شعار قسم مدونات

إيفان بونين.. الشاعر الروسي الذي أحب الشرق وكتب عنه!

blogs - ايفان بونين

يكاد يكون اسم الشاعر والكاتب الروسي إيفان بونين مجهولاً لِقرّاء العربية، بل إنه كذلك من أقل أدباء روسيا حظاً من الدراسة في وطنه الأم، وذلك رغم كونه أحد أهم أدباء روسيا المتفردين في فترة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وربما يكون السبب في ذلك هو الإهمال الذي لَقِيه داخل وطنه، كونه كان في صف الأُدباء الرافضين للثورة والمعارضين لها.

يُعد إيفان بونين – الحاصل على جائزة نوبل عام 1933 – من أبرز الأدباء الروس تأثراً بالشرق العربي، وهو تَأثُر من نوع خاص يمتزج بالمعيشة والتجربة الذاتية، فقد طاف بونين العديد من البلاد العربية سائحاً متجولاً، وخبر بنفسه حياة الشرق العربي. حيث بدأ بونين رحلة الإبداع الأدبي في تسعينيات القرن الماضي، وينتمي إنتاج بونين زمنياً إلى فترة حدي القرنين: القرن التاسع عشر والعشرين، والتي تعد من أكثر فترات التاريخ الأدبي الروسي ثراءً وتوتراً.

التأثير الإسلامي والعربي في اعمال إيفان بونين

استطلاعات ايفان بونين ليست مجرد مذكرات سائح متجول في البلاد العربية، بل هي بمثابة تصوير حي وواقعي لواقع البلاد العربية التي زارها

يُعد بونين من أكثر الأدباء الروس اهتماماً بالشرق العربي الإسلامي وبحضارته القديمة، فقد كان بونين وعلى وصف الأديب الكبير مكسيم جوركي "يمتلك جاذبية موروثة تجاه الشرق". وبوحي من هذه الجاذبية طاف بونين مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان والجزائر. يكتسب موضوع التأثير العربي الإسلامي في إنتاج بونين مكانة كبيرة نظراً لثرائه وتعبيره عن امتداد الاهتمام بالشرق العربي في الأدب الروسي في بداية القرن العشرين. ورغم أهمية التأثير العربي والإسلامي في إنتاج ايفان بونين، فلم يحظ هذا الموضوع بعناية الباحثين، عدا دراسة للباحث السوفيتي "تارتاكوفسكي" عن الشعر الروسي والشرق. 

ففي الجزء الخاص ببونين وصف هذا الباحث بعض الخصائص العامة للموضوع الشرقي العربي في إنتاج بونين، وكذلك تناول بالتحليل ما أسماه "بالمجموعة العربية" في انتاج بونين والتي تطرق من خلالها وبخاصة إلى قصائده "محمد مطارداً، زينب، البدوي، القاهرة، امرؤ القيس". ومن الواضح أن اهتمام بونين بالإسلام كان كبيراً، فهو يستلهم الإسلام في العديد من قصائده، وأيضاً في استطلاعاته الأدبية. أعمال بونين التي يجد الإسلام بها صداه تدور حول عدة محاور منها سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وشعائر الحج والصلاة في الإسلام، والمُدن العربية التي اختصها القرآن بالتكريم وارتبطت في الأذهان بمقدسات المسلمين وعلى رأسها مكة، وكذلك المساجد الإسلامية الشهيرة.

ففي قصيدة له بعنوان "محمد مطارداً" التي يصف فيها المعاناة التي لقيها النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:

كان يجلس ويتكلم في حزن

وُليت وجه الصحراء والقفر

عزلت عن الجميع، من أحبهم!

والقصيدة طويلة، حيث رسم بونين لوحة شعرية لقصة خروج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة مُهاجراً إلى المدينة، ويُصور فيها قلق النبي في محنته على الدعوة. ومن السيرة الذاتية للرسول تستهوي بونين أيضاً قصة الإسراء، فيُورد وصفاً لها في استطلاعه الأدبي "الحجر" ووصف بونين لقصة الإسراء يعكس معرفة الكاتب بها في إطار القرآن الكريم والكتابات الإسلامية. 

وتُعد مجموعة الاستطلاعات الأدبية التي حملت عنواناً جامعاً "ظل الطائر" من أهم استطلاعات بونين التي استلهمت حضارة الشرق العربي، وهي تنتمي زمنياً إلى كتاباته في العقد الأول من القرن العشرين في فترة تألقه ونضجه الفني. استطلاعات ايفان بونين ليست مجرد مذكرات سائح متجول في البلاد العربية، بل هي بمثابة تصوير حي وواقعي لواقع البلاد العربية التي زارها بونين: الناس، المكان، الأحداث، الطبيعة، الجغرافيا، التاريخ.. فقد استلهم ايفان بونين الطابع العربي من خلال العديد من قصائده، ففي قصيدة "البدوي" على سبيل المثال – سنأخذ جزءاً منها – يقول:

خلف البحر الميت حدود رمادية
الجبال تكاد ترى، ساعة منتصف النهار في الظهيرة
غسل فرسه في نهر الأردن
وجلس يدخن. الرمل مثل النحاس الدافئ

والقصيدة طويلة، إلا أن ايفان يونين في قصيدته هذه "البدوي" يرسم صورة نمطية للعربي ساكن الصحراء إلى العربي الحديث الذي يُدخن السجائر ويلبس العباءة الرقطاء وذلك في إطار الطبيعة العربية المميزة: الصحراء القائضة، الرمال الدافئة، نهر الأردن، البحر الميت.. الخ

الحقيقة لا يسعنا المجال هنا من ذكر جميع القصائد التي اشار فيها بونين إلى الشرق العربي أو ذات التأثير الإسلامي، فقد كتب الشاعر الروسي العشرات من هذه القصائد، مثل قصيدة "زينب" التي ترسم ملامح الفتاة العربية، أو قصيدة "امرؤ القيس" التي استلهم بونين منها الصور الفنية والرموز عن الشعر العربي، وقصيدة "أحفاد الرسول" و"القاهرة" وغيرها من القصائد. وعبر إنتاج بونين الذي استلهم الشرق العربي عن المكانة الهامة التي احتلها الشرق العربي في الأدب الروسي في بداية القرن العشرين، أكد أن "روسيا في مطلع القرن العشرين كانت تعيش حركة صعود روحية تتجه بها صوب الشرق"…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.