شعار قسم مدونات

النسوية المتوحشة تهدد القلعة الحصينة

blogs النسوية

أرى مستندا إلى وقائع وحقائق؛ أن أكثر تيار يجتاح العالم أفقيا وعموديا، ويمتاز بالتقدم الشرس، والنهم الذي لا يكاد يجاريه فيه تيار آخر هو تيار (النسوية/التنسون).. Feminism، فهذا تيار ينشط في السلم والحرب، وفي ظروف الغنى والفقر، وفي بيئات العلم والجهل، ويعمل على اختراق المستويات الرسمية والأهلية دون توقف، ولكن مع بطء تقتضيه الظروف أحيانا، ولديه قدرة عجيبة على صناعة أو افتعال معركة يحدد سلفا أدواتها وأسلحتها وميدانها، ويعرف بالضبط ماذا يريد منها، ولو كان يعلم أنه سيخسرها، ولكنه يضيف عبر تلك المعارك نقاطا متراكمة تصب في مصلحته.

 

متوحش بلا مبالغة

وحين أصف التيار بالتوحش فهذا ليس مبالغة، أو مجرد حقد أو وضع تصورات وآراء مسبقة، مثلما درجت عادة المنافحين عنه، أن يصفوا من يختلف معهم في قليل أو كثير؛ ذلك أنه يهاجم بعنف ومكر ومراوغة وضراوة لا يقبل فيها التراجع ولو خطوة عن أهدافه ورغباته، وفي هجومه لا يأبه بخطوط حمراء، ولا يراعي ضوابط أو تعاليم دينية أو أعراف وخصائص اجتماعية وهوية تاريخة وثقافية، ولأنه كلما حاز شيئا، طالب فورا بالمزيد والمزيد، وازداد شراسة وتغوّلا، ورفع صوته عاليا، ومع الصوت سوط يجلد كل معترض أو مخالف أو متحفظ أو حتى من يقف على الحياد.. وربما يصعب التكهن إلى أين يريد أن يصل بالضبط؟ مع وجود سيناريوهات وتصورات، وقد كانت في وقت ما بعيدة، فصارت واقعا، والله أعلم ما هو القادم؟!

 

شبه صحوة غربية
ظلت الأسرة العربية قلعة حصينة عصية على الاختراق المُهدد لكينونتها ووظيفتها؛ رغم الحملات الاستعمارية، وما تلاها من غزو ثقافي متواصل.. ولا نبالغ لو قلنا أن الأسرة هي أحد الأركان التي قامت عليها الأمة

ولم يعد الخوف والتوجس وخوض المعارك المستمرة مع هذا التيار محصورا في المجتمعات الشرقية أو العربية والإسلامية التي توصف بالمحافظة؛ بل تعداه إلى المجتمعات الغربية التي صنعته، فصار مثل وحش ضار تمت تربيته في قفص فأفلت أو كسر قضبان القفص وهاجم حتى من رعاه وأطعمه وسقاه واهتم به. قد يبدو كلامي مرسلا وإنشائيا، ومع أن هذا ليس عيبا، ولكن من معالم الصحوة التي قد تبدو متأخرة تأخرا لا يليق معه القول المشهور (أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي) هو النشاط الملحوظ المتزايد (ولو على مستوى الإعلام) لحركة MGTOW وهي أحرف تختصر اسم الحركة:-Men Going Their Own Way –الرجال يسلكون طريقهم الخاص.

 

ومع أن الحركة المذكورة تصنف عادة على أنها من (كارهي النساء) وهذا تصنيف برأيي منبعه سلطة الثقافة السائدة الناجمة عن تغوّل الحركة النسوية، ولكن الحركة وجدت نساء(مع أن عناصرها رجال) غربيات يبررن أسباب التحاق الرجال بها، والسبب في رأيهن هو التطرف والتغوّل الذي صار ديدن الحركة النسوية. فالحركة هي ردة فعل طبيعية على التوحش النسوي في تلك البلاد الغربية؛ بحيث يصبح الرجل وفق وصف المنتسبين إليها مجرد (ماكنة صراف آلي) بل هو كذلك فعلا؛ وبالتالي يجب انفصال الذكور والرجال وعزوفهم عن الزواج  بل حتى المعاشرة وتكوين بيئة خاصة بهم!

