شعار قسم مدونات

هل فعلا المجتمع هو من يؤنث ويذكر؟

blogs مجتمع

كتب وأنتج الكثير ضد تعنيف المرأة، لكن هل فعلا كل ما كتب أو أنتج وجد له صدى داخل هذه الجماهير العريضة، لا يمكن تأكيد هذا الأمر ولا نفيه، لكن الأكيد أنه حتى وإن اتفقنا أنه وجد صدى له في جهة ما إلا أنه ليس له نفس الشيء في الجهة الأخرى، لكن هل فعلا مسألة تعنيف المرأة لها علاقة بالهيمنة الذكورة التي تحدث عنها بير بورديو وبوفاري وغيرهما من منظري النسوية؟ وهل فعلا يوجد هناك ثقافة ذكورية ولغة ذكورية.. أم تر أن كل هذا هو واقع طبيعي في الحياة وكل ما فعله أولئك أنهم ألبسوه ثوبا إيديولوجيا حتى يوافق هوى نفسهم، الأمر يحتاج إلى تفكير وتعميق نظر.

هناك مقولة شهيرة لبوفاري تقول فيها "لا نولد نساء وإنما نصير كذلك" الكثير من السيسيولوجيين يعتمدون على هذه المقولة في النظر إلى التفاوتات بين الرجل والمرأة في المجتمع، والتي تلخص من خلالها بوفاري موقفها من قضية التفاوت بين النوعين الرجل والمرأة، بل وتلخص فيها أهداف الحركات النسوية، فالفروقات بين الذكر والأنثى هي مكتسبة وليست أصلية، فحسبما تؤكد فالأنثى والرجل يولدان مشتركان في نفس الخصائص الإنسانية والقدرات الذهنية، لكن ما يصنع ذاك الفارق بينهما هو المجتمع، أو حسب تعبيرهما هو التنشئة الاجتماعية، فهناك وظائف وطرق معينة في المجتمع هي التي تعيد لنا إنتاج نفس النوع.

قد يكون الأمر مخالفا لهذا في الحضارات الأخرى كالإفريقية مثلا، قد نجد فيها أن المرأة هي التي تتولى الحكم والمشورة، كما ذكرت ذلك الروائية الكاميرونية ليونورا ميانو في روايتها "موسم الظل"

فمن خلال اللعب مثلا لو نظرنا إلى الألعاب المخصصة للذكور، سنجد أنها ألعاب تربي فيه ذاك الحس بالتوفق والمسؤولية، بخلاف الأنثى فإننا نجد الألعاب المخصصة لها تتشكل من أواني للمطبخ وغير ذلك، فمنذ الصغر يتربى كلا الطرفين أو ترسم لكل واحد منهما طريقة وتحدد له وظائفه في الحياة، وبناء على ذلك توفر لكل واحد منهما الظروف المناسبة التي تؤهله للوظيفة المناسبة له، وهناك أمر ثان يتم من خلاله المساهمة في إعادة انتاج نفس النوع وهو الفضاء المدرسي، من خلال المقررات أدوات الدراسة، أشكالها ألوانها إلى غير ذلك، كما أنهما عندما يكبران سيكرس فيهما الإعلام نفس الشيء، وهذا طبعا حسب تحليل السيسيولوجيين المهتمين بدراسة سيسيولوجيا مقاربة النوع هو الذي يعطي التفوق للرجل على الأنثى، الذي في الحقيقة لا يستحقه حسب نظرهم، ومن ثم تناط به مهام في المجتمع ويولى مناصب عليا الى غير ذلك، في حين تحرم المرأة منها لكنها قد تكون هي أفضل منه.

لكن هذا التحليل يغفل أو يتغافل عن سؤال مهم، الذي قد يمكن أن يطرحه أي أحد، وهو إذا كان الأمر هكذا كما تقولون كيف قبلت المرأة بهذا الأمر إذا لم يكن يناسب وظائفها البيولوجية، كيف لم تستطع أن تثور ولو امرأة واحدة في التاريخ وتقول للرجال كفى، بل ولم لم يكن الأمر معاكسا مثلا إذا قلنا أنه توافق بينهم، لم لا نجد وظائف الرجل منوطة بالأنثى ووظائفها منوطة به؟ قد تكون هذه أسئلة ساذجة لكنها بالتأكيد لن تكون أكثر سذاجة من هذا التحليل الذي يطرحونه، والتي تبني عليه الكثير من الحركات النسوية مطالبها التي تتجاوز العقل والمنطق، مع أن التحليل في الأصل مبني على مغالطة أو مغالطات.

