شعار قسم مدونات

خيبات العرب من كامب ديفيد إلى صفقة القرن

blogs كامب ديفيد

في كامب ديفيد كان العرب قد خطوا الخطوة الأولى على طريق تصفية القضية الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين والموقف العربي في انحدار مستمر، وعلى طريق تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني سارت دول عربية في الظاهر وأخرى في الخفاء، هذه الهرولة نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل كانت تستجدي في كل الحالات القوة التي تقف إلى جوار الكيان الصهيوني وتمده بالمال والسلاح، تستجدي الولايات المتحدة سيدة العالم وعلى وجه الخصوص بعد انهيار الإتحاد السوفيتي ودخول العالم مرحلة الهيمنة الأمريكية.

 

جاءت اتفاقية أوسلو مسماراً آخر في نعش القضية الفلسطينية، إذ منح الطرف الفلسطيني للكيان الصهيوني شرعية الوجود والبقاء وبناء الدولة وأكثر من هذا قُدمت تلك الاتفاقية المشئومة على أنها نصراً عربياً  كون الطرف الفلسطيني استطاع في تلك الاتفاقية الحصول على اعتراف شكلي اسرائيلي بمنظمة التحرير كممثل شرعي للفلسطينيين وبإجراءات مزمنة يحصل خلالها الفلسطينيون على حكم ذاتي على جزء صغير من فلسطين التأريخية، وإذا أردت أن تفتش عن المنطق في الشعور بالنصر لاعتراف اللص بأحقيتك في جزء مما سرقه منك فأنت تبحث عن السراب إذ لا منطق أبداً في كل الإجراءات التفاوضية العربية على طريق السلام المزعوم مع إسرائيل.

 

الجديد في التناول العربي النخبوي لقضية فلسطين محزن جداً لا من ناحية نفسية عاطفية بل من ناحية عقلية علمية، إذ كيف تتطوع لتبرير سرقة السارق، وتجميل أفعال قطاع الطرق

ومرت القضية الفلسطينية بالكثير من المنعطفات، وكانت المقاومة الفلسطينية التي لم تلوثها أوسلو وملحقاتها تُراكم القوة وتحاول الوصول لمستوى عسكري جيد يضع اسرائيل أمام حقيقة مهمة أنها كيان غير مرغوب به على المستوى الشعبي الفلسطيني والعربي، وأن اتفاقيات الغرف المغلقة ليست بأقوى من الشعور الفلسطيني العام بضرورة طرد الاحتلال واستعادة الأرض، ونفذت اسرائيل عدد من العمليات العسكرية ضد المقاومة الفلسطينية قتلت فيها بشكل عشوائي آلاف المدنيين، وحاولت باستمرار من خلال إمبراطورية إعلامية ثقيلة إقناع العالم بأن المقاومة هي من تفتعل المعارك مع إسرائيل وتعرض الفلسطينيين للخطر وللأسف ابتلعت نُخب عربية وازنة هذا الهراء وذهبت تردده بوعي ساسي يخلو من أي منطق أو علم، وجاء ترامب ليضع معايير جديدة للعبة وينقل ما يدور في الغرف المغلقة إلى العلن وأمام الجمهور وعلى المنصات الشعبية والاجتماعية، وأعلن أمام العالم القدس عاصمة لإسرائيل كأول خطوة على طريق صفقة القرن المنتظر إعلانها لاحقاً.

 

بمنظومة دعائية ضخمة تحاول إسرائيل كسر مبدأ المقاومة للمشروع الصهيوني بغض النظر تماماً عن الطرف الذي يتبنى المقاومة، وعلى ذلك يحاول الكيان الصهيوني من خلال منصات إعلامية متعددة ناطقة بالعربية تشكيل وعي عربي شعبي بأهمية السلام مع اسرائيل، وتسويق نتائج ايجابية لذلك السلام  الذي تنشده اسرائيل من الشعوب قبل الحكومات، ومن هنا علت الأصوات النشاز في منطقتنا العربية تنادي بسرعة التطبيع مع الكيان الصهيوني مبررة ذلك بضرورة توحيد جهود هذه الجغرافيا لمواجهة الخطر الإيراني، بالاضافة لعدم جدوى الصراع مع إسرائيل والقبول بها أمراً واقعاً لا يمكن تغييره، وإن كانت إيران عدو وإن كانت جولات الصراع العربية مع إسرائيل تنتهي في صالح الكيان الصهيوني لأسباب تتعلق بمشكلات في بنية الدولة العربية وجاهزيتها الشعبية والعسكرية للمواجهة.

 

إلا إن كل ذلك لا يجعل الكيان الصهيوني صديقاً يمكن تطبيع العلاقات معه وما زال حاملاً لكافة الأسباب التي استدعت حروباً معه في السابق على كافة المستويات، فالطبيعي جداً أن يتعدد الأعداء لأمة من الأمم أو شعب من الشعوب والمنطقي يكون في بناء أولويات المواجهة، لا الهرولة نحو بناء صداقة مع من لازالت عقليته وعقيدته وإعلامه وأمواله ونفوذه وكل عناصر قوته يستخدمها لتقزيم تلك الدول الباحثة عن صداقته، وهذا أمرٌ مشهود لا يحتاج كثير عبقرية.

 

هناك انحدار مشاهد بوضوح في لغة المثقفين العرب حول موضوع القضية الفلسطينية ومحاولات تقزيمها واعتبارها موضوعاً فلسطينياً بحتاً لا علاقة للجوار بها ولا لمن تربطهم بالفلسطينيين مشتركات مهمة ومركزية في حياة سكان هذه المنطقة، ومع أن من وظيفة المثقف حراسة الذاكرة التاريخية للشعوب وتحفيزها نحو مقاومة المحتل وعدم الرضا بالظلم إلا أن طائفة من المثقفين العرب للأسف تطوعوا لتزوير التأريخ لصالح ادعاءات إسرائيل الباطلة علمياً وتاريخيا وواقعياً حول فلسطين، وبكل حزن يمكن القول أن هذا الجديد في التناول العربي النخبوي لقضية فلسطين محزن جداً لا من ناحية نفسية عاطفية بل من ناحية عقلية علمية، إذ كيف تتطوع لتبرير سرقة السارق، وتجميل أفعال قطاع الطرق.

 

حقيقة الحقائق تقول أن كياناً تم تجميع أفراده من كافة أنحاء الدنيا قام بكل لصوصية باحتلال أراضي فلسطين وطرد أهلها منها، وأن شعوراً عالمياً عند كل أحرار العالم بأن هذا الكيان محتل بالقوة لأراضي الغير ويجب أن يرحل اليوم أو غداً أو بعد مائة عام، وأن طول بقائه على أرضنا لا يمنحه أي شرعية للاستيلاء عليها، ومن هنا فكل اتفاقية، وكل تفاهم، وكل كلام يقال لن يغير من وضوح هذه الحقيقة وعنفوان سيطرتها على تفكير وسلوك المحتل نفسه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.