شعار قسم مدونات

سقوط الإسلاميين في مصر.. مؤامرة أم فشل سياسي؟

blogs ثورة يناير

قامت ثورة يناير بعد سنين من الظلم والقهر الذي عاشها شعب بأكمله، في ظل حكم دام أكثر من ثلاثين عام، ولكن الصحيح حكم دام أكثر من ستين عام، منذ اعتلاء العسكر الحكم، عاش الشعب هذه الأعوام من القهر والظلم والسعي وراء لقمة العيش العيش فقط، نظام عمل علي تفريغ المجتمع من كل طاقاته، فلم يعد تعليم يليق بمكانة بلد مثل مصر، لم يعد أي شيء على ما يرام غير رائحة الفساد في كافة أركان الوطن، لم يعد غير الفقر مرسوم على وجوه الكثير من الناس، واليأس موسوم علي وجوه الشباب، فلا عمل ولا صحة ولا أي شيء غير أنك رقم في الدولة المصرية، لدرجة أن الكثير منهم كأنه أمله وما زال الأمل أن يأخذ تأشيرة خارج البلاد وحتى ولو كان عبر البحر والثمن روحه فهو يعلم أنه ميت، فنظام مبارك لم يسرق المليارات وحق الشعب، بل سرق حلم وأمل وطن بأكمله وقتل أمل جيل بأكمله.

فمن قهر الشعب أخيراً قام بثورة ولكن بطعم وروح الشعب بدون قيادة ولا هدف مدروس، وتحدوا جبروت الشرطة بصدورهم العارية، وقاموا بأشرف ثورة، وأنتفض الشعب من أجل كرامته وحريته أخيراً، ومكثوا في ميدان التحرير، مطالبين بمحو هذا النظام، حتى تنازل رأس النظام فقط عن الحكام، ذهبت الرأس وبقي الجسد كم هو، فشعر الناس بترك مبارك الحكم بأنه كبوس فد زال…

كنت مدافع عن الإسلاميين لأنهم لم ينزلوا في 25 يناير بل نزلوا بعد طوائف الشعب كله، هم تعلموا من دروس السياسة حتى لا يضفوا على الثورة أنها إسلامية فتدك الثورة بأمر من الغرب

ولكن هنا كان لي رأى خاص وكنت دوما أقوله لأصحابي، أن مصر دولة عسكرية، ذهب مبارك وتركها للعسكر باتفاق، صحيح جيشنا يختلف عن قيادته تمام حتى في تلك الأيام كنت أخدم في الجيش المصري، ولكن كنت على يقين أن الجيش ليس في صف الشعب، أنما استخدم الشعب لمنع قرار التوريث، وأن الجيش سيحمى مبارك وبدليل أن مبارك لم يخرج من مصر، حتى يصير بطل ولا يدنسوا العسكرية بخيانات مفضوحة وخروج مذل، بل وسيعملون منه بطل، والدليل على كلامي أن الجيش لم ينزل لحماية الشعب، هو موقعة الجمل علي مرأى ومسمع الجيش ولم يتحرك، تركت الشرطة مواقعها ولا يحمى الجيش الناس أنما اللجان الشعبية من المدنيين، ولكن لم يصدقني أحد من أصدقائي، وكم هم معذورون لأن الجيش كان بالنسبة للمصريين فكرة مقدسة، ولكن حدث ما توقعت، فكانت هذه جملتي" تخلى مبارك عن الحكم ليعرف الجميع أن مصر ملكية عسكرية إلا الشعب المصري الوحيد الذى لم يعرف بل دوما يتحسر على طغاته السابقين فسينال ما بناله قريب وليس ببعيد".

وأيضا كنت مدافع عن الإسلاميين لأنهم لم ينزلوا في 25 يناير بل نزلوا بعد طوائف الشعب كله، فكم أتهمهم الجميع، ولكن كانت وجهة نظري هذا قمة الذكاء، وأنهم تعلموا من دروس السياسة حتى لا يضفوا على الثورة أنها إسلامية فتدك الثورة بأمر من الغرب، فنجح الإسلاميين في أول تجربة وموقف سياسي حقيقي.

