شعار قسم مدونات

الحل موجود في الداخل.. كيف تعالج ضعف ثقتك بنفسك؟

blogs تفكير، تأمل

حتى نبني ثقتنا بأنفسنا علينا أن نتحرر من عقلية المقارنة اللاواعية، ونتحرر من انتظار استحسان الناس، لأن الثقة بالنفس لا تبنى من الخارج، بل من الداخل، من خلال معرفة الذات، وتقبل الذات بدون شروط، بنقاط ضعفها ونقاط قوتها مع السعي للتحسين، برغبة ذاتية، دون انتظار مكافأة معنوية أو مادية من الخارج. تعرضنا في المقال الأول للأسباب التي تولد ضعف الثقة بالنفس وفي هذا المقال سنتطرق لخطوات العلاج:

أولا: قيمتك عالية بما أكرمك الله واصطفاك به بغض النظر عن الرسائل السلبية التي سمعتها أو تسمعها، فأنت أروع مخلوق خلقه الله، وأجمل وأفضل مخلوق، أسجد الملائكة إكراماً لأبيك آدم، وإكراماً لك فأنت منه، خلقك بهذا الإكرام لتقوم بالغاية من خلقك وهي الخلافة في الأرض، قيمتك عالية باصطفائك، ولتحافظ على هذا الإكرام والاصطفاء، عليك أن تسير للغاية التي خلقت من أجلها، وهي العبادة وعمارة الأرض بالخير، وما عليك أن تقوم به هو ضمن استطاعتك وضمن إمكاناتك، لترضي الله، وتشكره على إكرامه، وليس مطلوباً منك أن تقوم بعمل خارق أو فوق طاقتك. فتحرر من مقارنة نفسك بالناس، وركز على قيمتك الحقيقية لتكبر وتنمو.

ثانياً: إن عقلية المقارنة السلبية هي عبارة عن تشابكات في الدماغ تكررت حتى أصبحت طريقة تفكير، وبالتالي سيرتكز العلاج إلى تكوين عقلية تفكير جديدة تلغي العقلية القديمة من خلال تمارين معينة، وهذا سيحتاج إلى وقت، ولكنه هو الحل، ستشعر بالراحة والقوة والثقة بالنفس كلما تعمقت تشابكات الطريقة الجديدة في دماغك، فاصبر واستمر.

عندما تمسك تفكيرك وهو يقوم بمقارنة سلبية، غيّر التفكير فوراً وادع للشخص الذي تقارن نفسك به بالخير والبركة من أعماق نفسك، وأن ينفع الله به هذه الأمة، وهذا مهم جداً في إعادة الارتباط الإيجابي بالدماغ

ثالثاً: ينبغي أن تتقبل أنك شعرت بمشاعر سلبية اتجاه نفسك أو اتجاه غيرك عندما تشعر بذلك، وتسمح لهذه المشاعر أن تطفو على السطح بوضوح أمام عينيك، فتستغفر وتسامح نفسك على ذلك لتتجاوز جلد الذات، إلى إيجاد الحلول، مما يجعل مهارة الوعي الذاتي تتطور لديك، فتنتبه متى شعرت بالضعف، وكيف قمت بالمقارنة السلبية لنفسك مع الآخرين، لتستطيع أن تحل المشكلة.

رابعاً: إذا شعرت أن المقارنة في بيئتك مستمرة، تُضعف محاولتك في التغيير الإيجابي، تحدث مع الأشخاص الذين يستخدمون هذا الأسلوب معك برحمة، وكلمهم عن ضرره عليك، واطلب منهم أن يوقفوه، وعندما ينسوا ويستخدموا الأسلوب مجدداً، قم بعمل إشارة بيدك لتذكيرهم بالتوقف عن ذلك بابتسامة وأسلوب لطيف، وانسحب من الموقف، وذكر نفسك دوماً بأن تصرفهم خاطئ ولا يعبر عن قيمتي الحقيقية لنفسي. حاول أن تتجنب الأشخاص التنافسيين أو السلبيين لأنهم يخرجوك من دائرة التركيز الإيجابي على نفسك.

