شعار قسم مدونات

الفيزياء تدخلت والغليان مستمر.. من يحل عقدة العراق؟

blogs العراق

لكل شيء نهاية، ولكل بداية زوال، لجميع الشعوب حق اختيار حريتهم وطريقة عيشهم، حق الكرامة المسلوبة، وفرص العمل المكفولة، لكن جميع تلك الحقوق لم تشمل أبناء الشعب الرافديني، القاعدة هنا انكسرت وأبى أبناء العراق أن تكون كلمتهم مسموعة هذه المرة، فدرجة حرارتهم بدأت تطغي على جمودهم الأمر الذي جعل الجميع "ينصهر" على الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد وسط تخوفات "حكومية" من ازدياد هذه الحرارة وبالتالي تحول الجميع إلى حالة "غليان".

ما بعد "انصهار الشعب"

بعد ارتفاع درجة حرارة الشعب من "ثلته الحاكمة الفاسدة" اتفق الجميع على ثورة كبرى لاستعادة الحقوق المسلوبة، وبالفعل شهدت الجمعة 25/10/ من سنة التغيير الحالية 2019، انطلاق ثورة كبرى حاملة أمال الشعوب على اكتافها، ثورة خرج فيها الكادح والدكتور الطفل وذات الشيبة البيضاء، امرأة وطفلتها الرضيعة، الغني والفقير، العاقل والمجنون، السني والشيعي، فلا فرق هذه المرة بين شخص وأخر إلا بـ "الغيرة".

اتفق جميع العراقيين هذه المرة ولأول مرة، على بضعة أشياء، أولها إعادة الكرامة المسلوبة من قبل السلطان الجائر، تعديل دستور البلاد وإلغاء امتيازات الرئاسات الثلاث، بعد أن اكتشفوا أن راتب واحد لهولاء بإمكانه حل مشكلة الآلاف منهم! إلا لعنة الله على الحكام الجائرين. "نحن أبناء الشعب الرافديني العظيم وأحفاد جدنا الحسين الثائر خرجنا بالسلم وسنحطم طواغيت حكمكم بعقيدتنا".. هكذا قال الشعب الثائر.

 

ردود الفعل الحكومية
شعرت الحكومة بخطر شديد، وأيقنت بأن أيامها باتت معدودة، فبدأت باستخدام القوة المفرطة وكافة وسائل العنف ضد المتظاهرين، وبدأت الجثث تتساقط شيئا فشيئاَ رغم حماية الجيش العراقي لهم، ووقوفه مع أبناء شعبه

احتضن نصب الحرية في ساحة التحرير الثورة العراقية الأكثر تنظيما منذ مئات السنين، وبدأ ألاف الناس بالتجمهر، آملين بأن يحقق هذا النصب "حريتهم" على غرار اسمه وبالتالي إطلاق سراح العراق بعد تقييده وزجه خلف قضبان الفقر، ولكن المفاجأة حدثت هنا!، بعد سقوط أول شهيد من هذه الجموع عقب ساعات قليلة من الخروج، وهنا حدث ما كان يخشاه الجميع، حيث ارتفعت درجة حرارة الجموع الغفيرة حتى تخلت عن الانصهار بعد أن تلبستها "حالة الغليان" وهنا بدأت الحكاية.

بدء مرحلة الغليان

بعد سقوط الشهيد وعجز الطيور عن التحليق فوق سماء العراق بسبب تصاعد أعمدة الدخان، ومن ثم سقوط الكثير من الجرحى خلال ساعات وجيزة من انطلاق الثورة، وبدأ مرحلة من الاعتقالات وإغلاق "الإنترنت" حتى لا يتم تداول ما يحدث،.. أعلنت "الفيزياء" رسميا عن انسحابها بعد تأكدها من عدم قدرتها على "تبريد" الشعب وبالتالي السيطرة على حالة "الغليان". بعد ما حدث، انتفضت البصرة، وثارت الناصرية، ودقت الكوت أجراسها لتعلن وقوفها مع أبناء جلدتها في بغداد، فوقف الجميع بوجه حكم الطواغيت وبدأت الكثير من المحافظات تنتفض شيئا فشيئاَ حتى شعر القاصي والداني بأن العراق واحد وبأن الأرض واحدة وبأن الحضارة باقية والحكومات إلى زوال.

شعرت الحكومة بخطر شديد، وأيقنت بأن أيامها باتت معدودة، فبدأت باستخدام القوة المفرطة وكافة وسائل العنف ضد المتظاهرين، وبدأت الجثث تتساقط شيئا فشيئاَ رغم حماية الجيش العراقي لهم، ووقوفه مع أبناء شعبه، لكن اللغز الذي خيم على الجميع، هي تبعية الجهات التي ترتكب هذه الافعال الاجرامية بحق الشعب والقوات الأمنية معا. ذهب البعض إلى رأي بأن من يقوم بقتل المتظاهرين هم عناصر إيرانية استخدمتهم الحكومة لقتل الطرفين (المتظاهرين والجيش)، بينما صرح الأخرين بأن امريكا واذنابها شكلت ما اسمته "بعصابات الجوكر" لقمع المتظاهرين وقتل القوات الأمنية وبالتالي اثارة الفوضى وهو الهدف الرئيس لأمريكا.

وأمام كل هذه الأحداث عجز رئيس الوزراء عادل عبد المهدي عن احتواء الازمة، رغم أن الأمر كان يتطلب "أمر واحد" للقوة التي تقتل المتظاهرين مهما كانت تبعيتها حتى لو كانت عائدة إلى جزر القمر! لكن الأخير اكتفى بالتصريحات المخجلة والمهينة لدماء الشهداء فلم يتنحى عن الحكم ولم يضع حدا لنزيف الدم فكانت النتيجة استشهاد ما لا يقل عن 500 متظاهرا وجرح أكثر من 20 ألف أخرين، بينما استشهد قرابة المئة عنصر أمن واصابة المئات منهم، من نفس "البندقية" التي قتلت المتظاهرين، تحت أنضار العاجز عادل عبد المهدي.

كلمة الثوار

"الأرض التي يراق عليها دم حر، ينبت فيها من بعده روح إلف ثائر"، انطلاقا من هذه الكلمات التي تنطبق بالتمام والكمال على ما يحدث في العراق الآن، وايمانا بالمطالب الحقة والاحتجاج السلمي بعد نبذ المندسين الذين حاولوا ركوب موجة الثورة بالحرق هنا وهناك لممتلكات الشعب، قرر ابناء الشعب الرافديني الاستمرار بثورتهم المباركة حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم جميعا، فاضربوا عن الدوام، واعلنوا العصيان في معظم الشوارع واعتلوا بناية النصر هنا في المطعم التركي وقرروا استمرار مبارزة أذناب السياسة رافعين رايات النصر مبكرا، مستعينين بإيمانهم لغلبة الحكومة، متوكلين على الله والوطن.

من يحل عقدة العراق؟

سمها ما شئت، تصفية حسابات، حرب أهلية، صراعات سياسية، أيدلوجية خارجية، بل حتى مجازر جماعية، فما يعيشه العراق حاليا ينطبق عليه كل ما ذكر، الأحداث معقدة والجميع عاجز عن حل هذه العقدة، الدول الخارجية تكتف فقط بالتنديد، والحكومة تكتف بالتكذيب، وما بين تلك وهذه قد يتم الاستعانة بوحي من السماء لعله يلتفت إلى الوضع قليلا عسا أن يكون قادرا على وقف نزيف الدم الذي ملأ شوارع الحضارة الرافدينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.