شعار قسم مدونات

اعتداء نيوزيلندا.. انتقام أم صفح؟!

BLOGS مذبحة نيوزيلندا

الاعتداء الدموي الذي نفذه أسترالي على مسجديْن في نيوزيلندا هزّ العالم وأعاد للأذهان مقولات وأفكار كنّا حتى وقت قصير نظن أنها باتت وراءنا، كصراع الحضارات، وأن العالم عبارة عن فسطاطين فسطاط الحق وفسطاط الباطل، وأنه لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملّتهم..

 

هي الجريمة الأكثر بشاعة ودموية التي نشهدها خلال السنوات الأخيرة. سبق ذلك في شهر رمضان عام 1994 أن شهدنا مجزرة الحرم الإبراهيمي، حين دخل يهودي متطرف وأطلق النار على المصلين فاستشهد قرابة ثلاثين مصلياً. لكن مجزرة الحرم حصلت في فلسطين المحتلة التي تعاني أساساً من عدوان إسرائيلي متواصل، ومرتكب الجريمة يهودي متطرف والمعتدى عليه مسلمون، والصراع بين الطرفين ليس جديداً. كما شهدنا في البوسنة والهرسك عام 1995 مجزرة سربرنيتسا التي راح ضحيتها آلاف المسلمين، لكن المجزرة اندرجت حينها في سياق الحرب الدائرة آنذاك. أما جريمة مسجدي نيوزيلندا، فكان وقعها مختلفاً، لأنها أولاً حصلت في بلد آمن في زاوية من العالم بعيدة عن الصراعات والخلافات السياسية والدينية، وثانياً النقل المباشر للجريمة، والكتابات التي شوهدت على الأسلحة التي استخدمها الجاني، والتي تفيض كراهية للإسلام والمسلمين.

 

الانتقام لمجزرة نيوزيلندا سيقابله انتقام من الجانب الآخر، والدم سيقابله دم على الضفة الأخرى، وسنقع في دوّامة لا تنتهي من القتل والانتقام والعنف

عقب كل حادث مأساوي يحتار العالم أمام إشكالية أخلاقية وإنسانية وقانونية، حول كيفية إرساء العدل والإنصاف تجاه الضحايا وذويهم، والعقوبة المناسبة للجاني، وكيف يمكن تحقيق الردع للحيلولة دون تكرار جرائم مشابهة؟ فإذا عوقب الجاني بالعقوبة القصوى التي ينص عليها القانون النيوزيلندي وهي السجن المؤبد، فإن ذلك لن يعيد الضحايا للحياة، ولن يواسي ذويهم، وسيواصل قلب المجرم بالنبض بعدما أسكت قلوب خمسين من ضحاياه. وحتى ولو تم تعديل القوانين وتم إعدام الجاني، فهو في النهاية معتوه متطرف ليس لديه ما يخسره، تسيّره أحقاده وكراهيته، بينما الضحايا مدنيون أبرياء، بينهم نساء وأطفال وشيوخ.

 

الاعتداء على مسجدي نيوزيلندا قدّم هدية للبعض الذين يعتبرون أن مواجهة الاعتداء لا يكون إلا باعتداء مقابل، وأن الحياة صراع بين الخير والشر، وأن العدو لا يفهم إلا لغة القوة، وأن… وفي هذا الإطار خطّط أسامة بن لادن رحمه الله لتفجيرات 11 سبتمبر 2001 التي تسببت بمقتل آلاف الأميركيين الأبرياء. لكن ما فات بن لادن وأصحابه أن انتقامه للجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة بحق المسلمين تسبب لاحقاً بمقتل عشرات آلاف المسلمين، بعدما تذرعت الإدارة الأميركية بما قام به لتنفيذ جرائم جديدة في أفغانستان والعراق وعدد من البلدان، ونهب خيرات المنطقة حتى يومنا هذا.

 

البعض يرفع الخيار خياراً آخر يقع على الضفة الأخرى للانتقام، وهو الصفح والمغفرة والتسامح والتعالي على الجراح. هذا الخيار سينال إعجاب العالم، لكنه سيكرّس الظلم والغبن بحق الضحايا، وربما يشجع مجرمين آخرين على ارتكاب جرائمهم.

 

ما هو مؤكد، أن الانتقام لمجزرة نيوزيلندا سيقابله انتقام من الجانب الآخر، والدم سيقابله دم على الضفة الأخرى، وسنقع في دوّامة لا تنتهي من القتل والانتقام والعنف. فعلاوة عن أن الإسلام يحرّم الانتقام من أبرياء، فإن المصلحة لن تتحقق في ظلّ حال الضعف والوهن والترهّل التي يعاني منها المسلمون، وستكون فرصة سيتذرع بها الغرب مرة جديدة لقتل المزيد من المسلمين الأبرياء ونهب خيرات بلادنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.