شعار قسم مدونات

عندهم ماتسادا.. فهيا بنا نحطم رموزنا ثم ننهض ونتجدد!

blogs قلعة ماتسادا

بعض الضباط والجنود الإسرائيليين يقسمون قسمهم أمام جدران قلعة (الماتسادا) وطلبة من مختلف المراحل يزورون المكان ضمن خطط المنهاج الإسرائيلي، ووحدة عسكرية عندهم تحمل الاسم (الماتسادا) وهي من الوحدات النخبوية عندهم وعادة تكلف بقمع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال! والماتسادا قلعة على جبل مسعدة قرب البحر الميت؛ يزعم الإسرائيليون استنادا إلى روايات تاريخية تخصهم حصرا، أن حوالي 950 يهوديا تحصنوا داخلها وحاصرهم جيش الرومان فرفضوا الاستسلام وانتحروا وذلك في سنة 70م. وصارت هذه الرواية المطعون في صحتها تاريخيا؛ حتى من مؤرخين يهود معاصرين، رمزا مهما عند إسرائيل جيشا وساسة ومجتمعا، يمثل من وجهة نظرهم نموذج البطولة والصمود والتضحية وغير ذلك من المعاني الفدائية.

 

ماذا عنا؟

هذا في كيان فيه معهد (التخنيون) المختص بمجال التقنيات والذي يعتبر من أهم وأفضل جامعات العالم، بل على مستوى الحاسب (الكمبيوتر) يحتل المعهد مركزا متقدما عالميا.. ناهيك عن مجالات علمية أخرى يتفوق بها الكيان.. ومع ذلك يؤمنون برواية الماتسادا ويبجلونها، مع أنها أسطورة من نسج خيالهم، وذلك لاجتراح رمز بطولة وفداء، لا وجود له في واقعهم أو تاريخهم. فماذا عنا نحن، ولدينا آلاف الأمثلة والنماذج الحقيقية لا المصنوعة لا المتخيلة، وبعضها موثق بالصوت والصورة، وبعضها عليه شهود عيان على قيد الحياة، وهي موثقة في مدونات لمؤرخين وازنين.. وهي ليست نماذج انتحار جماعي بل شجاعة وإقدام وقتال ومواجهة حتى آخر نفس، وإما نصر أو شهادة؟

 

ظاهرة خبيثة!
ولو فرضنا حضور البحث العلمي الرصين -وهو منعدم حقيقة عندهم- فهل الأمة في ظرفها الحالي في ترف فكري يجعل ازدراء رموزها والنظر إلى تاريخهم وسيرتهم بعين الحقد أمرا مطلوبا وله فوائد على أي صعيد كان؟

مع بالغ الحزن نحن ازدادت بين أظهرنا وتضخمت في محافلنا ظاهرة تشويه الرموز وتحطيمها معنويا في أعين الناس، فتقريبا لم يبق رمز إلا وطعنه قوم جعلوا شغلهم الشاغل، هو النيل من الرموز والسعي الحثيث لتحقيرها؛ ولا أقصد فقط الجانب الفدائي المرتبط بمناجزة الأعداء أو الغزاة، بل جميع الرموز والنماذج الإنسانية التي تنتسب إلى العرب والمسلمين، هناك من يشن عليها حملات ضارية مركزة تستخدم الأدوات الحديثة، وتلبس لبوس البحث العلمي والموضوعي، وهي منه بعيدة، أو صارت تستغل الدراما المدعومة بأموال طائلة لتحطيم الرموز وتبغيض الناس فيها وترغيبهم عنها.

 

والنتيجة زيادة الشعور بالاغتراب، والتخبط والحيرة، ونظر الناس إلى أنفسهم باستصغار؛ حيث لم يبق لهم تاريخ يتشرفون به، أو يهتدون بمصابيحه، وواقعهم بائس، وبالتالي عليهم الاستسلام والعيش في هذه الدنيا عيشة الأنعام، أو اللهث وراء نماذج مستوردة، وتقبل كل ما فيها باستسلام تام دون مناعة تذكر، سعيا وراء حلم زائف بتطور وتحضر وتمدن محمول على ظهر البراءة من الرموز وتحطيمها واستبدالها بالنطيحة والمتردية.

