شعار قسم مدونات

هل تعامل أمريكا العراق كدولة محتلَّة؟

BLOGS العراق الحشد الشعبي

"علما أن الاحتلال بقيادة الأرعن (ترامب) استغل الفساد المستشري من جهة والهوة الكبيرة بين الساسة والشعب من جهة أخرى، لذا على الجميع التنازل عن المغانم والسلطة من أجل رفاهية الشعب وكرامته وإلا فلات حين مندم". مقتدى الصدر

أفرزت واقعة استهداف القوات الأمريكية بالعراق لكتائب "حزب الله" العراقي التابع للحشد الشعبي والذي يخضع بدوره للقوات المسلحة العراقية ووزارة الدفاع، أفرزت واقعاً جديداً يقول إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعير أي اهتمام لسيادة العراق وأنها مستعدة لاستباحة أراضيه في كل فرصة تراها مناسبة للرد على مناوئيها في المنطقة ومن داخل العراق وضد أبناءه أيضاً. أسفرت الغارات الأمريكية عن مقتل 25 عنصرا من عناصر حزب الله العراقي في مواقع متفرقة ردًّا على استهداف الكتائب العراقية لقاعدة "كي وان" بمحافظة كركوك التي تتواجد بها قواتٌ أمريكية ما خلف مقتل متعاقد مدني أمريكي حسب وزارة الدفاع الأمريكية.

وما يوضح التوجه الأمريكي القديم-الجديد هو إخبار وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي بقرار القيام بغارات ضد الكتائب الأمر الذي رفضه عبد المهدي بشدة ودعاه الى التشاور لكن القرار الأمريكي قد اتخذ، ولم يكن هذا الإخبار بهدف الحوار أو الاستشارة مع السلطات العراقية بقدرِ ما كان أشبه باحتقار للحكومة العراقية وعجزها عن تدبير شؤونها وسيادتها الأمنية.

غزو العراق بأوهام أسلحة الدمار الشامل

لا زال راسخًا خطاب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن وهو يعلن القيام بتدخل عسكري بدعم بريطاني ضد نظام الرئيس صدام حسين لامتلاكه أسلحة دمار شامل، ليتبين في الأخير أن ذريعة الغزو كانت أضغات أحلام صنعتها المخابرات الأمريكية والبريطانية لتبرير احتلال العراق، هذا الغزو لم يكلف مؤخراً "طوني بلير" رئيس الوزراء البريطاني في تلك الفترة سوى الاعتذار عن تسببه في موت مليون ونصف مدني عراقي جراء الغزو الأمريكي-البريطاني.

صحيح أن عدد القوات الأمريكية بالعراق تقلص من 250 ألف عنصر سنة 2003 إلى 10 آلاف عنصر يوجدون حاليا، لكن ذلك لم يمنع هذه القوات من استباحة الأراضي العراقية انطلاقاً من قواعد أمريكية في هذا البلد، المفروض أن هذه القوات تقوم بمهام استشارية فقط حسب زعم الإدارية الأمريكية ،لكن هذه الأخيرة تصر على أن تواجد القواعد الأمريكية جاء بموافقة وطلب من الحكومات المتعاقبة منذ حكومة نوري المالكي إلى حكومة عادل عبد المهدي.

لكن يبدو أن الإدارة الامريكية عازمة على تعزيز تواجدها العسكري بالعراق مع تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، وتصديقا لما ذهب إليه شيخ الديبلوماسيين الأمريكيين "هنري كيسنجر" الذي اعتبر أن خروج القوات الأمريكية من العراق يشكل هزيمة استراتيجية ستفقد مقعد أمريكا كدولة أولى؛ وهذا ما يتفق معه الرئيس دونالد ترامب في الخفاء وإن كان يصرح في مناسبات عديدة معارضته للرؤساء السابقين في استراتيجيتهم العسكرية والإنفاق غير المحسوب في الشرق الأوسط، لكن زيارته السرية لقاعدة "عين الأسد" الأمريكية بالعراق وعزمه الإبقاء على قواته بهذا البلد لأطول فترة وزيادة الإنفاق على هذه القاعدة التي تحظى حسب رأيه بأهمية قصوى بالنسبة لإدارته في الشرق الأوسط.

أمريكا وإسرائيل ومطاردة الرياح الإيرانية

يظهر جليًا أن الإدارة الامريكية ومن خلفها إسرائيل قررتا تدمير أي دولة تتواجد بها كتائب إيرانية أو حلفاءها، من سوريا إلى لبنان مرورًا باليمن والعراق الذي يتخبط في أزمة سياسية عميقة منذ عدة أشهر، مع تزايد حدة المطالب الشعبية بإسقاط الحكومة ومحاربة الفساد الذي ينخر جسد الدولة، هذه القلاقل استغلتها واشنطن لتنفيذ ضربات جوية ضد حلفاء إيران في العراق وسوريا. البرلمان العراقي أبان عن ضعف كبير في اتخاذ موقف واضح ضد العمليات الأمريكية والتواجد الأمريكي بالعراق والذي ليس بوسعه الآن سوى التنديد واستدعاء السفير الأمريكي ببغداد للاستفسار دون اتخاذ اَي خطوة ملموسة تحفظ للعراق ماء وجهه.

إن مواجهة التواجد الأمريكي بالعراق والذي يستبيح أراضيه في كل فرصة ضمانًا لمصالحه ومصالح إسرائيل، ويجعل من الساحة العراقية أرضًا لمواجهة إيران يقتضي عاجلًا توحيد الجبهة الداخلية والتنسيق بين جميع الفاعلين العراقيين بمختلف تلاوينهم وانتماءاتهم المذهبية والسياسية، ويقتضي أيضا الخروج من الأزمة السياسية عاجلًا وإيجاد حلول كفيلة برص الصف الداخلي لمواجهة الأخطار المحدقة بالعراق وشعبه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.