شعار قسم مدونات

خطر الذكاء الاصطناعي.. هل يمكن أن تتفوق الروبوتات على الإنسان؟

blogs روبوت

على وقع تقدم الثورة التكنولوجية، استيقظ نوع جديد من الذكاء، أكثر دهاءً ومكرًا. في كتاب "حياة 3.0: أن تكون إنساناً في عصر الذكاء الاصطناعي"، يسرد الكاتب ماكس تيغمارك سيناريوهات محتملة ستشهدها البشرية في العصور المقبلة بفعل "قيامة" الذكاء الاصطناعي التي ستغير الإنسان بأساليب يصعب تصديقها ويحتاج استيعابها إلى تشييد مستوى جديد من الخيال العلمي. يدور الكتاب في فلك سؤال جوهري، هل ارتكب الإنسان خطأ فادحاً بحق نفسه حين اخترع الذكاء الاصطناعي؟ يعتبر تيغمارك أن ما يحصل حالياً على مواقع التواصل الاجتماعي نموذج بدائي ومتخلف عمّا ينتظر الإنسان لاحقاً، حيث حولت المواقع، الإنسان إلى فأر تجارب داخل مختبر ذكاء اصطناعي تحكمه خوارزميات تعمل وفق تقنية استلاب العقل.

 

تصدر كتاب تيغمارك لائحة صحيفة "نيويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعاً وحل في المرتبة الأولى. يتألف من ثمانية أقسام تُفصل رؤية مستقبلية لسياقات ستتطور من خلالها الروبوتات والحروب الذكية مقابل تراجع قيمة الذكاء الطبيعي. أسس الكاتب رؤيته المستقبلية انطلاقاً من خبرته العلمية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومن بيانات تاريخية عن صراع الإنسان مع الطبيعة ومع ذكائه. دعم تيغمارك كتابه بمجموعة مؤتمرات أجراها، واستفاض فيها في شرح رؤيته للمستقبل. يشير الكاتب إلى أن تركيبة دماغ الإنسان وسلوكه المدون تاريخياً يكشفان ميوله لإنتاج وسائل تقهره، وهي خاصيات سلوكية بدأ ينقلها عبر بيانات رقمية ويبتكر عبرها أنظمة ذكية ستستفيد من التجربة الإنسانية حين تقرر تحديد أهدافها.

 

يرسم الكاتب صورة لمستقبل سيولد فيه ذكاء اصطناعي عالي الكفاءة، ولا يستبعد أن ينشد هذا الذكاء مشاريع جيدة ولكن بحسب قوله "سنكون في ورطة"، حين لا تتوافق أهدافه مع أهداف الإنسان. إذا ليس مهماً في المستقبل مدى قوته، بقدر ما يهم النظر إلى الوسائل التي سيستخدمها لتنفيذ أهدافه وإبراز قوته بكفاءة عالية سيعجز الإنسان منافستها. في القسم الأول من الكتاب يشرح تيغمارك أهمية قيمة "الهدف" لدى الإنسان، إذ أن ما يميّزه حالياً عن الذكاء الاصطناعي هو أن الأخير لا يدرك آليات تحديد أهداف طويلة الأمد.

  

  

يقول الكتاب أن اختراع "آلة التعلم" أعطت الذكاء الاصطناعي قدرة ابتدائية سيتمكن من خلالها تحديد أهداف جوهرية وستقلب موازين القوى المهيمنة على الأرض في اللحظة التي سيشعر بها الذكاء الاصطناعي بـ “ذاته" ليبحث بعدها عن أصدقائه الذين يمتلكون "ذوات رقمية". يعمل الكتاب فوق منظوريين؛ الأول يعود إلى عشرات آلاف الأعوام، أي حين شهدت الكرة الارضية معركة ذكيّة أنهى خلالها الإنسان الحديث وجود الإنسان القديم، أما المنظور الثاني فيشيّد سيناريوهات ستحصل في المستقبل البعيد.

