شعار قسم مدونات

صاروخ أصاب تل أبيب.. نفرح أم نحزن؟!

blogs القسام

يشهد قطاع غزة أجواء من التوتر بعد سقوط صاروخ انطلق من القطاع على تل أبيب موقعاً عدداً من الجرحى. وكان سبق ذلك بأيام انطلاق صواريخ أخرى من غزة سقطت على المستوطنات المحيطة بالقطاع. بعيداً عن التهليل والتصفيق الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي احتفاء بالصاروخ، فإن حركة حماس كما كل المؤيدين والمناصرين والمحبين لها وجميع أبناء قطاع غزة حبسوا أنفاسهم خشية تدحرج الأمور، واتخاذ الصاروخ ذريعة لشنّ إسرائيل عدواناً جديداً.

 

الترقب والحذر والخوف سَلَبَ من الصاروخ الكثير من الإنجازات التي حققها، فلم ينل ما يستحقه من تقدير. فهو بخلاف محاولات كثيرة، تجاوز منظومة القبّة الحديدية التي تكلفت عليها إسرائيل المليارات لحمايتها من صواريخ المقاومة، ووصل إلى منطقة سكنية بتل أبيب، قاطعاً مسافة زادت عن 140 كلم، وهي مسافة غير مسبوقة لأي صاروخ يُطلق من القطاع. لكن ذلك، لم يزد المقاومة وأهلها إلا المزيد من الخوف والترقب والحذر من ردة الفعل الإسرائيلية على إطلاق الصاروخ، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحتاج لتعزيز وضعه الانتخابي في الانتخابات المقبلة، فيستخدم الصاروخ ذريعة لإبراز عضلاته الدموية بشن عدوان على القطاع.

  

حركة حماس في قطاع غزة في موقع السلطة، ليست مسؤولة فقط عن مقاومة الاحتلال ومواجهته والتصدي لأي عدوان، بل أيضاً مسؤولة عن تأمين قوت أبناء القطاع

في الماضي، حصلت محاولات كثيرة لإطلاق صواريخ من القطاع على إسرائيل، وكان الموقف المعهود والطبيعي من حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة، التأييد والمساندة الذي يشكل رداً طبيعياً على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الشعب الفلسطيني، وكان الفلسطينيون وتحديداً في غزة ينشرون حواجز لتوزيع الحلوى على المارة، ولو كان مكان سقوط الصاروخ أرضاً زراعية خالية ولم يتسبب بأضرار للجانب الإسرائيلي. لكن الصورة هذه المرة بدت مختلفة، فرغم الاختراق النوعي الذي حققه الصاروخ، لكنه لم يكن دافعاً للاحتفاء به، بل على العكس، تبرأ منه الجميع، ودار همس بالاستياء من الجهة التي أطلقته واتهامها بالإساءة والإضرار بقطاع غزة.

  

الاختلاف الحاصل لا يتعلق بالموقف المبدئي من مقاومة العدو الإسرائيلي، الذي كان ومازال وسيبقى، لكنه مرتبط بالانهيار والتراجع الكبير الذي أصاب العالم تجاه القضية الفلسطينية. فالمقاومة في غزة تدرك أن كثيراً من بني جلدتها يروّجون لصفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية، ويدركون كذلك أن التعاطف والتأييد الذي كانت تحظى به القضية الفلسطينية لم يعد كالسابق، عدا عن الأزمة المالية الخانقة التي تضغط على صدور الغزيين، بعد توقف السلطة الفلسطينية عن تسديد أجور العاملين فيها في محاولة للضغط على حماس وتفجير الوضع في القطاع. وبالتالي فإن أي عدوان إسرائيلي جديد لن يجد من يوقفه، وعلى الأرجح سيكون بعض العرب من المؤيدين له في السر لتصفية المقاومة، هذا عدا عن أن قطاع غزة ليس مستعداً لعدوان يدمر بنيتها التحتية ويعيد عجلة الإعمار إلى نقطة الصفر.

 

قبل سنوات، وبعد أشهر قليلة من نجاح الربيع العربي بالإطاحة بالأنظمة العربية الفاسدة، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس –آنذاك- خالد مشعل إن الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة أدركوا أن الحكم ليس نزهة وليس مهمة سهلة، فالوجود في السلطة تعترضه تحديات وعقبات وصعوبات كثيرة، وأن هناك حسابات كثيرة على السلطة أن تأخذها في الحسبان قبل اتخاذ موقفها، وهو ما لم يكن يدركه الإسلاميون حين كانوا خارج السلطة. اليوم، حركة حماس في قطاع غزة في موقع السلطة، ليست مسؤولة فقط عن مقاومة الاحتلال ومواجهته والتصدي لأي عدوان، بل أيضاً مسؤولة عن تأمين قوت أبناء القطاع، والحفاظ عليهم، والحرص على عيش كريم لهم. المعادلة صعبة وغير معهودة، لكنه الواقع المرّ الذي حُشرت فيه حماس في ظل التردّي العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.