شعار قسم مدونات

احتلال عالمي جديد.. هل ينجح ترامب في تصفية القضية الفلسطينية؟

blogs ترمب و نتينياهو

في الوقت الذي يجتمع فيه الساسة العرب في تونس يوم الحادي والثلاثين من شهر مارس الجاري للتباحث في الشؤون الداخلية للدول العربية والصراع العربي العربي، والعلاقات العربية الأوروبية والغربية عموما، تعيش الدول العربية أزمات داخلية حادّة وصراعا عربيّا عربيّا متفاقما بلغ حدّا لا يطاق، وفي هذا الوقت أيضا وبينما تعيش الدول أسوأ أحوالها وتشتدّ وتتأزم كلما قرّر العرب عقد قمّة خاصة بهم، تُطبخ صفقة عالمية سُمّيت بصفقة القرن، وقد بدا واضحا الاهتمام الأمريكي بهذه الصفقة أن تتم بكل تجلّياتها وجزئيّاتها، من خلال الزيارات المكّوكية التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو شرقا وغربا شمالا وجنوبا والمؤتمرات التي عقدت في كل من وارسو وميونيخ لإثارة زعزعة وعدم استقرار في العالم.

  
فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم في وضع لا يُحسد عليه، يتلقى الصفعة تلو الصفعة من الكونجرس، آخرها تحقيق مولر الذي سوف يستغله الكونجرس ويجعله حجر عثرة أمام ترشح ترامب لفترة ولاية ثانية بينما يعمل وزير خارجيته بخطى حثيثة للإعلان عن صفقة القرن، التي بدأت منذ زمن وطُبخت على نار هادئة وبدأت تنضج رويدا رويدا، فأول ما قامت به أمريكا بعد أن وجدت تعنّتا من الدول العربية وصرامة في الموقف من إسرائيل وتحويل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل اخترعت فكرة الربيع العربي ومساندة الدول الراغبة في التغيير من الداخل وهذا ما حدث لكثير من الدول العربية، بداية من العراق وتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والآن السودان والجزائر والقائمة قد تشمل دولا أخرى، وإذكاء النزاع الداخلي القبلي والعرقي والأتني والمذهبي والعنصري، وغيرها.

    

عملت إسرائيل على توطيد علاقاتها مع الدول العربية وتمرير أفكارها الجديدة بضغط أمريكي قوي وبزخم إعلامي كبير والإمساك بالعصا لمن يرفض التغيير

وقد وجدت الدول العربية أو بالأحرى شعوبها الفرصة للانقضاض على حكامها الذين استبد منهم بالحكم وظلم الشعب، والتعبير عن التغيير المنشود، مما أوقع بعضها في صراعات مسلحة مدمرة كالذي حدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وبعضها مازال يعيش أزمات داخلية حادة وآخر يشهد تظاهرات شعبية جديدة ينشد فيها التغيير السلمي بعد أن رأى بأم عينيه التدمير الذي حدث في بعض البلدان العربية آنفة الذكر، كل ذلك يحدث للدول العربية في فترة وجيزة لا تتعدى عشرين سنة الماضية أي منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م حين أعلن جورج بوش الحرب على الإسلام وادعى ان السبب ظهور الإسلاموفوبيا.

  
وبينما استطاعت أمريكا ترويض الدول العربية وإشغالها بفتنها الداخلية أو صراعها العربي العربي، بدأ يخفت الصراع العربي الإسرائيلي على الساحة، فعملت إسرائيل على توطيد علاقاتها مع الدول العربية وتمرير أفكارها الجديدة بضغط أمريكي قوي وبزخم إعلامي كبير والإمساك بالعصا لمن يرفض التغيير، وأصبحت القضية الفلسطينية في طي النسيان وفي الرفّ المنسي، وتجرأ الرئيس الأمريكي بعدها على إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وإعلان أن إيران وحزب الله وحماس هم العدو الحقيقي الذي يمثل تهديدا للسلم العالمي، وبالتالي لا بد من خنقه اقتصاديا حتى يستسلم، وجاءت جولة بومبيو تحذيرية لكل من الدول التي تتعامل مع إيران وحزب الله وحماس، وكذلك كانت جولة بن سلمان إلى كل من باكستان والهند والصين، وبالتالي فإن أمريكا تحذر العراق بالدرجة الأولى وأفغانستان بالدرجة الثانية وبعدها كل من الهند وتركيا ولبنان وربما أيضا روسيا والصين الدولتين اللتين يجد فيهما بومبيو صعوبة لإقناعهما بضرورة إنهاء العلاقات التجارية مع إيران لنيل مكاسب أمريكية.

