شعار قسم مدونات

كيف تبني ثقتك بنفسك؟ أسباب ضعف الثقة بالنفس

blogs تفكير

كثيراً ما نرى ممارسات تعبر عن الثقة بالنفس، لكننا نكون غير متأكدين أن هذا التصرف يعبر عن الثقة أم لا، خاصة عندما يشوبه استعلاء، فهل الثقة بالنفس تعني أن أشعر أمام الناس أني الأفضل؟ أو أن أؤكد على نفسي وعلى مسامع الناس أني ممتاز؟ أم تعني أني أستطيع أن أواجه الإحباطات بثبات؟ وهل هي مقترنة بالاستعلاء أم بالتواضع؟ وما علاقة الثقة بالنفس بطريقة التفكير؟ ومن أين يأتي الإحساس بضعف الثقة بالنفس؟ وكيف يمكن أن يعالج؟ سنتناول في مقالين متتالين الإجابة العلمية عن هذه التساؤلات وعرض الخطوات العلاجية لضعف الثقة بالنفس فتابع معنا..

كثيراً ما يتصرف بعض الناس أمام الآخرين بأسلوب يشعرنا بالثقة بالنفس أو حتى بالغرور أحياناً، بينما يكون هذا الشخص مفتقراً للثقة بالنفس تماماً، ويرتدي قناعاً يغطي حقيقة ضعفه فيوحي بالثقة من خلال الاستعلاء على الآخرين بميزة يمتلكها حقيقة أو لا يمتلكها، فالاستعلاء لا يعني الثقة بل هو النقيض.

وكثيراً ما يعتقد الناس أن الثقة بالنفس تأتي من التأكيدات الإيجابية للذات بأني رائع، وإيصال هذه الرسالة للآخرين، ولكن الرسالة الإيجابية التي أبثها في نفسي أو للآخرين لا تكفي لبناء الثقة بالنفس ولا تعني بالضرورة الثقة بالنفس، لأن الثقة بالنفس تعني تقبل الإنسان لنقاط ضعفه، وأنه من الطبيعي أن يمتلك الإنسان نقاط ضعف، كما هو من الطبيعي أن ينتلك نقاط قوة، وهي معرفة الذات معرفة حقيقية وليست مجرد تأكيدات إيجابية، بل تلك التأكيدات قد تغطي جرحاً يحتاج إلى علاج أحياناً، وليس من الحكمة تغطيته بكلمات إيجابية تخديرية، مثل أن تقول الأم أنني أم رائعة لأبنائي وابنها يحتاج إلى إعادة تأهيل لبناء شخصيته وهي السبب الأول في ذلك.

فما هي الثقة بالنفس؟ وهل يجب أن ترتبط بالتواضع؟
التفكير بعقلية المقارنة السلبية تجعلنا نشعر بالدونية فنكره أنفسنا ونكره الآخرين، تشعرنا بالضعف والإحباط، بل وربما الغيرة والكره والحسد أيضاً، فتنتكس مشاعر الإيمان وتنتكس علاقتنا مع الله

سبق وأن عرّفنا الثقة بالنفس أنها القدرة على حل المشكلات ومواجهة التحديات، وتتعلق بمعرفة الإنسان لنفسه جيداً، ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف، مع تقبل نقاط الضعف، والسعي لتقويتها، ووضع نقاط القوة في أهداف ذات أهمية بالنسبة للشخص، وهي مرتبطة بالتواضع، فالمستعلي يغطي ضعفاً باستعلائه.

ترتبط الثقة بالنفس بالمتعة الداخلية للانطلاق نحو الهدف، محرراً من نظر الناس، ويرتبط ضعف الثقة بالنفس بالرغبة من نيل الاستحسان من خلال ثناء الناس، لذا فالثقة مرتبطة بالإخلاص في العمل، وضعف الثقة قد يؤدي إلى الرياء. هناك فارق جذري بين الثقة بالنفس وضعف الثقة هو التحرر من نظر الناس وطلب استحسانهم، والقيام بالعمل برغبة داخلية عن قناعة، متقبلاً احتمالية الفشل، ومعتبراً انها فرصة للتعلم، بغض النظر عن ثناء الناس أو ذمهم.