 

مثلا، عبد الملك بن مروان

لقد درسنا في المدارس الابتدائية -ونحمد الله تعالى على ذلك المنهاج- أن عبد الملك بن مروان (أخمد الثورات) هكذا فقط دون ذكر لتفصيلات أو تعريج على أحداث، وأيضا هو من قام بتعريب الدواوين والعملات النقدية في ذلك الزمن سنة 80 هجرية وأنه بنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى المبارك وغير ذلك من إنجازات الرجل. حسنا، وجميل هذا العرض التاريخي وهو مناسب وكاف لتلك المرحلة، لأطفال ينغي أن تُنبت في وعيهم الداخلي الاعتزاز والاحترام لماضيهم الذي هو الماضي الخاص بأجدادهم بالمعنى البيولوجي أو العقدي والتاريخي والثقافي والمصيري والرسالي.

 

فتخيل لو أن المنهاج كان غير ذلك وطرح قصة استعمال الحجاج لغزو مكة وقتل عبد الله بن الزبير –رضي الله عنهما- وصلبه، وكل ما نعرف؟! أي صورة ذهنية مشوّهة ستسكن وعينا، وقد كنا دوما نزور المسجد الأقصى ونتأمل جمال قبة الصخرة ونتذكر من أمر ببناء هذه التحفة المعمارية؟! في مرحلة لاحقة عرفنا تلك الحادثة الأليمة، وذلك في وقت التمييز ووجود ميزان العقل، الذي يفصل بين ما يُقبل وما ينكر، ويفصل بين الأمور خيرها وشرّها، ويقارن بين حسنات الشخصيات التاريخية وسيئاتها، وما هو حق وما هو باطل.

 

طبعا هذا مجرد مثل أستحضره في خضم طاحونة يحركها من لا يرأف بحال الأمة، ولا تأخذه في أجيالها رحمة، فيهاجم رموزها الذين هم شخصيات وقادة أو من الصحابة والتابعين، أو الفاتحين أو المحررين لما اغتصب أعداؤها من أراض ومقدسات. بل هناك من أخذته العزة بالإثم وصار بحكم شهرته يعطي نفسه حق الشتم البذيء عندما يتحدث عن قائد عظيم مثل صلاح الدين الأيوبي…فأين-بالله عليكم- هي الموضوعية والمنهج العلمي المزعوم، الذي يرفعه شعارا وينقضه فعلا؟ ومن نصّبكم أوصياء على وعينا وفكرنا وتراثنا؟!

 

لا منهجية علمية

ولو فرضنا حضور البحث العلمي الرصين -وهو منعدم حقيقة عندهم- فهل الأمة في ظرفها الحالي في ترف فكري يجعل ازدراء رموزها والنظر إلى تاريخهم وسيرتهم بعين الحقد أمرا مطلوبا وله فوائد على أي صعيد كان؟ ثم من هو المنتفع الحقيقي من هذا العبث والهراء؟!  يزعم القوم أن الأمة لن تنهض ولن تتجدد ولن تبحر في عالم العلوم والمعارف ما لم تعرف (حقيقة تاريخها) وفق زعمهم وأن السبيل إلى تلك المعرفة يؤتى من أسلوبهم المقزز الذي يجعل الرموز في مرمى القذف والتشهير وتشويه السمعة والصيت.

 

ماذا عن الماتسادا والتخنيون التي بدأت الحديث عنها؟ هل اعتناق كذبة الماتسادا كحقيقة مسلم بها أعاق البحث العلمي عند الكيان العبري…وبالتالي هل النيل من خالد وصلاح الدين ومحمد الفاتح جعل كل جامعاتنا ومعاهدنا تنافس التخنيون أو أي جامعة إسرائيلية منافسة كي نرفع بها رؤوسنا ونعتز بها.. كيف يفكر هؤلاء؟ ومن حقنا أن نسأل عن دوافعهم الحقيقية.

 

أما الأجيال المستهدفة من الشباب والكهول: اعلموا أنكم حين تحطمون رموزكم وتزدرون تاريخكم تصبحون بلا هوية ولا رسالة في الحياة، ولأهمية الرموز اخترع الكيان أسطورة الماتسادا وكثير من الأساطير التي يغذي بها مجتمعه

وإذا حاكمنا منهجهم إلى العلم فإنه متهافت هش، ولكن يختبئ وراء الدعم المالي، واستغلال الصراعات السياسية، وبالتأكيد مباركة من وراء البحار؛ ولا أدري وفق أي معيار يجلس هؤلاء بخشوع-على سبيل المثال- أمام أقوال (سقراط) ويعتبرونها أيقونة مقدسة، مع أن هذا المذكور ثمة من يرى أنه شخصية وهمية اخترعها (أفلاطون) أو يتسولون بضاعة فلاسفة أو مفكرين غربيين تأثر إنتاجهم ببيئتهم، وأصلا صاغوا نظرياتهم لمجتمعاتهم، وبعضهم عانى من أزمات عائلية أو نفسية، انعكست بالضرورة على المخرجات الفكرية.