 

حمل القسم الخامس من الكتاب عنوان "آثار كارثة: عن عشرة آلاف سنة قادمة". رسم ماكس تيغمارك جدولاً يتناول سيناريوهات كثيرة من المرجح حصولها في المستقبل. يوزع تيغمارك كل سيناريو في خانة تقارب حصوله وشكل الحكم الذي سيسوده. السيناريو الأول حمل اسم "يوتوبيا التحرر". سيتواجد ذكاء اصطناعي عظيم يشعر بذاته، وسيحكم الإنسان ويعزله بمناطق خاصة يتم فيها تقنين الموارد الذكية، ولن يشعر الإنسان بالأمان، لأن السوداوية ستطغى عليه، نتيجة عيشه في أماكن منعزلة عن أماكن اقامة الذكاء الاصطناعي والروبوتات وسينتاب الإنسان احساس بأنه أصبح كائناً هجيناً ورديئاً. في "يوتوبيا التحرر" تفتقد الحياة التمايز بين الآلة وبين الإنسان الذي سيقوم بـ "رقمنة" وعيه وتحويل نفسه إلى انسان "السايبورغ" وهو ما لن تحبذه الروبوتات. ويعتبر أبرز المنظرين لهذا السيناريو حاليًا؛ "راي كورزويل" ودعاة انتقال الحكم سلمياً من الإنسان إلى الآلة كالأميركيين زلتان استفان وانتوني ليفندوفسكي.

 

في سيناريو "ديكتاتور الخير" أو "المستبد العادل"، سينشر الذكاء الاصطناعي نظاماً يعمل وفق سياسات صارمة تخدم الانسانية وتوفر الرفاه والاستقرار الجماعي على حساب الأمان الفردي، ذلك أن الذكاء الاصطناعي سيعمل كنظام جبار يقضي على الفقر والأمراض المستعصية والشيخوخة. سيعيش الإنسان حياة البزخ التكنولوجي التي لا تتعارض مع الأمن الاجتماعي وسيصدر الذكاء الاصطناعي أحكاماً بحق المخلين بالقانون، وأبرز النماذج الحالية الممهدة لقيامته "الصين"، التي بدأت تنتج شيوعية رقمية تحكم جميع مواطنيها من خلال الذكاء الاصطناعي.

 

السيناريو الثالث هو "يوتوبيا المساواة". لن يعمل النظام الذكي كأداة رقابية، بل سيوسع مفهوم الحرية الشخصية. ستتحطم كافة المعايير المتعلقة بالخصوصية مع اندثار قيمتها لدى الأفراد. في هذا السيناريو لن تفوز الروبوتات وإنسان "السايبورغ" بمكانة اجتماعية متقدمة على حساب الافراد الذين سيحافظون على طبيعتهم البيولوجية ويرفضون تحويل أجسادهم إلى آلة. وسيعيش الإنسان حالة الإنترنت المفرط "hyper internet"، إذ سينقل أحاسيسه رقمياً للآخرين ويجري اختبارات مشابهة على نفسه انطلاقاً من أحاسيس اختبرها آخرون.

 

ولكن في "يوتوبيا المساواة" سيعيش الإنسان حياة دون أهداف حقيقية ما يعزز لديه نزعة الانتحار. لن يخوض اختبارات علمية كالتي يخوضها في القرن الواحد والعشرين ولن يصل لاكتشافات جديدة لأن قدرات الذكاء الاصطناعي العلمية الريادية في المختبرات ستتجاوز قدرة الإنسان العقلية، وأبرز النماذج الممهدة لقيامة "يوتوبيا المساواة"، هي ظهور "المصدر المفتوح" والطريقة التي تتعامل بها "اليابان" و"الدول الاسكندنافية" مع التكنولوجيا. يفتح "يوتوبيا المساواة" الطريق لقيامة سيناريو "حارس البوابة". فقد صار الإنسان عاجزاً عن منافسة الذكاء الاصطناعي أو انتاج منظومة بديلة. لذلك سيمنع النظام الذكي انتاج أي شيء رديف له، وسيحد من قدرة العلماء ويحظر اجراء اختبارات أو أبحاث قد تعرضه للخطر.

