شعار قسم مدونات

هكذا تفوق السلفيون على الإخوان المسلمين!

blogs - salafi

تعقيبا على المقال السابق، فقد تلقيت ردودا وتعليقات شفوية ومكتوبة، بعضها في صلب الموضوع وهو (تفوق السلفيين في نشر العلوم الشرعية على غيرهم) وتأكيد ذلك ولكن مع استدراك بتعليلات وتفسيرات، أتفق معها جزئيا، وكلام لا علاقة له بالموضوع مثل شرح متشعب لماهية السلفية واختلاف مدارسها عن بعضها، وضرورة التمييز بين الجامية بتفرعاتها والسلفية الجهادية بتشعباتها، والوهابية التقليدية، والمدرسة الألبانية وغير ذلك مما يطول شرحه، وهو ليس موضوعنا ولا مدار بحثنا؛ فنحن نتحدث عن السلفية عموما من حيث وضوح اهتمامها بنشر العلم الشرعي، بغض النظر عن الرأي العلمي المنهجي، أو محتوى ما ينشر ويدرّس ويناقش، وما يتبع ذلك من نقاش وأخذ ورد.

 

كتلة علمية واسعة

كنت قد ختمت المقال السابق بسؤال مطروح حول تقيد الحركيين الضيق بعدد قليل من العلماء أبرزهم الشيخ يوسف القرضاوي، وأن السلفيين مثلهم. وقبل الإجابة أقول وبالله التوفيق بأنه وردني من مصدر موثوق عن تلميذ لصيق بالشيخ العثيمين -رحمه الله- أنه قد قرر في آخر سني عمره التقيد بالمذهب وترك اللاتمذهب (مذهبهم حنبلي) ومع ذلك فإنه من المراجع المهمة عند السلفية، ولا يقارن بسعة علمه بأحد في عصرنا، بل يذكرنا بعلماء نقرأ سيرهم رحلوا قبل قرون، وكأننا أمام تذكير، إذا ساورت نفوسنا شكوك حول سعة علوم من نقرأ سيرهم، أن نجد العثيمين وكأنه قادم من هناك مثلا حيّا.

 

ودائرة وقاعدة رجال ومؤسسات العلم الشرعي عند السلفيين أوسع بكثير مما لدى الحركيين، بل حتى أننا نعرف أن الألباني له مدرسة مختلفة عن مدرسة بن باز، ومع ذلك تمكنت المدرسة السلفية من قولبة المدرستين وتوحيدهما -في التقديم العلمي- بما يخدم رؤيتها.

 

قلة اهتمام الحركيين
لأن سنة الله في خلقه هي أن الفراغ يمُلأ؛ فقد خلت الساحة للسلفيين، وهذا أثر على شباب الإخوان، فمن مدخل العلم الشرعي والفتوى ولجت السلفية إلى الإخوان بل اخترقتهم بأفكار لا تناسب طبيعة الحركة ودعوتها

ولكن هذا ليس بسبب قلة من لديهم (الخميرة) في صفوف الحركيين، بل من قلة الاهتمام بموضوع العلوم الشرعية، في مرحلة ما بعد الصحوة، ولو أنهم أعطوا العلوم الشرعية حقها من الاهتمام لكانوا كما عرفوا في الأيام الخوالي؛ لهم باع طويل فيها، ولكان من ينشغل بها متأثرا بهم، أو مقرّبا منهم، أو محسوبا عليهم، إذا لم يكن منهم بالمعنى التنظيمي.

ولأن المجال لا يسمح بكثير من الأمثلة سأكتفي بواحد؛ وهو د. همام سعيد وهو المراقب العام للإخوان المسلمين (2008-2016م) في الأردن وأحد قياداتهم البارزة، وهو عالم في الحديث وقد نالت أطروحة الدكتوراه الخاصة به من الأزهر مكانة سامقة، وهي (دراسة وتحقيق كتاب شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي) وحتى المنابر السلفية تهتم بهذه الرسالة، وتحرص على تحميلها والإرشاد عنها.

 

ولكن هل واصل د. همام هذا الجهد المبارك؟ كيف يسمح له وقته؟ ألم يكن الأجدر ترك المهمات القيادية في الجماعة لرجال آخرين من أهل الهندسة أو العلوم الاجتماعية أو التطبيقية، فزهد بعض هؤلاء بتخصصاتهم لا يضير الجماعة، كانشغال علامة كبير مثل د. همام بهذا الأمر، الذي يستنزف وقته وجهده وأعصابه، وما سيبقى للعلوم الشرعية، وتحديدا مدار أطروحة الدكتوراه خاصته، هو فضول الأوقات، والتفرغ ضروري ومطلوب فيها.

 

ولعل د. همّام خير من آخرين ممن درسوا العلوم الشرعية وحصلوا على بكالوريوس، ثم أكملوا الماجستير في العلوم السياسية وغيرها، وكذا الدكتوراه، فلا أفادوا هنا ولا هناك. فبعد أن خرج من الإخوان، أو ممن هو مقرب منهم ومؤيد ومناصر لدعوتهم علماء كبار صنّفوا نفائس في العلوم الشرعية في كافة أبوابها، وتتلمذ على أيديهم حتى من صاروا سلفيين، بل كان للإخوان حصة ونصيب في التيار السلفي، شهدت الحركة تراجعا ملحوظا في هذا المجال المهم جدا، ولا أراها تعمل على وقف هذا التراجع الشبيه بانكماش مخيف.