نأتي لمرحلة أخرى وهي مرحلة المجلس العسكري، وأظن أن مبارك تخلي عن الحكم، بعدما علم هو وقيادات الجيش بأن الميدان خالي من قيادة حقيقية وأهداف، ورؤية واضحة صالحة للتنفيذ، فسلم السلطة للمجلس العسكري وليس لمجلس مدني وهو المفروض، لكي يحمى نفسه، ويحمى المؤسسة العسكرية، ولكى يضمن خروج أمواله بأمان وقد حدث، وأيضا ليضيع الفرصة علي أي مدنى أن ينجح في حكم مصر، فالمجلس العسكري في فترة حكمه وضع القوانين وصنع الأزمات، وحصن نظام مبارك ورجاله من خلال أحكام وقوانيين قضائية، وزادت الديون في عهدهم، وعمل علي صنع مشاكل وقوانين لكى تنفجر في وجه أي مدني يفكر في الوصول للرئاسة، وأيضا ليتقرب من كل الفئات الثورية ويعرفها عن قرب، لكى يفرق بينها، ويخضع البعض الأخر له.

ولكن للأسف لم ينجح الإخوان والتيارات الإسلامية في فهم تلك المعادلة، بل نادوا بغزو الصناديق بنعم أولا فكانت أول الضربات لهم، لينقسم الثوار والإسلاميين على بعضهم البعض، ثانيها أحداث محمد محمود ووفات الكثير من الشباب، وموقف الإخوان المتخاذل ووضع يدها في يد العسكر، واتهام هؤلاء الشباب بالتخريب، فخسرت كثير من احترام الشباب فكان الخطأ الثاني لهم، من ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب، وتصارعت الأحزاب الإسلامية من أجل الوصول للمجلس، وظهر عداء شديد بينهم ، وأيضا بين الإسلاميين والأحزاب الثورية الأخرى، فنجح الانقسام بين رفقاء الثورة، وذلك من خلال صناعة المخابرات وأمن الدولة لحزب النور وشاب ثوري آخر، ليتقاتل الإسلاميين فيما بينهم، والثوريين فيما بينهم، وتضيع قوة الأصوات بينهم، وكانت هذه سياسة المستعمر القديم فيخلق من المذهب أثنين والأيدلوجية أثنين ويجعلهم يتناحروا فيما بينهم.

خطأ الدكتور مرسي أن ينظر لمصر كأنها منظومة جماعة الإخوان وقاس نظرية الإخوان على الشعب فأخطأ في التقدير بل فشل في ذلك

وأتذكر كان لي صديق طبيب مسؤول حملة حزب النور، فسألته كيف لحزب معلن خلال شهرين أن يكون له هذا التواجد والقيمة المالية الكبيرة ، رغم أنه كان من أشد الأعداء للحكومة في كل عصورها فلماذا هذا الرضا التام عليهم، ففي السياسة نعرف عندما يكون الوضع كذلك في هو صناعة أمنية من أجل هدف معين، غضب منى صديقي جدا، وأتهمني كغيره بأنها أضغاث احلام، ونجح الإسلاميين، وتشاجروا فيما بينهم في داخل قاعات المجلس، وكأن من يدير الدفة يوصل رسالة للناس بأن هؤلاء من تريدهم، فأنهم لا يطيقون بعضهم البعض، ولا يعملون ألا لصالح أنفسهم فتحول المجلس لساحة من الخلافات والتعطيل بين الإسلاميين، ففشل الإسلاميين للمرة الثالثة علي التوالي وخسروا قاعدة أخرى من احترام الناس و الشباب.

