شعار قسم مدونات

مفاوضات طالبان وواشنطن.. ما الذي حرك المياه الراكدة؟

blogs طالبان

"إن أمريكا وعدتنا بالهزيمة، والله وعدنا بالنصر، فسننظر أي الوعدين ينجز أولًا". هذه هي أحد أقوال الملا عمر رحمه الله بعد ستة عشر عامًا من الصراع بين طالبان والحكومة الأمريكية، يجلس الطرفان على مائدة المفاوضات لوضع مسودة وجدول زمني لإنهاء الصراع الذي لا يعرف ملامحه ولا نتائجه.

في الوقت الذي حققت فيه طالبان تقدما ملحوظا على أرض المعركة في أفغانستان، حيث تلقت القوات الأفغانية ضربات موجعة وفقدت أكثر من 45 ألف من عناصرها منذ تولي الرئيس الأفغاني أشرف غني مهامه. في هذا الوقت يضع مفاوضي الحركة ومسؤولين أمريكيين اللمسات النهائية على بنود لإضافتها إلى مسودة اتفاق ينهي الحرب الأفغانية. حيث انطلقت المفاوضات الاثنين الماضي في العاصمة القطرية وفق أجندة متفق عليها في اللقاء الأخير بين الأمريكان وطالبان الشهر الماضي.

مسودة اللقاء

أفاد مصدر للجزيرة أن تفاصيل المسودة تتضمن تنازلات من الجانبين تقضي بانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 18 شهر من توقيع الاتفاق وفي المقابل تضمن طالبان إلا تتحول أفغانستان لقاعدة تنطلق منها هجمات تشن على الولايات المتحدة وحلفائها خصوصاً من قبل تنظيم داعش. والمسودة تشمل أيضا تبادل السجناء وإطلق 6 سراحهم ورفع حظر دولي على السفر فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على عدد من قيادات طالبان، ومن المتوقع تشكيل حكومة أفغانية انتقالية بعد وقف إطلاق النار.

لماذا رضخت الولايات المتحدة الأمريكية؟
تعلمت طالبان المساومة مع الأمريكان بورقة الروس وخصوصًا استغلال الروس نتائج تصرفات ترامب الأنانية، بالإضافة للمساومة بورقات الدول الصاعدة إقليميا مثل إيران وتركيا

تسعى الولايات المتحدة لتقليل الفجوة واحتواء حركة طالبان خصوصًا، وأنها تختلف عن داعش في الفكر والعقيدة والسلوك. وأيضا مما يؤكد جدية أمريكا في المفاوضات وسعيها لإبرام اتفاق ينهي الحرب الأفغانية لجوئها إلى قطر التي تمتلك خبرة كبيرة في التعامل مع الحركات الجهادية وجدية حركة طالبان أيضا في المفاوضات تنعكس على قرار الحركة بقبولها دعوة قطر وفتح مكتب سياسي لها في الدوحة، سعت الولايات المتحدة الأمريكية لإجبار طالبان على الجلوس في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الأفغانية ولكن فشلت هذه المحاولات سواء بالقوة العسكرية أو المناورات السياسية وتمسكت الحركة برفضها الحوار مع حكومة ترى فيها مجرد دمى تتحكم فيها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المفارقات العجيبة سياسة الرئيس ترامب الذي يصنف بأنه يميني متطرف صعد على كرسي الرئاسة بفضل خطابه المتشدد ضد الحركات الجهادية والإسلامية وجاء ببرنامج يتضمن نسف الإسلام السياسي من المنطقة ثم تحولت سياسته إلى احتواء الحركة وإجراء حوار مباشر بين واشنطن وطالبان.

جاءت هذه النقلة النوعية في سياسة التعامل مع الحركة لورود تقارير تفيد بتدرب مقاتلي الحركة في معسكرات تدريب تابعة لإيران. ومن المعلوم أن إيران تحاول بكل السبل إيجاد وسائل لاستنزاف الجيش الأمريكي ومعداته. فأدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الورقة ستكون رابحة لإيران وستشكل ضغطا كارثيا علي أي مائدة مفاوضات لاحقة بين واشنطن وطهران وهو الأمر الذي يعود بالسلب على توجهات ترامب تجاه إيران وحماية أمن اسرائيل القومي التي تمثل إيران تهديدا مباشرا على أمنها القومي.

مكاسب حركة طالبان من المفاوضات؟

بعد صراع الروس مع حركة طالبان ونجاح الحركة بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في هزيمة القوات السوفيتية. انقلبت الولايات المتحدة على حلفاء الأمس بعد أحداث 11 سبتمبر ودخلت في صراع امتد إلى سبعة عشر عامًا خصوصًا بعد رفض طالبان تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وقيادات التنظيم. في خلال هذه الفترة تغير شكل النظام العالمي وعادت روسيا بقيادة بوتين إلى الصدارة والتأثير في قرارات النظام العالمي. ومع صعود ترامب المعروف بقراراته وتصرفاته الأنانية استغلت روسيا هذه النزعة لتعيد تشكيل تحالفات أكبر وأوسع مع المتضررين من سياسة ترامب. تعلمت طالبان المساومة مع الأمريكان بورقة الروس وخصوصًا استغلال الروس نتائج تصرفات ترامب الأنانية، بالإضافة للمساومة بورقات الدول الصاعدة إقليميا مثل إيران وتركيا، وأيضا تستغل الحركة نجاحها الساحق ميدانيا وسيطرتها على رقعة واسعة من الأراضي الأفغانية إلى جانب تأثر قطاع عريض من الشعب الأفغاني سياسيًا ودينيًا بالحركة.

بالإضافة لتحالف الحركة مع باكستان على الرغم من محاولات واشنطن قطع هذا التحالف بتجميد المساعدات المقدمة لباكستان لكن لازالت باكستان تتمسك بتقديم أي دعم لطالبان. وهذا الأمر يدفع حركة طالبان بالتسريع في المفاوضات حتى لا تمثل ضغطًا دوليًا على باكستان التي قد تضطر لقطع علاقتها بالحركة، فهل تحقق المفاوضات هذه المرة أهداف كل طرف وتبدأ الحركة في التفاوض المباشر مع الحكومة الأفغانية كمرحلة ثانية، أم تنتهي هذه المفاوضات بالتجميد كسابقتها؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.