لكن هذا لا يعني في الحقيقية أن ليس هناك ظلم، ويجب أن يحارب طبعا لكن ليس بتأسيس منظمات أو أحزاب، وإنما بالإنتاج المعرفي، لا يوجد هناك امرأة قدمت للإنسان أمرا ولم يتم احترامها أو تقديرها، بل والتاريخ شاهد على ذلك ولم يزل إلى الآن، صحيح أنه عندما نتصفح ورقات من تاريخ أوروبا مثلا نجد أن هناك تهميش للأنثى، بل وإلى عهد قريب ظل ينظر إليها على أنها ناقصة عقل وحكمة، ولذلك كانت حتى إذا ما نبغت إحداهن في مجال الكتابة الإبداعية مثلا كانت تخفي اسمها تحت اسم رجل مستعار، وإلا فإن إنتاجها كان سيكون مصيره التهميش، هذا في أفضل الأحوال وإلا فإنه سيكون مصيره الاستهزاء والاستخفاف، وهذا حتى بعد عصر النهضة بقرون، فنجد فلاسفة مفكرين علماء اجتماع والاقتصاد، ولم نجد مثلهم من النساء، وإذا لم نبالغ فلنتطلع اليوم إلى المجال التي تعد المرأة أكثر حضورا فيه، حتى نعلم جيدا كيف يتم احترامها؟

لكن هذا الأمر كان بخلافه في المجتمعات الأخرى، ولا يصح أن نقول مثلا أن هناك هيمنة نسوية أو ذكورية، لأن هذا الأمر يرتبط بطبيعة الثقافة لكل بلد، فمثلا الباحثة في علم الاجتماع الأستاذة فاطمة المرنيسي في كتابها "سلطانات منسيات"، تتبعت فيه التاريخ الإسلامي وحاولت أن تكشف النقاب عن بعض النساء اللائي تولين السلطة في عهد الحضارة الإسلامية، فكانت تجد مثلا أن هذا الأمر كان معمولا به في الحضارات الفارسية، وذكرت هناك العديدة من الأسماء لسلطانات لم تذكرهن كتب التاريخ حسب رأيها، لكن هذا الأمر كان ينذر أو يقل في بيئة عربية، حتى عندما نجد هناك سلطانة وحيدة عندما أتيحت لها فرصة تولي الحكم اضطرت أن تجعل رجلا صورة لها، وهي تدير الحكم من خلفه كما نعرف ذلك جميعا عن المرأة التي تسمى شجرة الدر.

وقد يكون الأمر مخالفا لهذا في الحضارات الأخرى كالإفريقية مثلا، قد نجد فيها أن المرأة هي التي تتولى الحكم والمشورة، كما ذكرت ذلك الروائية الكاميرونية ليونورا ميانو في روايتها "موسم الظل"، حيث نجد أن المرأة كان لها دور مهم في تسيير شؤون القبيلة، وكذلك نجد الأمر قريبا من هذا إذا نظرنا مثلا إلى الشعب الأمازيغي، وهناك نماذج كثيرة في الحضارات الإنسانية سواء البائدة منها أو التي لا زالت قائمة، نجد أن المرأة فيها كانت تحضى بتقدير، لكن هذا لا يعني أن تتولى نفس وظائف الرجل، وهذا الأمر يؤكده الكثير من أساتذة علم الاجتماع، لكن هناك منظمات معينة لحاجة في نفس يعقوب تعمد إلى ترويج أديولوجية معينة، مستغلة بذلك جهل وتخلف بعض الشعوب، سعيا منها لبسط هيمنتها. ولتحرير المرأة من الجهل ينبغي تعليم المجتمع والرفع من وعيه، ليس بمساوات المرأة، والبحث عن مبررات لا منطقية للدفاع عن ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.