جاءت مرحلة ثالثة وهي مرحلة الانتخابات الرئاسية، ودرات معارك فكرية كبيرة بين الإسلاميين والعسكر، وكانت لعبة تشبه الكراسي الموسيقي، وعمل العسكر بكل ما أوتي من قوة لأبعاد أي شخص قادر على فهم الواقع ولديه تصور حقيقي عن هذه الانتخابات، ونجح في أبعاد الشيخ حازم الذى كان وراءه التفاف كبير، وأيضا في أبعاد المهندس خيرت الشاطر ذو العقلية الاقتصادية الكبيرة، والقادرة على تحريك الاقتصاد، وذلك مقابل رئيس المخابرات عمر سليمان، وبقيت بين مرشح الإخوان الذين أعلنوا من قبل عدم ترشحهم، وأنهم خارج هذه الانتخابات كانت قمة الذكاء والمعرفة السياسية، ولكن نجح العسكر في جرهم للانتخابات ليحرجهم أما الكثير ويظهرهم بمظهر الطامع في السلطة وقد كان، وأيضا أنه يعلم ما حدث أثناء حكم المجلس العسكر ويعرف أي تجربة ستؤول للفشل، طالما لم يتحدوا الثوار والإسلاميين مع بعضهم البعض، فهو يعلم أنهم لم يتحدوا بل سيحاربون بعضهم البعض، وذلك لغياب الوعي والفكر السياسي، وفشل الإخوان يعنى القضاء والتخلص من فكرة الحكم الإسلامي، والتخلص من أكبر حزب وجماعة ضغط سياسي في المشهد المصري.

وانتهت الانتخابات وفاز الدكتور مرسي علي الفريق أحمد شفيق، ولكن هنا لنا وقفة، كنت لأخر لحظة أظن أن الإخوان أذكى من العسكر بكثير ويلعبون بأساليبهم ومن خبرة سياستهم الكبير، وأنهم سيعملون على جعل مرشحهم لا يفوزا ويدعم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح أو سليم العوا، فهم كانوا مجر أفراد أو أحزاب ومرجعيتهم إسلامية، فإذا كان للعسكر مخطط لفشل التجربة المدنية سيتتضح، ويكون هناك حزب معترف به وجماعة ضغط سياسي كبيرة تساندهم أو تكون بديلة، ولكن لم يحدث وفشلوا أيضا في هذه الأمور حقيقة وقولا، ومن عظم الفشل، ما وعد به الدكتور مرسي أنه تحدث عن قضايا تحتاج لعشرات السنيين لحلها، وذلك فقط في 100 يوم حتى أتذكر أن الإعلام كان يعد له بالساعة والدقيقة، والدولة العميقة تعمل على عرقلة ذلك من خلال رجالها وأبنائهم في الوزرات السيادية، فخطأ الدكتور مرسي أن ينظر لمصر كأنها منظومة جماعة الإخوان وقاس نظرية الإخوان على الشعب فأخطأ في التقدير بل فشل في ذلك واستغلت ضده بطريقة موسعة وموجعة من خلال دعم المخابرات والعسكر للإعلاميين حتى ينفر الناس والأحزاب الملتفة حوله منه بعد فشل في تلك الأمور، فكان فشل أخر، وأتذكر قولي لمن كانوا يدعون من الإخوان لترشح الدكتور مرسي، إذا تقدمت لهذه الانتخابات فلم تطول المدة أكثر من سنتين، فهي مرحلة انتقالية لا تحتاج إليكم بل يجب أن ترتبوا للقادم بأفضل شكل وتساندوا مدنى، ولكم في مرحلة ناصر عبرة وأظن أنهم سيقرأون هذا الكلام ويتذكروه، فهذا حديث للأجيال لكي تتعلم من الأخطاء وتعرف أن السياسة والعالم لا يرحم جاهل فيها، ولا تعطي له فرصة التعلم، فهذا الجزء الأول من مشهد مهم في تاريخ مصر، يحتاج لحيادية لأجل القادم لا للعويل علي ماضي وأحداث انتهت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.