شعار قسم مدونات

أردوغان وإسرائيل.. من مصافحة شارون إلى حرب أنابيب الغاز

blogs أردوغان

كثر الهجوم علي الرئيس التركي أردوغان في الأونة الأخيرة من قبل العلمانيين العرب بعدما كشف عن توجهه الإسلامي، وهو مايمكن تفهمه بسبب الخلاف الإيدولوجي، إلا أن غير المفهوم هو هجوم بعض أبناء التيار الإسلامي عليه بحجة تاريخ علاقته مع إسرائيل، ومصافحته لشارون في عام 2005، أثناء زيارته لمدينة القدس والمسجد الأقصى، ويستشهدوا بتلك الزيارة على أن توجهات أردوغان براجماتيه وأنه مجرد تابع سياسي للغرب، بالرغم من إيجابيات تلك الزيارة على الشعب الفلسطيني كما سنوضح.

   

أردوغان والتجربة الأولى

وصل أردوغان لرئاسة بلدية إسطنبول عام 1994 وقام بجهود كبيرة في إعادة تهيئة البنية التحتية للمدينة وإستكمال مشاريع مترو الأنفاق، كما نجح في إيجاد بعض الحلول لمشاكل الإزدحام المروري ونقص المياه وتلوث الجو نتيجة التدفئة بالفحم، وهو ما هيأ إسطنبول مرة أخري للعودة للخريطة السياحية، وبالرغم من الانقلاب العسكري علي حكومة أربكان في فبراير 1997، إلا أن أردوغان ظن أن النجاح الكبير في إدارة بلدية إسطنبول يمنحه بعض الحصانة من مخالب الدولة العميقة التي تحمي علمانية تركيا.

 

وبعد أقل من عام من الانقلاب على أربكان، وأثناء إلقاء خطبة بمدينة سيرت في ديسمبر 1997، صدح ببعض أبيات شعرية لشاعر تركي قومي صاحب ميول الإسلامية، الأمر الذي قابله العلمانيين برفع دعوي ضده في محكمة أمن الدولة بذريعة تهديد العلمانية، مما أدي لعزله من منصبه وحبسه أربعة أشهر.

   

   

أردوغان وتطوير أدوات المعركة

تلك الصدمة السياسية دفعت أردوغان لتغيير ترتيب أولياته وتأجيل معركة الهوية عند وصوله للحكم في نوفمبر 2002، إلى حين استكمال الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وطالب أوروبا بتسريع الإنضمام للإتحاد الأوروبي والذي طلبت مفوضيته المسارعة في تعديل القوانين بما يضمن مزيد من الحريات ومنع الجيش من التدخل في السياسة، كما زار واشنطن وقدم تطمينات للحكومة الأمريكية، في خطوة استباقية لمنعها من إستنفار الدولة العميقة في تركيا ضده.

 

الضغوط الداخلية والخارجية

وبالرغم من تمسك أردوغان بالبدء بإصلاح الاقتصاد والتشريعات القانونية إلا أنه لم يسلم من الهجوم بسبب مواقفه المناهضة للممارسات الإسرائيلية، ففي نوفمبر 2003 حاول رئيس وزراء الإسرائيلي شارون التوقف في تركيا أثناء عودته من روسيا ومقابله أردوغان إلا أن أردوغان رفض مقابلته متعللا بجدول أعماله المزدحم، كما قام أردوغان بإنتقاد حكومة شارون بعد إغتيالها لزعيم حركة حماس الشيخ أحمد يس في مارس 2004.

 

من ناحية أخري لم يسلم أردوغان من إنتقادات المجلس القومي التركي (الموالي للجيش)، أو الرئيس العلماني نجدت سيزر، كما تعرض لمحاولة إنقلاب في 2003 عن طريق تنظيم عرف لاحقا بالمطرقة الثقيلة بقيادة الجنرال دوغان.