خامساً: حرر نفسك من وهم تحقيق القيمة بأعين الناس، فرضى الناس غاية لا تدرك، ولا يوجد إنسان فائق أو كامل، فقد خلق الإنسان ضعيفاً، وكل إنسان مليء بالعيوب، يغطي ضعفه ويتحرك بعطاء الله وعونه وستره، يتقلب بالنعم والبلاء. إن عقلية المقارنة السلبية تعارض حكمة الله سبحانه وعدله في عطائه، فالله جعلنا مختلفين لحكمة، في القدرات والذكاء، والمال، والأعمال، والجمال، والعائلة، والاهتمامات وغيرها، لنتكامل ونشكر ونصبر ونرضى، حتى يرضى الله عنا، والله العدل أعطى جميع الناس بعدل، ولكن بنسب متفاوتة ليبلونا، فالحكمة أن نركز على ما أعطانا الله من قدرات أو إمكانات، لنستفيد منها ونتقدم إلى الأمام، دون أن نضيع طاقتنا النفسية في ملاحظة رزق الله للآخرين بتألم أو سخط، فالله هو العدل، وهو ليس ظالماً كما يوسوس لنا الشيطان أحياناً دون أن نشعر، لنسير في طريق السخط. لذا.. لتنمو نمواً إيجابياً عليك أن تضع قاعدة للتفكير الإيجابي في عقلك وهي: "ركز على إمكاناتك واشكر ولا تقارن".

سادساً: عندما تمسك تفكيرك وهو يقوم بمقارنة سلبية، غيّر التفكير فوراً وادع للشخص الذي تقارن نفسك به بالخير والبركة من أعماق نفسك، وأن ينفع الله به هذه الأمة، وهذا مهم جداً في إعادة الارتباط الإيجابي بالدماغ، وتوقيف برنامج المقارنة الذي يشتغل بطريقة لا واعية، ولا تنس أن الملائكة ستدعو لك بالمثل، وكلما دعوت للناس بالخير تحررت من برنامج المقارنة، فالدعاء علاج مهم للغاية، ضعه على قائمة أولوياتك.

سابعاً: عندما تمسك تفكيرك بمقارنة مع أحد الأشخاص، اسأل نفسك: هل هناك شيء إيجابي يمكن أن أتعلمه؟ هل هناك عمل أطمح أن أتقدم به؟ اسأل نفسك وأنت تشعر بمشاعر إيجابية اتجاه نفسك واتجاه الشخص الذي تود أن تتعلم منه، فالمشاعر السلبية تقمع عملية التعلم وتؤدي إلى حجب الحكمة عن الدماغ. تذكر أن كل إنسان فريد بقدراته ومشاعره وظروفه، لذا فما يلائمك قد لا يلائم غيرك، والعكس صحيح، فلا ينبغي أن تكون كل ميزة للآخرين هي مجال اهتمام حقيقي لنا، علينا أن نحرر اهتماماتنا من عملية التمني المؤلم أو التقليد غير الواعي.

ثامناً: إن علاج عقلية المقارنة يكمن في التركيز الإيجابي على نفسك وعلى ما تريد، لذا عليك ان تبدأ بالتعرف الحقيقي إلى نفسك، والذي فاتك الكثير منه في الغالب، بسبب ضعف الحرية النفسية في مجتمعاتنا، وكثرة السيطرة والتقبل المشروط بشكل عام، ونحن لا نستطيع أن نلومهم الآن، لأنهم كانوا يعتقدون أن هذا أفضل ما يمكن أن يقدموه لنا لنرتقي، ولم يدركوا الأثار النفسية المرتبطة بهذا الأسلوب، فهذا كان أفضل ما لديهم، والآن آن الأوان للسير على خطة لحل المشكلة التي سببتها لنا تلك الأيام، والتخلص من آثارها السلبية.