الواثق مرجعيته معرفة نفسه وما يريد، وما يلائمه ويلائم قدراته ولا يسعى للتقليد، وغير الواثق يريد أن يثبت نفسه للآخرين بعمله وينتظر المديح ويهتز من النقد ويتحرك بالغيرة ويسعى للتقليد، ولديه عقلية مقارنة لا واعية مع الآخرين، فعندما يمتلك شخص ميزة لا يمتلكها هو يشعر بالنقص، فتتراجع ثقته بنفسه. من الطبيعي أن يشعر الإنسان أحياناً بضعف الثقة بالنفس، لكن إذا تكررت هذه المشاعر فإنها تؤثر علينا سلباً وتشدنا للوراء، فهي تؤثر على قراراتنا ومشاعرنا وعلاقتنا مع الآخرين، بل وعلى صحتنا النفسية والجسدية، فكيف يمكن أن نتخلص منها ونتقدم؟

حتى نتخلص من هذه المشاعر السلبية، يجب أن نعلم من أين جاءتنا هذه المشاعر، ولِم نشعر بها ولِم هناك أناس لا يشعرون بذلك؟ هل حقاً نحن نستحق أن نشعر بهذه المشاعر السلبية لأن لا قيمة لنا أم أنها دخلتنا بطريقة خاطئة ويجب أن نتخلص منها؟ هناك سببان في توليد هذه المشاعر السلبية والإحساس بضعف الثقة بالنفس..

السبب الأول لضعف الثقة بالنفس: أن ينشأ الشخص في بيئة تنافسية تدفع للعمل من خلال المقارنة أو النقد أو المدح، وتدفع للعمل من خلال المكافآت المادية أو المعنوية، وتتقبل الشخص تقبلاً مشروطاً بما يقدم أو يفعل، تجعل الإنسان يفقد إحساسه بقيمته الحقيقية، ويربط قيمته لنفسه بنظرة الناس، وتتكون لديه عقلية مقارنة لا واعية، فيقيس الشخص نفسه مع الآخرين بشكل مستمر دون أن يشعر، فيرتاح إذا جلس مع من يظن أنه أقل منه، ويتوتر إذا جلس مع شخص يتفوق عليه في أي ميزة، بسبب قياس قيمة الذات بالمقارنة مع الآخر وليس بمعرفة القيمة الحقيقية للذات.

إن التفكير بعقلية المقارنة السلبية تجعلنا نشعر بالدونية فنكره أنفسنا ونكره الآخرين، تشعرنا بالضعف والإحباط، بل وربما الغيرة والكره والحسد أيضاً، فتنتكس مشاعر الإيمان وتنتكس علاقتنا مع الله، لأن الحسد يؤدي إلى السخط، ومن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.

إن العقلية التنافسية كلما كبرت بداخلنا ارتفعت أنانيتنا، وأصبحنا نفتقر إلى مشاعر المحبة للغير والرحمة والتقدير الحقيقي لأنفسنا وللآخرين فنبتعد عن أخلاق الإسلام وروحه، ناهيك عن أن العقلية التنافسية تكتسب عقلية ثابتة Fixed mindset لا تستطيع أن تبدع أو تغامر أو تنمو نمواً حقيقياً لأنها تركز على نظر الآخرين بدل متعة النمو.

السبب الثاني لضعف الثقة بالنفس: قد يميل بعض الناس أكثر من غيرهم للتركيز السلبي، ربما تجد أخوين في بيت واحد أحدهما يميل للتركيز الإيجابي والآخر يميل للسلبي، بشكل عفوي وجيني، فتتأثر ثقة الشخص الذي يميل للتركيز السلبي لأنه سينقد ذاته بشكل أكبر بكثير مما سيشكر نفسه فتتراجع ثقته بنفسه، أو أنه ينظر بعين الاستسصغار لكل ما يفعله ويرى أنه لا شيء فلا يشعر بقيمة النمو، حتى لو كان المحيط الذي يعيش به إيجابياً، يستطيع هذا الشخص أن يغير من طريقة تفكيره، ستجد في المقال التالي مفاتيح التغيير بإذن الله تعالى.

حتى نبني ثقتنا بأنفسنا علينا أن نتحرر من عقلية المقارنة اللاواعية، ونتحرر من انتظار استحسان الناس، لأن الثقة بالنفس لا تبنى من الخارج، بل من الداخل، من خلال معرفة الذات، وتقبل الذات بدون شروط، بنقاط ضعفها ونقاط قوتها مع السعي للتحسين، برغبة ذاتية، دون انتظار مكافأة معنوية أو مادية من الخارج. سواء كنت تشعر بضعف الثقة بالنفس من السبب الأول أو الثاني أو كليهما، فهناك آليات تساعدك للتغلب على هذا الضعف، والتقدم إلى الأمام، تابع معنا خطوات العلاج في المقال التالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.