 

الثناء على أردوغان

ومع تزايد الضغوط من الإتحاد الأوروبي والداخل العلماني ضد حزب أردوغان بسبب محاولته إدخال تعديلات علي قانون العقوبات التركي لمنع الدعارة وتقليل القيود علي مدارس القرأن، أدرك أردوغان أن محاولات الإطاحة بأربكان من رأس السلطة عام 1997، قد تتكرر معه مرة أخري، فقام بتأجيل بعض القوانين إستجابة لتلك الضغوط، لتتماشي القوانيين الجديدة مع تطلعات الإتحاد الأوروبي، وهو ما أدي إلى الثناء علي سياسة حكومته من قبل الحكومات الأوروبية والأمريكية، حيث كشفت صحيفة يني شفق (يناير 2004) عن ما جري بين أردوغان وبوش الإبن، عندما طلب بوش بأن ترسل تركيا وعاظ وأئمة إلى مختلف دول العالم الإسلامي لنشر نموذجها الدموقراطي وإعتدالها الديني في البلاد الإسلامية .

 

الإعجاب بالتجربة التركية ومحاولة تكرارها

تجربة أردوغان في الحكم عامي 2003 و2004، وما قام به من عدم المساس من قيم العلمانية التركية، تم تقييمه من قبل مراكز الأبحاث الغربية على أن إدماج الإسلاميين في العملية السياسية هو أنسب الحلول لتدجينهم وتحويلهم من متطرفين إلى معتدلين، وهو ما أدي إلى ضغوط أمريكية وقتها على نظام مبارك في مصر، للمطالبة بإدماج الإخوان المسلمين في الحكم وهو ما تحقق في برلمان 2005، حيث سمح النظام المصري للإخوان بشغل خمس مقاعد البرلمان المصري.

 

كما حاولت الحكومة الأمريكية إدماج حركة حماس في العملية السياسية بمساعدة الحكومة التركية كوسيط سياسي، حيث ساهم التفاهم بين تركيا وإسرائيل إلى إنهاء قمع الانتفاضة الفلسطينية وتفكيك المستوطنات والمواقع العسكرية في قطاع غزة، بالإضافة إلي4 مستوطنات في الضفة، حيث قام وزير الخارجية التركي عبد الله جول بزيارة رسمية لإسرائيل لدفع عملية السلام أواخر 2004، وأتبعتها زيارة من أردوغان لمدينة القدس منتصف 2005، والذي قابل خلالها شارون، وبعد تلك الزيارة تم تفعيل خطة فك الإرتباط عن قطاع غزة من جانب واحد.

 

تسبب الهجوم على سفينة المساعدات التركية مرمرة عام 2010 ومقتل عدة أفراد، في هجوم شديد من أردوغان على السياسات الإسرائيلية
وصول حماس للحكم

مقابل تلك الإنسحابات والتهدئة الإسرائيلية مع الجانب الفلسطيني، وقعت تركيا عقود لشراء أسلحة وطائرات إسرائلية، كما تم الإتفاق على تفعيل مشروع لتصدير 50 مليون متر مكعب من مياه شلالات مناوجات لإسرائيل، وترتفع تدريجيا إلى أربعة مليارات متر مكعب، حيث تعاني إسرائيل من مشكلة نقص المياه وتعتبرها قضية أمن قومي (لم يستكمل المشروع بسبب الخلاف على الأسعار).

 

وشمل الإتفاق أيضا دفع عملية السلام في الأراضي الفلسطينية، وهو ما تكلل بالسماح لحماس بدخول الإنتخابات البلدية والتشريعية والتي أدت لتشكيل حماس للحكومة الفلسطينية عام 2005، في مفاجأة كبيرة للغرب الذي توقع فوز حركة فتح.

 

تدهور العلاقات

تدهورت العلاقات التركية الإسرائيلية مع إطلاق إسرائيل لعملية الرصاص المصبوب على قطاع غزة عام 2008، حيث دعا أردوغان لوقف الغارات على قطاع غزة، كما زاد التوتر السياسي بعد المشادة الكلامية بين أردوغان وشيمون بيريز عام 2009 في مؤتمر دافوس.

 

وتسبب الهجوم على سفينة المساعدات التركية مرمرة عام 2010 ومقتل عدة أفراد، في هجوم شديد من أردوغان على السياسات الإسرائيلية، واكبه رفض تركيا المشاركة الإسرائيلية في مناورات لحلف الناتو، والتي كانت تقام على الأراضي التركية.