 

وفي نفس الوقت يأتون -باسم العلم المزعوم- ليطعنوا في البخاري وصحيحه، وهذا طبعا ينسحب على كل التراث، الذي يحتاج -وفق نظريتهم- إلى تنقيح وتنقية من الشوائب. هل أنتم مؤهلون لهذه المهمة، على فرض الحاجة المزعومة إليها؟ وبأي حق تسخرون من شيء تعتبرون مرور قرون عليه بحد ذاته ثلمة كبيرة، وتقدسون وتعلون من قيمة ما سبقه (أفلاطون مثلا) بألف عام ويزيد؟ ولو أن منهج البخاري (العلمي والبحثي) أو غيره من أهل الحديث اعتمد في عصرنا لما حمل أي منكم لقبا من الألقاب الأكاديمية التي يحملها في هذا الزمان، هذا طبعا مع وجود مجموعة من مشغلي (الطاحونة) التشويهية لا مؤهل لهم سوى شهرة صنعتها الشاشة والدراما والتلميع والأجواء الموجودة.

 

ما الفائدة؟

هل سنتخلص من البطالة والفقر ونصلح من أحوال الصحة والتعليم وستوزع الثروات بعدالة ونعالج الأمراض الاجتماعية، ونتخلص من رأس الهرم لهذا كله وهو الاستبداد السياسي (وهم غالبا يحظون بدعمه ورعايته وأحيانا هو الموجه الحقيقي لهم) ونتخلص من السرطان الصهيوني، في حال أخذناكم أسوة لنا؛ وصرنا نردد تخاريفكم بأن خالد بن الوليد (قاطع طريق) وعمرو بن العاص (محتل غاشم) وهارون الرشيد (زير نساء) وصلاح الدين (شخصية كذا) وسلاطين العثمانيين الأوائل (قتلة ومصاصي دماء) ثم سقطنا أكثر في حفرتكم الشيطانية فرمينا أبا هريرة بما تهرفون وكذبنا السنة، ولأنكم لا تقدرون على تحريف القرآن الكريم (وإلا لما بقي منه سوى العنوان كما قال أحمد مطر) نأخذ بتفسيركم المتهافت لآياته وأنتم لا تحسنون استعمال اللسان العربي أصلا؟

 

هل هذا ما تريدونه وأنتم تتدرعون بزخرف القول، أم أن رسالتكم وحالتكم أشبه بتفكير إخوة يوسف حينما ظنوا أنهم بقتل يوسف وطرحه أرضا يخل لهم وجه أبيهم، ويكونوا من بعده قوما صالحين؟!.. وبرأيي إخوة يوسف خير منكم ليس فقط لأنهم تابوا وأنابوا، بل حتى وقت تآمرهم عليه، فقد حركتهم الغيرة ونزغ الشيطان، فماذا عنكم؟ ما الذي ينافسكم فيه ويصارعكم عليه خالد أو صلاح أو البخاري أو الشافعي أو الرشيد أو الفاتح أو سليم، وكل من هم في ذمة الله منذ زمن طويل؟.. محبة الناس وتقديرهم وترميزهم لهؤلاء؟ وهل تظنون أنكم ستحلون مكانهم في قلوب الناس؟.. كفاكم عبثا وتخريبا.

 

التحذير والتذكير

أما الأجيال المستهدفة من الشباب والكهول: اعلموا أنكم حين تحطمون رموزكم وتزدرون تاريخكم تصبحون بلا هوية ولا رسالة في الحياة، ولأهمية الرموز اخترع الكيان أسطورة الماتسادا وكثير من الأساطير التي يغذي بها مجتمعه، فالأولى بكم ورموزكم حقيقية مهما كان منها من أخطاء وعثرات وزلاّت لا يسلم ابن آدم منها، ويجري تضخيمها بلؤم ماكر، هي المنارات التي يفترض أن تسيروا بهداها.. وإلا فانتظروا ضياعا فوق الضياع الذي وجدتم أنفسكم فيه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.