تاسعاً: حتى تقوي معرفتك بنفسك، تحتاج أن تخصص كل يوم وقتاً مع نفسك، أقترح أن يكون مساءً قبل النوم، والناس الذين لا يعرفون أنفسهم بشكل جيد يهرعون دوماً إلى الاختلاط بالناس، ويفتقرون لمهارة التأمل الواعي والتوغل في أعماقهم mindfulness، وعلاج ذلك أن يصبروا لتكوين عادة التأمل الذاتي مع أنفسهم، وإليك الأسئلة الأساسية التي ينبغي أن تحدث بها نفسك لمعرفة ذاتك ونموها:

– ما هي الأشياء الجيدة التي قمت بها هذا اليوم؟ وأنت تشكر الله الذي أعانك عليها..
– لو أن هذا اليوم قد عاد من جديد هل ممكن أن أؤديه بطريقة أفضل؟ ماذا كان بإمكاني أن أغيّر؟ تخيل نفسك تقوم بالشيء الآخر الأفضل.. (لتقوية الإيجابية في الدماغ).
– هل هناك شيء يضايقني أو يوترني يحتاج إلى حل؟
– كيف يمكن أن أستمتع أكثر خلال يومي؟
– كيف يمكن أن أحافظ على علاقتي بأهم الناس من حولي؟
– هل أنا أسير بالطريق الذي يرضي الله؟ هل أحتاج أن أعدل؟ أو أتوب من شيء ما؟
– ماذا أريد أن أفعل غداً؟ هل هناك شيء أحبه وأحب أن أنمو به؟
– ما هو مجال اهتمامي الحقيقي؟
– ما خطتي هذا الأسبوع؟
– ما خطتي هذا الشهر؟ هذا الفصل؟ هذا العام؟
– أين أرى نفسي بعد خمس سنوات؟ بعد عشر؟ (سؤال لا يطرح دائماً ولكن يجب أن يطرح)

ربما ستحتاج أن تفتح على هذه الأسئلة من المقال أكثر من مرة في جلساتك الأولى مع نفسك حتى تعتاد على طرحها والتوغل في أعماقك للتعرف الحقيقي إلى نفسك، وستحتاج إلى قراءة المقال عدة مرات إذا قررت أن تسير فعلاً في خطة تحرر بها نفسك من برنامج المقارنة السلبي. إن أسئلة التحدث مع الذات تلك في غاية الأهمية حتى لو تكلفتها بداية؛ ستسعد عند استخدامها بطريقة إيجابية. كلما أمسكت عقلك يتجول في مقارنة الآخرين، أعده إلى القاعدة ودعه يتجول بهذه الأسئلة لتعيد التركيز البنّاء على نفسك، والذي يؤدي إلى النمو والثقة ومعرفة الذات والتصالح معها مع الاستمرار.

عاشراً: تمرين الشكر والتعديل: أنصحك وأنصح نفسي بتكرار هذا التمرين بعد كل صلاة وهو الاستغفار على الأخطاء، وشكر الله على الأشياء الجيدة التي قمت بها بين الصلاة والصلاة، ولا تعتقد أن عليك أن تقوم بعمل خارق لتقدر نفسك، فالإنسان ينمو بتقدير الأعمال الصغيرة التي يقوم بها، فهي تشكل أيامنا ومجمل حياتنا، وإليك بعض الأمثلة على أعمال تستحق الشكر:

الاستيقاظ في الوقت المطلوب، الذهاب إلى الدوام، ابتسامة في وجه الآخرين، الصلاة على وقتها، قيام بعمل مطلوب، مساعدة، بعض التمارين الرياضية، قراءة ورد من القرآن الكريم، صبر على أذى أحد الأشخاص، عطاء أو هدية لأحد، عمل لإسعاد النفس أو الغير، تناول طعام صحي، بر والدين، رحمة بالأخ أو الأخت، قراءة في كتاب، حضور مجلس علم، إحسان إلى الزوج أو الأبناء أو الأصدقاء، استقلالية في الرأي وعدم التبعية في الخطأ، الجلوس مع النفس.. عند اتباع خطوات العلاج أنصحكم بمراجعة الخطوات عدة مرات حتى تصبح عادة عقلية..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.