 

ثورة إكتشافات الغاز

أدي التطوير التكنولوجي المتسارع في مجال اكتشافات الغاز، لازدياد الأهمية الجيوسياسية لمنطقة شرق البحر المتوسط، حيث تعتبر تلك المنطقة واحدة من أهم 3 مناطق غنية بالغاز الطبيعي، وتتميز تلك المنطقة بقربها الجغرافي من أوروبا، حيث أكبر سوق في العالم لإستهلاك الغاز.

 

حيث سارعت إسرائيل منذ عدة سنوات بتطوير حقول الغاز البحرية، وحاولت تصدير الفائض إلى أوروبا، وكان الطريق الأقرب هو المرور عبر الأراضي التركية بتكلفة 3 مليارات دولار، وهو ما أدى إلى محاولة حكومة نتنياهو التقارب مرة أخرى مع الحكومة التركية عام 2016، وتقديم الإعتذارعن قتلى السفينة مرمرة مع دفع التعويضات، بالإضافة لقبول التهدئة وإدخال المساعدات لقطاع غزة.

   

   

إلا أن المخاوف الأوروبية من الاستخدام السياسي للغاز من قبل أردوغان، أدت لإلغاء المشروع وتحويل الأنبوب ليمر عبر اليونان بتكلفة مضاعفة، ويشمل المشروع البديل تصدير الغاز القبرصي المستخرج مع الغاز الإسرائيلي في نفس الأنبوب.

 

كما إعتمد النظام المصري في يناير 2018 إتفاق لترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان، الذي ينص على تقليص المياه الإقتصادية لمصر وتركيا لكي تتلاصق المياه الإقتصادية الإسرائيلية والقبرصية واليونانية، تمهيدا لتمرير أنبوب الغاز الإسرائيلي والقبرصي لأوروبا عبر اليونان.

 

وهو ما رد على الجانب التركي في فبراير 2018 بإعتراض سفينة التنقيب تابعة لشركة إيني بواسطة قطع بحرية، لمنعها من التنقيب في أحد البلوكات القبرصية، حيث تصر تركيا على حل المشكلة القبرصية قبل البدء باستخراج الغاز، حفاظا على حقوق القبارصة الأتراك.

   

الرد الإسرائيلي المصري

جاء الرد سريعا من السيسي ونتنياهو على التحركات العسكرية التركية، بالإعلان عن تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر ومن ثم إسالته في محطات الإسالة المصرية، ليكون بديلا عن خط الغاز عبر المتوسط الذي تعارضه تركيا بسبب تعديه على حدودها البحرية.

  

لكن عمليا فإن محطتي الإسالة المصرية لن تستطيع إسالة حتى نصف الغاز الإسرائيلي، خصوصا مع بدء تدفق الغاز المصري من حقل ظهر، الأمر الذي أعاد مشروع أنبوب الغاز الإسرائيلي لليونان وأوروبا للواجهة مرة أخري وبتمويل إماراتي هذه المرة.

 

تركيا تصعد

بالمقابل بدأت تركيا في أكتوبر 2018، بالتنقيب عن النفط والغاز بالقرب من مدينة أنطاليا الساحلية كما تم إرسال سفينة للبحث السيزمي الخاصة بالتنقيب عن النفط والغاز شمال خط المنتصف بين الحدود البحرية التركية والمصرية، لتقوض بتلك الإجراءات كل الإتفاقات المصرية القبرصية اليونانية الخاصة بترسيم الحدود البحرية بينهما منذ عام 2003.

 

صراع الأنابيب

بعد تعثر مشروع نقل الغاز الإسرائيلي عبر اليونان بسبب صعوبة مروره في المياه التركية، هل يتراجع الجانب الإسرائيلي ويحيي مشروع نقل الغاز لأوروبا عبر الأراضي التركية مقابل بعض التنازلات للجانب الفلسطيني وفك الحصار عن قطاع غزة، أم تنجح الضغوط الغربية في إنجاح المشروع اليوناني؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.