شعار قسم مدونات

رئاسيات الجزائر.. بين "عصا" الجيش و"جزرة" الانتخابات!

blogs الجزائر

تحل على الجزائريين يوم الخميس المقبل الموافق 12 ديسمبر انتخابات رئاسية هي الأولى من نوعها بعد ثورة 22 فبراير التي أطاحت بالرئيس المقعد عبد العزيز بوتفليقة وسط انشقاق واضح داخل صفوف الشعب بين مؤيد مصوت وبين معارض مقاطع وأغلبية صامتة تتأرجح بين المنزلتين. هذه الانتخابات التي تنظمها السلطة للمرة الثالثة تواليا بعد مناسبتين سابقتين فاشلتين يبدو أنها عازمة فعليا على تنظيمها رغم أنف كل من له أنف، مستغلة في ذلك تراجع وهج الحراك السلمي وتضاؤل الزخم الإعلامي والاجتماعي المرافق له مع هدوء حذر يطبع مظاهرات الجماهير كل جمعة.

تأتي هذه الرئاسيات بعد اكثر من 10 أشهر من المظاهرات المتواصلة ضد النظام البوتفليقي الحاكم، عاشت فيها الدولة مجموعة من المتغيرات السياسية أكثر من أي فترة أخرى في تاريخ الجزائر بدء من استقالة بوتفليقة مع تعويضه برئيس مجلس الأمة إلى إسقاط أسماء رجالات دولة وأمن وجرها إلى السجون مع إلقاء القبض على رجال المال الفاسدين الذين كانوا ذراعا ماديا لهؤلاء بعد أن تربع تزاوج المال بالسياسة المشهد في البلاد في الأعوام الأخيرة. كل هذا كان بتحرك ضمني غير بارز من قيادة الجيش التي بدأت حملة التطهير والتغيير لكن بقالب سياسي وقانوني في محاولة للترويج للمسار المؤسساتي خاصة وأنها رفضت الحل الانتقالي وضغطت من أجل حل في إطار الدستور متمثل في رئاسيات سريعة الأجل، الأمر الذي دفع بتصادم حتمي بينها والجماهير الغاضبة التي ترى أن الأمر لا يعدو عن كونه "تصفية حسابات" بين أجنحة الحكم في أعلى الهرم.

محاولة قراءة المشهد بوضوح اليوم صعب جدا مثلما كان الأمر عليه دائما، لكن المؤشرات لا توحي بوجود نية لدى الجناح الحاكم -قيادة الجيش- بتزوير هذا الاقتراع لعدة أسباب

لكن هذه الانتخابات تبدو مختلفة -على الأقل ظاهريا- لعدة عوامل ذلك أنها جاءت كمحاولة ثالثة استدركت فيها السلطة الانتقالية الموقف فأطلقت مبادرة حوار كان مؤطرا من رجال اختارتهم هي، وانتهت باجراء تعديلات قانونية من خلال تأسيس سلطة وطنية لتنظيم الانتخابات بصلاحيات واسعة واستقلال كامل عن الإدراة يرؤسها أعضاء مقبولون لدى البعض وتم سن قانون عضوي جديد للانتخابات يقول كثيرون أنه مكسب حقيقي للبلاد ولحراكها السلمي وضمانة لنزاهة الاستحقاق الرئاسي القادم. أتبعت السلطة مسارها ذاك باستكمال الزج برؤوس الفساد في السجون، واستعراض محاكماتهم علانية أمام أنظار العامة.

ومع هذا لا يزال الشعب -أو غالبيته- في الجزائر غير مقتنع بهذه الإجراءات لتأتي قائمة المرشحين كموجة بحر هدمت قصرا من الرمال، فنوعية المترشحين الخمسة أصابت الناس بشك هز يقينهم في إمكانية تجاوز أزمة قد طالت، أربعة منهم كانوا في فترة ما من رجالات النظام السابق: اثنان رئيسا حكومة (علي بن فليس وعبد المجيد تبون) وإثنان وزيران سابقان (عبد القادر بن قرينة وعز الدين ميهوبي) فيما يبقى الخامس هو عبد العزيز بلعيد رئيس حزب معارض آت من الإقامات الجامعية!

لكن هذا بذاته إفراز منطقي -أو ضروري ربما- نظرا لما قام به الرئيس السابق من "إخصاء سياسي شامل" للساحة واحتكار أحادي الجانب للسلطة مع تفريغ ممنهج للأحزاب السياسية وتكوين قطيعة دائمة بين المواطن والسياسة الأمر الذي منع من ظهور نخبة معارضة جديدة قادرة على الحشد والتعبئة ضف لذلك مقاطعة الشخصيات السياسية من الدرجة الأولى ولها أسبابها، فما كان سوى أن تتم رسكلة الوجوه القديمة بطريقة جديدة فقط.

