية مرتبط بها أُسر تعيش نتيجة نجاح هذه المؤسسة، واقتصاد دولة تنهض وتنافس نتيجة تقدم تلك المؤسسة وغيرها.

 

المدير هو المسئول حصريا عن تحقيق رؤية ورسالة المؤسسة ومتابعة تطبيق قيم وثقافة المؤسسة، المدير هو الحارس على استمرار الميزة التنافسية للمؤسسة، علاوة على قدرته في اتخاذ مقعد رئيس للمؤسسة في كل الأماكن الرسمية للدولة وتكوين علاقات وطيدة مع شخصيات نافذة ومؤثرة في حياة المؤسسة؛ والتي لا يستطيع القيام بها إلا المدير حيث هو الممثل والمسئول الرئيس لهذه المهام.

 

حينما نطلب من المدير أن يَلزم مكانه فإننا نُحافظ على القضايا الكلية التي تنتظره، وكذا نُحافظ على المهام الصغرى الكثيرة والمتشعبة والتي لا يستطيع أن يوفيها إلا مسئول عنها متفرغ لها

وبالتالي من الطبيعي جدا حينما نبحث عن هذه المهام ولم نجدها في مؤسسة أو موجودة بعشوائية أو بضعف فبتأكيد هذه المهام سقطت من المدير لانشغاله بمهام أخرى يستطيع القيام بها من بعده، ومن هنا تقع الكارثة حيث تتخذ المؤسسة دون دراية طريقها إلى الهبوط ومن ثم إلى الموت الإكلنيكي، أو على الأقل تتعثر في تحقيق أحلام وأهداف أصحابها، وتصبح المؤسسة بلا رؤية ولا استراتيجيات فعلية علاوة على أنها تقف منعزلة وحيدة بدون أذرع علاقات لدى الشخصيات الاعتبارية النافذة.

 

الغريب أننا لم نجد سند شرعي أو علمي لهذه النوعية من المديرين؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يُصنع له العريش أثناء الحرب ليخطط ويتابع وينشغل بالكليات عن الفرعيات، وحينما تمددت الدولة الإسلامية جاء خليفة المسلمين عمر بن الخطاب بمنهجية إدارة الدولة، فأنشأ الدواوين والولايات ووظف الصحابة عليها حتى لا ينشغل بكل شيء، ويتفرغ إلى استراتيجية نشر الإسلام والحفاظ على القيم الإنسانية والعلاقات الدولية مع القبائل المجاورة والإمبراطوريات الكبرى، وكما جاء بيوميات المدير الناجح أن المدير لا ينبغي أن تلهيه تفاصيل الأشياء عن كلياتها وعليه أن يركز على الرؤية المستقبلية.

 

ويُحكى أن مسئول عن منارة على شاطئ البحر-وهي التي تضيء الأنوار للسفن حتى يظهر لهم قرب الشاطئ- وكان على هذا المسئول متابعة تشغيل أنوار المنارة بالزيت حتى يُكشف الساحل للسفن، إلا أنه وجد مهمة أخرى بأن يمد أهل القرية بالزيت في هذه الليلة الباردة، فترك المنارة بدون إضاءة ونزل يساعد أهل القرية المساكين، إلا أن القرية تهدمت بالكامل حيث اندفعت سفينة ولم ترى الشاطئ فخرجت بقوة فهدمت بيوت القرية، وقد جاء بصحيفة الجرديان في إحدى المقالات أن من مؤشرات فشل المدير هو صعوبة التفويض، والتركيز مع الموظفين في كل كبيرة وصغيرة.

 

لكن بلا شك أن معايشة المدير للموظفين في أعمالهم وتفقده صغائر العمل يعطي شعور بقرب المدير للموظفين، وقد يقول قائل أنَ لنا في رسول الله أسوة حسنة حينما قال وأنا علىَّ جَمع الحطب حينما أرادت مجموعة من أصحابه إعداد الطعام، ويقول آخر أنَ على المدير أن يكون قريب من الموظفين ويفحص كل الصغائر حتى يطلع على العقبات والصعوبات، إلا أن كل ما تم عرضه في هذا السياق يمكن الاتفاق عليه إذا كان استثناء لموقف أو لتحقيق هدف محدد فقط، ثم يرجع المدير إلى مهامه الأصلية والكبرى مرة أخرى.

 

في الواقع حينما نطلب من المدير أن يَلزم مكانه فإننا نُحافظ على القضايا الكلية التي تنتظره، وكذا نُحافظ على المهام الصغرى الكثيرة والمتشعبة والتي لا يستطيع أن يوفيها إلا مسئول عنها متفرغ لها، وبالتالي ينسجم الانجاز في القضايا الرئيسية والمهام الفرعية، لذلك ليتني أذهب لكل مدير وأقول له: سعادة المدير إلزم موقعك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.