ولأن سنة الله في خلقه هي أن الفراغ يمُلأ؛ فقد خلت الساحة للسلفيين، وهذا أثر على شباب الإخوان، فمن مدخل العلم الشرعي والفتوى ولجت السلفية إلى الإخوان بل اخترقتهم بأفكار لا تناسب طبيعة الحركة ودعوتها، فحصل تناقض واضح في غير مسألة خاصة في أمور السياسة والعلاقات الاجتماعية، فركضوا إلى مخارج من فتاوى الشيخ القرضاوي فقط، بدل أن تكون لهم قاعدة قوية كما ونوعا، لا الاتكاء على عالم واحد، مهما بلغ علمه.

 

وقد تكون الحالة عند الإخوان المسلمين أفضل بدرجات كثيرة من غيرهم من الحركيين؛ فمثلا حزب التحرير الذي عصب محاججته للآخرين يقوم على تبيان الحكم الشرعي، لا تعرف من الحزب شخصا بارزا في العلم الشرعي، فكيف يستوي هذا وذاك؟! هناك من يفسّر الظاهرة تفسيرات معقولة وهناك من يفسرها بناء على موقف مسبق؛ فثمة من يرى أن السلفية من ضمن أركانها الاهتمام بالعلوم الشرعية، بل نجد مصطلح (السلفية العلمية) حاضرا دائما حين نتحدث عن السلفية، وبالتالي من الطبيعي أن تجد لهم هذا الانتشار.

 

وهناك من يختزل الموضوع بالدعم المالي الذي يحصره في السعودية؛ ويذهب هؤلاء بعيدا في الخلط بين التحليل العلمي والرغبات والأماني، وذلك بالحديث عن مرحلة (ما بعد السلفية) وأن السلفية تحتضر بسبب التغيرات الجارية في السعودية! وهذا كلام ليس دقيقا؛ فمع أهمية ما قدمته السعودية (كدولة رسميا) لنشر السلفية بصيغتها الوهابية، وخاصة بعد الطفرة والوفرة التي وفرتها عائدات النفط؛ فإن السلفية كان لها حضور في مصر والشام إضافة بالطبع إلى الجزيرة العربية قبل ذلك؛ فالشيخ محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب من بيئة مصر والشام، وقبل عصر الصحوة بعقود.

 

ومثلما كان تراث ابن تيمية وابن القيم وهما من بيئة الشام حياة وتدريسا وسجنا ووفاة ودفنا قد لقي من الدعوة النجدية الاهتمام والنشر والشرح والعناية الفائقة، فإن الأمور ممكن أن تأخذ مسارا مشابها، لأن السلفية ليست محدودة بالضرورة بجغرافية خاصة. بل إن الدوحة عاصمة قطر فيها مسجد يحمل اسم محمد بن عبد الوهاب، هو أكبر مساجد هذا البلد، الذي بينه وبين السعودية ما نعلم من خصومة حاليا، ولا ننسى السلفية في الكويت وما تملكه من موارد.

 

كما أن السلفيين يحظون برجال أعمال وأثرياء يمولون أنشطتهم العلمية، ولا يقتصر تمويلهم على القنوات الرسمية الحكومية أيا كانت، فمن غير المنطقي التسرع بإعلان (نهاية السلفية) لوضع لم يحسم ولم تتضح معالمه في السعودية، والتي –وهذا مهم- لم توقف الأنشطة العلمية الواسعة للسلفية، لا تمويلا ولا تبنيا ولا ترخيصا؛ فمع كل ما يجري في عالم السياسة، ما زالت الدروس والكتب والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت والمراكز المختصة نشطة في كافة أنحاء السعودية.

 

ولا يقتصر نشاط السلفيين العلمي على ما ذكرت؛ بل هم في مقدمة صفوف معركة التصدي للأفكار الإلحادية، والرد على الشبهات، و تقديم دحض لظواهر وشخصيات تقدم إعلاميا على أنها تحت إطار(الفكر الإسلامي) فالسلفيون يردون على عدنان إبراهيم ومحمد شحرور مثلا، وهذا يعني أن السلفيين إضافة إلى صدارتهم نشر العلوم الشرعية، يتصدرون معارك الذب عن الدين، والذود عن حمى الشريعة، والدفاع عن العقيدة، من خلال مراكز متخصصة، بل لديهم نشاطات خاصة لتخريج (المُحاورين) بطريقة متقدمة تتناسب مع آليات الحوار المعاصرة وأدواتها الضرورية لتقديم الحجج. فأين الحركيون من كل هذا؟ إن وجد منهم فمن من قادتهم يموّل ويهتم ويبرز؟ هلاّ سارعتم إلى الإنفاق على علوم الدين كما أنفقتم على (التنمية البشرية)؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.