إنعكس هذا الأمر على الحملة الانتخابية لهؤلاء الخمسة التي جاءت باهتة لا تليق باستحقاق تتطلع له الجماهير في البلاد، فكان الخطاب السياسي متدنيا لا جودة له ولا نوعية كانت الشعبوية عنوانه الأبرز مشبعا بوعود عشوائية مستهلكة لأناس يبيعون الكلام ولا يشترون، وكانت البرامج المطروحة مستنسخة وضعيفة تفتقر لأسس متينة واضحة أو لخطة تتبنى ما يطالب به الشعب هناك في ساحة البريد المركزي وربوع الوطن الأخرى، قبل أن تختم بمناظرة على الطريقة التونسية أشبه بمسابقات الأسئلة التلفزيونية كان السلبي فيها أكثر من الإيجابي. فيطرح الجزائري سؤالا علة نفسه: وجوه المترشحين قديمة والممارسات قديمة والوعود قديمة فكيف يقول قائد الجيش أننا على موعد مع الجزائر الجديدة؟

إن محاولة قراءة المشهد بوضوح اليوم صعب جدا مثلما كان الأمر عليه دائما، لكن المؤشرات لا توحي بوجود نية لدى الجناح الحاكم -قيادة الجيش- بتزوير هذا الاقتراع لعدة أسباب أولها أن كامل الإجراءات السابقة لا بد أن لا تنتهي بمصادرة اصوات الشعب فالسلطة ليس غبية لتصوم يوم صيف حار كاملا ثم تفطر قبل المغرب بدقائق، ثانيا هو عدم وضوح مرشح مزكى من طرف النظام سواء ظاهرا أو باطنا مع التأكيدات التي يعيدها نائب وزير الدفاع قايد صالح كل أسبوع، بل غياب مرشح عسكري بعد منع كل من له صفة "ضابط" من الترشح، ثالثا هما عاملي الضغط سواء الداخلي أو الخارجي والوقت الضائع اللذان لا يسمحان بتهور آخر قد يفتح النار أمام المؤسسة العسكرية وقادتها.

يبقى أن هناك أموار أخرى تحكم على نزاهة الاستحقاق القادم خصوصا نسبة المشاركة التي يعول عليها المنظمون وهذا بذاته تحد عظيم أمام انقسام الشارع بين المؤيد والرافض والمحايد، وكذلك ضمان القطيعة مع "التزوير الذكي" المعتاد من خلال عدم توجيه أصوات الأسلاك الأمنية نحو مترشح ما بتعليمات عليا ومحاولة عدم التأثير الحزبي خصوصا أحزاب السلطة التي حكم عليها الحراك منذ زمن بالموت وإبقاء حيادية الإدارة وواجب صمتها وتحفظها في كل الأحوال، كما أن الشيء المؤكد هو إحتمالية المرور إلى الدور الثاني والتي -أراها شخصيا- معيار النزاهة الأول فكل ما ذكرته سابقا يجعل من المستحيلات السبع أن يفوز واحد من المتسابقين الخمس بنصف كتلة الأصوات أمام عرض ضعيف وطلب مشترط متكلف.

لا يمكن إنكار ما تم انجازه في البلاد إلى الآن لكن المؤكد أننا ضيعنا فرصة -قد تزال قائمة- في رئاسيات كانت لتكون في ظروف أحسن وتوافق أكبر بين الأطراف المتنازعة حول حل الأزمة، كانت لتنعكس على نوعية مترشحين أفضل وبالتالي تنوعا في الخطاب سياسي واختلافا في الرؤى الانتخابية، وهذا ما يفتقده الناخبون حاليا مما جعل التحفظ سيد الموقف لدى السواد الأعظم من الجزائريين في وقت تقوم فيه أبواق الاعلام والسلطة بحشد لا سابق له لانجاح "العرس الديموقراطي" القادم مع إشهار المؤسسة العسكرية ل"سيف القايد صالح" وتوعدها بالتصدي لكل من سيعترض هذا المسار أو يشوش عليه.

لقد مرت عشرة أشهر على ثورة الجزائر السلمية ومازال الشعب ينتظر قطف زهورها التي سقتها أمطار شتاء فيفري وسطعت عليها شمس صيف أوت والناس ينتظرون بتوجس حلا لأزمة سياسية انعكست على معالم الحياة في البلاد. كثيرون يرون أن عشرة أشهر مدة كافية لكي يخرج جنين الديموقراطية من رحم هذا الوطن لكن هل سينجح الأطباء العسكريون في هذه العملية القيصرية؟ وهل هذه المدة لا توحي بأن جنين الديموقراطية قد يخلق مشوها في الجزائر أم أنه تأخر فقط لكي يكتمل نضوجه؟ حسنا، أنا طالب طب ولم أسمع بجنين تأخر هذه المدة لأنه يكمل نضوجه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.