شعار قسم مدونات

سقوط "العريفي" المحزن.. من رفض الظلم للتطبيل باسم الحاكم!

blogs العريفي 1

الداعية السعودي المعروف محمد العريفي يظهر أخيرا بعد غياب طويلا.. أثيرت حوله العديد من الأسئلة عن السبب الحقيقي وراء غياب الشيخ المعروف بدعم ثورات الربيع العربي والمناهض للديكتاتوريات خارج بلاده. العريفي لم يظهر ناصحا ولا معاتبا ولا منذرا بخطورة السياسة التي ينتهجها الأمير محمد بن سلمان على السعودية زمانا ومكانا ومكانة ولا متعاطفا حتى مع رفاقه الذين اعتقلوا وعلى رأسهم صديقه سلمان العودة المهدد بالإعدام في أية لحظة بل ظهر العريفي مروجا ومرشدا سياحيا وفي المنطقة التي نهى ذات يوم عن زيارتها ممثلة في مدائن صالح ولعل الشيخ العريفي أن يعيد متابعة ما قاله سابقا لملايين الشباب الذين يتابعونه حول حرمة زيارة المدائن التي يروجها لها.

وليست هذه الزلة الأولى للشيخ العريفي فقد سبق للرجل ذاته أن نهى عن زيارة الكنائس وواضعا زيارتها في خانة الشرك ثم ظهر العريفي زائرا ومباركا في إحدى الكنائس الشرقية في أوروبا إبان عهد الأمير المجدد محمد بن سلمان. فأي تناقض ذلك الذي يحمله الشيخ العريفي في كلامه ونصائحه ودعوته خاصة لدى محبيه ومريديه؟

لا أنكر أني كنت من أشد المعجبين بالشيخ وأرى فيه المثل الأعلى والقدوة ولذلك لما يتمتع من حلاوة الكلام وفصاحة اللسان وبلاغة وفصل بيان وجمال الخطاب والابتسامة الدائمة في وجه الجميع وفي كل المحاضرات.. لكن استفقت على خطيب آخر لا أعرفه.. لم يعد صوته يرتفع عند الحديث عن الظلم ولا يحمر وجهه عند ذكر المواجع والفواجع.. فلم يعد لخطيب صوت يسمع.. لقد سقط من أعلى هرم المحبة والاحترام إلى منازل الشك والتشكيك.

العريفي يعلم أن مناهضة الظلم القريب ودفعه أولى من مناهضة الظلم الأبعد… وذلك من فقه الأولويات الذي يجيد حفظا وقراءة ويرفض العمل به واقعا وتطبيقا

فالعريفي الذي كان أحد أبرز الداعمين للثورة السورية والمحرضين على القتال ضد مجازر النظام البعثي بحق شعبه هو نفسه كان يقود عاصفة الحزم التي أهلكت اليمن وسكت عند ارتكاب طائرات التحالف السعودية العربية مجازر بحق اليمنيين. وصمت العريفي الذي يدعي مناهضة الجرائم التي ترتكب بحق السنة في إيران وغيرها عن مجزرة القنصلية التاريخية ولم ينكر يومها بل اختفى.. كصمته عن اعتقال العلماء الذين وقفوا في وجه الأمير الباطش الطائش محمد بن سلمان وهو الذي طالما كان يقص علينا قصص البطولات وصمود العلماء أمام السلاطين الجائرين.

ولعل أبرز قصة كان يرويها شيخنا العريفي هي محنة الإمام أحمد بن حنبل أمام المعتزلة والمأمون وكيف تحمل أحمد بن حنبل الجلد والتعذيب ليظل صامدا لوحده وبعد تراجع الكثير من العلماء آنذاك أمام سياط المأمون والمعتزلة وإقرارهم بأن القرآن مخلوق.. يومها بقي الإمام أحمد شامخا تروى قصته إلى أيامنا هذه.. تحكيها أجيال لأجيال عن صمود العلماء وتضحيتهم وقولهم كلمة الحق ولو على رقابهم. ولعل العريفي أحد أحسن رواة القصة أعلم بها منا جميعا وهو الذي كان في الغالب يطلب من الشباب أن يضعوا بصمتهم في هذه الحياة… فلماذا لم يضع القدوة بصمته في الأزمة التي تمر بها الأمة الإسلامية اليوم؟

علينا وعلى العريفي أن نعترف أن هناك حالة يجب الوقوف عندها وتشخيصها هي حالة العالم اليوم والسلطة والعالم والرخصة والاعتزال وهي أزمة الشباب اليوم والعلماء لقد بدأوا يفقدون الثقة بمن كانوا بالأمس قدوة وأسوة حسنة وعلى رأسهم الداعية الذي كان محبوبا شيخنا العريفي … حتى تحول إلى الجهة الموازية المقربة من الحاكم.. وهي فئة غير محبوبة ولا مرغوب فيها لدى العامة اليوم.

وذلك رأي الكواكبي في كتابه الأشهر طبائع الاستبداد عن علماء السلطان وسبل استخدامهم في كل زمان ومكان وقد حقت فيهم قولته إنه ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قداسة يشارك بها مع الله أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله.

لكأن الكواكبي يعيش اليوم في رياض بلاد الحرمين أو قابل الشيخ العريفي وأمثاله ممن يصمتون على الظلم البين ويتكلمون فقط حين يطلبهم من الحديث في أوقاتهم مشبوهة ويقدمون ما يجب أن يؤخر على ما يجب أن يقدم. فالعريفي يعلم وكلنا نعلم أن قضية التطبيع اليوم مع إسرائيل ومناهضتها أولى به من دعم السياحة وزيارة المناطق التي أجيزت فجأة… فلا يتنفل من عليه القضاء وتلك من القواعد الفقهية التي يدرسها العريفي لطالبه قولا وينكرها عليهم فعلا.

والعريفي يعلم أن مناهضة الظلم القريب ودفعه أولى من مناهضة الظلم الأبعد… وذلك من فقه الأولويات الذي يجيد حفظا وقراءة ويرفض العمل به واقعا وتطبيقا. فمن يبلغ العريفي أنه قد سقط من أعلى هرم التقدير والمحبة في نفوس الناس إلى درجة أخرى أقل ما يقال عنها: أنها لا تليق به وبأمثالها من العلماء. وفي الأخير نتمنى أن تكون سحابة صيف عابرة وأن يعود العريفي إلى رشده وصوابه فحين تسقط القدوة في نفوس تتساقط المجتمعات وتتلوها الأمن، فمن يسدي نصيحة العريفي قبل فوات الأوان؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.