  
ويبقى أيضا الاتحاد الأوروبي العصي على أمريكا، بعد أن اتفق مع إيران على آلية نقدية لتمرير النفط الإيراني رغم أن ذلك لا يقنع الحكومة الإيرانية إلا أنها قبلته على مضض وليس لديها حل سوى القبول، ومازال العمل على لبنان والسلطة الفلسطينية التي لم تعد قائمة في نظر الأمريكيين ولم يزرها مسؤول أمريكي بعد قرار ترامب غلق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ولم تعد في نظر ترامب تشكل تهديدا بل يراها ضعيفة جدا ولا تعدو إلا أن تكون كبش فداء وأن مسؤوليها لا تصدر منهم سوى كلمات جوفاء من هنا وهناك لا تؤثر بأي حال من الأحوال في المشهد السياسي.

    

رويدا رويدا أعتقد أن المنطقة ستلتهب أكثر في الأيام القادمة عندما تبدأ إيران بالشعور أنها تختنق فعلا وأن شبح الانهيار بدأ يتضح أمامها
رويدا رويدا أعتقد أن المنطقة ستلتهب أكثر في الأيام القادمة عندما تبدأ إيران بالشعور أنها تختنق فعلا وأن شبح الانهيار بدأ يتضح أمامها
   

لكن العين تتركز على حماس وكيفية انهيارها من الداخل أيضا أو القضاء عليها عسكريا إن تطلب الأمر بعد استخبارات عسكرية وتمويل أمريكي واسع وإغضاب الشعب اللبناني على حزب الله من خلال تجفيف منابع التمويل من إيران، وإيجاد فجوة بين الشيعة في إيران والشيعة في لبنان، كل ذلك يضعه ترامب في الحسبان، وما إعلان الجولان أرضا إسرائيلية إلا دليل على استفزاز واضح لإيران وروسيا ومحاولة لتقزيم النظام السوري وإثارة بلبلة في المنطقة.

  
ورويدا رويدا أعتقد أن المنطقة ستلتهب أكثر في الأيام القادمة عندما تبدأ إيران بالشعور أنها تختنق فعلا وأن شبح الانهيار بدأ يتضح أمامها، وقد يشعر حزب الله بعد إنهاكه في حرب سوريا بالتعب ونقص التمويل وقد يضعف أمام الحصار الأمريكي وتأليب اللبنانيين عليه في الداخل، ففي هذه الحالة إما أن تُعلن صفقة القرن بعد نضجها تماما إذا استطاع الأمريكيون إخضاع العرب للقبول بها رغم ما أبداه الملك الأردني من شهامة أنه لا يقبل أي تغيير قد يطرأ على القدس الشريف ويراهن في ذلك على شعبه الذي يؤيده، وإما أن تُؤجل إذا بقيت بعض الملفات مفتوحة أو طرأت أحداث جديدة في المنطقة تغيّر المشهد، وإما أن تُلغى تماما إذا تمسك العرب بهُوية القدس العربية الإسلامية، وثارت الشعوب الإسلامية والعربية في كل مكان من العالم تندد بصفقة القرن المزعومة وتقاضي حكام أمريكا وإسرائيل ومن شايعهم وتصنع التغيير من جديد وتقضي على الحلم الأمريكي الصهيوني إلى الأبد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.