 

تهديد الإنسانية

لو تأملنا المشهد جيدا بالفعل النسوي وردات الفعل عليه لوجدنا أن التنسون يهدد مستقبل الإنسانية بأسرها.. فلا شك بأن الضرر الذي لحق بالأرض والإنسان بسبب الغرب وتقليعاته يفوق الوصف ويتعب من أراد العد والإحصاء. وكأنه لا يكفينا الاحتباس الحراري وذوبان الجليد والتغيرات المناخية وغيرها من المصطلحات التي صارت لازمة لحياتنا على هذا الكوكب الذي جعلنا الله خلفاء فيه، فأفسدته طائفة من الناس، بسبب الجشع والوحشية، التي أفرزتها الحضارة الغربية المبنية على أنانية مطلقة لا تبالي إلا بتحقيق المكاسب وزيادة الأرباح ولو على حساب التوازن البيئي الذي جعله الله مناسبا لحياتنا وحياة المخلوقات الأخرى على هذه الأرض.. كأن هذا لا يكفي؛ فتأتي التيارات النسوية ومن شايعها بتقليعات تنذر وتهدد الوجود الإنساني على هذه الأرض، إذا لم يتم لجمها وكبح جماحها، مع أن ترميم ما خربته ودمرته يحتاج وقتا وجهدا كبيرين.. فالهدم أسهل وأقصر من البناء!

 

الأسرة العربية قلعة مهددة

ظلت الأسرة العربية قلعة حصينة عصية على الاختراق المُهدد لكينونتها ووظيفتها؛ رغم الحملات الاستعمارية، وما تلاها من غزو ثقافي متواصل.. ولا نبالغ لو قلنا أن الأسرة هي أحد الأركان التي قامت عليها الأمة في أزمان الغزوات الخارجية والعثرات والخلافات عبر كل مراحل التاريخ. بل إن الأسرة وبالتالي العائلة علامة مميزة تختص بها المجتمعات العربية عن سواها، خاصة في ظل تردي مجالات التعليم والصحة والاقتصاد وما خلف ذلك من استبداد سياسي ودول بوليسية تمسك بقبضتها الفولاذية برقاب المجتمعات العربية.

هذا مع الإقرار والاعتراف بحزن وحسرة بأن الأسرة العربية أصيبت وجرحت ولحقت بها تشوهات، ولكن يمكن أن نقول بثقة أن هذه القلعة لم تخترق تماما وبالتالي لم تسقط، حتى وإن وهنت أسوارها أقله حتى اللحظة.. ذلك أن النظم السياسية لم تعمل بجد على هدم هذه القلعة أو تدميرها واكتفت بإضعاف جدرانها وحصارها، وما تزال الأسرة بحق الملاذ الأخير للأمة في ظل أزماتها المختلفة المتشعبة. وإجمالا فإن النظم السياسية إما محاباة للعرف السائد الذي كان -وما زال عموما- عصيا على تغيير يمس بنية وكينونة القلعة (الأسرة) أو لأن الضغوطات (أو الأوامر…لا فرق!) الغربية لم تكن قوية لدرجة تدفع النظم إلى العمل على تدمير وهدم القلعة.. مع كل ما تملكه من أدوات خشنة وناعمة.

تيار التنسون كما قلت في البداية لا يتوقف ولا يعرف اليأس ولا يكفّ عن المحاولة ولا تشبع نهمته؛ فما يحوزه من أدوات وأموال وما راكمه من اختراقات تقيه من الاندثار، فيبدأ معركة جديدة مستعينا بمنظومة لها تأثير سلبي على القلعة

فقد تجنبت النظم السياسية المساس بقوانين الأسرة (الأحوال الشخصية) بطريقة تناقض الشرع الإسلامي عموما، اللهم مع استثناءات معروفة في بعض الأقطار مثلما فعل بورقيبة ومن بعده بن علي في تونس مثلا. وقد كان سلوك النظم السياسية في هذا المجال يعطيها نوعا من الشرعية والإدعاء الذي تواجه به خصومها ممن يتهمونها بالبعد عن الإسلام، وقد واكب هذا السلوك حملة روادها بعض علماء الدين الذين دأبوا على محاججة تيار (الإسلام السياسي) بأن هذه النظم وإن كان لديها بعض الأخطاء فإنها لم تقترب من القلعة (الأسرة) الحصينة التي هي أهم مما سواها؛ على اعتبار أن الحياة والممارسة السياسية تتغير مع الزمن بحكم السيرورة والصيرورة، بينما الأسرة وشؤونها وظروفها تلتصق بمسار الحياة اليومية، وهذا -وفق التنظير- أقل الضرر ويحفظ الدين بحفظ الأسرة.

ولكن تيار التنسون لم يستسلم ولم يكف عن مهاجمة القلعة؛ فالتيار تغوّل في الغرب، وصار تقريبا هو الآمر الناهي، واستطاع تجيير القانون لخدمة أهدافه ومصالحه إلى حد كبير جدا. والغرب تأثيره على مجتمعاتنا، وبالتأكيد على أنظمتنا السياسية عميق جدا، بأدوات ظاهرة أو خفية. والحقيقة أننا لا يمكن أن نبرئ ساحة الأنظمة من تمكين تيار التنسون وتقوية مخالبه، ليس فقط عبر تعديلات مست قوانين الأسرة عبر الزمن ومن مرحلة إلى أخرى، بل بترك الحبل على الغارب لنشاط مؤسسات التنسون التي تتبع الغرب فكرا وثقافة وشعارات عموما، وتمويلا في كثير من الأحيان، ناهيك عن تسليم زمام الحقول الثقافية والإعلامية والتربوية والتعليمية إلى تيار التنسون أو إلى تيارات علمانية ليبرالية محابية له أو تقريبا لا تختلف عنه.. وذلك ربما لتهيئة البيئة المناسبة لجعل أهداف التنسون تحمل صفة قانونية معتمدة رسميا وأهليا!

والحقيقة أن التنسون تيار ينتهز أي فرصة عند أصحاب القرار لقوننة ما يضعف القلعة أو يخترقها، تمهيدا لقوانين أخرى تعمل على هدمها؛ فمثلا استغل تيار التنسون نفوذ (جيهان) أرملة السادات فصاغت قانونا جديدا للأحوال الشخصية حمل اسمها، ووقتها لاقى القانون المذكور اعتراضا من شيوخ كبار معتبرين في مصر من أمثال محمد أبو زهرة ومحمد متولي الشعراوي -رحمة الله عليهما- وقد أقر القانون وتم إلغاؤه بعد بضع سنين من مصرع السادات. ولكن طبيعة النظم السياسية هي البحث عن مصلحتها العليا وهي البقاء وكسب الشرعية-أو ما يمكن منها- في أوساط العامة وفي سبيل تحقيق تلكم المصلحة، فإن النظم قد تضطر إلى ترك محاباة تيار التنسون ولو بالتفاهم الضمني مع داعميه، والذين هم غالبا مع بقاء الأنظمة وتقوية نفوذها وزيادة شعبيتها، وهذا قد يصل إلى حد ضرب بعض أو حتى كثير من أركان وأنشطة التنسون بأدوات النظم السياسية القانونية والأمنية بل حتى الإعلامية والمشيخية إذا اقتضت المصلحة ذلك.

لكن تيار التنسون كما قلت في البداية لا يتوقف ولا يعرف اليأس ولا يكفّ عن المحاولة ولا تشبع نهمته؛ فما يحوزه من أدوات وأموال وما راكمه من اختراقات تقيه من الاندثار، فيبدأ معركة جديدة مستعينا بمنظومة لها تأثير سلبي على القلعة؛ فمثلا لو أخذنا الإنتاج الدرامي السينمائي أو التلفزيوني العربي وخاصة المصري مع الأعمال الأدبية طبعا، لوجدناه يطفح بكل ما من شأنه أن يهدم أسوار القلعة بحيث يصبح احتلالها مسألة وقت أو قرار، فهذه المنتجات ذات التأثير الساحر عموما توصل رسائل خبيثة منها:-

1) الدفاع عن العلاقات غير الشرعية أو تبريرها، وإظهارها كحالة طبيعية لا بأس بها ولا تعيق المرء عن تحقيق ذاته علميا واجتماعيا بل على العكس.

2) تعزيز الأنانية والفردية عبر تزيينها وإظهارها في قالب يثير الإعجاب.

3) تقوية السخرية من الوعظ الديني وخلق قدوة جديدة للرجال والنساء شيبا وشبانا؛ ولهذا لم يعد المثل الأعلى للشباب جيل الصحابة أو التابعين أو الفاتحين أو العلماء الأفذاء، كما لم يعد نموذج المرأة المحبب أمثال أمهات المؤمنين أو الصحابيات أو المجاهدات؛ بل حتى الأعمال الدرامية تظهر أولئك بصورة سيئة أو مشوهة غالبا.. لذا انتشرت عندنا الأسماء الأجنبية للإناث!

أضف إلى ذلك ما يرد إلى القلعة من مسلسلات وأفلام غربية حين تتضافر مع العربية تجعل عقول سكان القلعة عاجزة أو قاصرة عن التمييز بين خصائص وثقافة كل مجتمع واختلافها الجذري عن الآخر؛ فالممثل الأجنبي يظهر ممسكا وشاربا لكأس الخمر وكذا الممثل العربي، بحيث يبدو أن الأمر عادي جدا! الحديث ذو شجون وتيار التنسون ينادي بمساواة لا تقبلها الفطرة السليمة، فيعمل على انتكاس الفطرة بكل جد، وهي مخالفة للنص القرآني (وليس الذكر كالأنثى) ويجتهد التيار ويعمل على أكثر من صعيد بلا كلل أو ملل.. ومع أنني أحرص على تجنب الربط الذي يوصف غالبا بأنه غرق في نظرية المؤامرة ولكن لا شك أن النسوية في حال قويت شوكتها في بلادنا فإنها قلعة متقدمة من قلاع الاستعمار المعاصر وتهدد قلعتنا الحصينة الباقية أي الأسرة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.