   

  

هنا يأتي سيناريو "حامي آلة الذكاء الاصطناعي"، سيشتغل الذكاء كثيراً على تطوير البعد المادي للإنسان، وسيمنحه قدرات مذهلة لاستشعار المتعة الجنسية بشكل مضاعف عما يشعره حالياً، وسيزيد من سعادة الإنسان الجسدية إلى أقصى حد، بينما سيعمل الذكاء الرقمي كإرادة خفية تتحكم بمصائر البشر حتى أن العديد منهم "سيشك بوجود الذكاء الاصطناعي"، نتيجة الانهماك الشديد بالرغبات الجسدية، ويعد عالم الروبوتات الجنسية مدخلاً سيتطور على أثره هذا السيناريو.

 

أما السيناريو السادس فهو "عبيد الإله". حسب تيغمارك في هذا السيناريو سيتم استعباد الإنسان من قبل الذكاء الاصطناعي في مشهدية شبيهة للمرحلة التي استعبد بها الإنسان الحديث (هوموسيبيان) شعوب النياندرثال (الإنسان القديم). ستنظر الروبوتات والانظمة الرقمية إلى الإنسان على أنه يختلف عنها في طبيعته وتركيبته الجسدية والفكرية، وعلى أنه متخلف ذهنياً، بأسلوب يتماهى مع رؤية الإنسان الحالية للحيوانات وحقها في العيش، ويمهد لحصول هذا السيناريو توفر بيانات رقمية ضخمة توثّق اساءة الإنسان الحالي لمعاملة الحيوانات بالإضافة إلى عالم صناعة اللحوم.  في سيناريو "الغزاة"، سيتصرف الذكاء الاصطناعي مع الإنسان على أنه غازٍ لكوكبه. كائن هجين عاجز عن ترتيب أموره ولا يفقه شيئًا ويحتاج إلى مساعدة رقمية لتطوير حياته، وسيعمل الذكاء على التخلص من الإنسان لأنه يستنزف موارده الذكية، ويمهد لحصول هذا السيناريو انتشار ظاهرة المساعدة الافتراضية كـ "سيري" و"ألكسا".

 

كذلك يفترض تيغمارك حصول سيناريو "حظائر الحيوانات". لكن "لماذا سيعزل الذكاء الاصطناعي البشر في الحظائر وفي محميّات طبيعية؟ يجيب الكاتب: "ستكون تكلفة إنشاء حظائر بشرية ضئيلة وممتعة وسيخصصها للرفاهية". سيرغب الذكاء الاصطناعي "في الاحتفاظ بالقليل من الناس، للأسباب نفسها التي تجعلنا نحافظ على حيوانات الباندا المهددة بالانقراض في الحظائر، وتجعلنا نحافظ على أجهزة الكمبيوتر القديمة في المتاحف، كفضول مسلٍ، إذ نلاحظ أن حدائق الحيوان اليوم مصممة لتحقيق أقصى قدر من السعادة البشرية وليس للحفاظ على الباندا."

  

وفي السيناريوين الاخيرين يرفع الكاتب من قيمة الحملات الاعتراضية التي يخوضها خبراء تكنولوجيين بوجه تيارات التوحش الرقمي. ففي الوقت الذي ينظر البعض إلى رواية جورج أورويل على أنها حكاية عن الرقابة والقمع فإن تيغمارك يرجح حصول سيناريو "1984"، فيتوقع أن تسن قوانين تمنع تطوير الذكاء الاصطناعي بأسلوب متوحش وتمنع إجراء اختبارات تهدد مستقبل الإنسان، ومن الممهدين لحصول هذا السيناريو رئيس شركة "تيسلا" إيلون ماسك الذي شارك قبل سنتين بسن ميثاق "أسيلومر" والذي شارك بصياغة مبادئه أكثر من ألف مستثمر تكنولوجي واعترفت به ولاية كاليفورنيا الأميركية، ويؤمن محللون بأن هذا الميثاق سيكون أساساً لانبثاق قوانين مستقبلية تقيّد صناعة الذكاء الاصطناعي.

 

ويرجح تيغمارك في سيناريو "العودة إلى الأصل" أن تنتشر مجتمعات تشبه جماعة "الأميش" (Amish) الأميركية، فمؤخراً تشكلت مجموعات من حول العالم، ترفض الوسائل التكنولوجية، وتروّج لها شخصيات عملت في المجال التكنولوجي كصانع الواقع المعزز جيرون لانير، والكاتب في صحيفة "الغارديان" مارك بويل الذي يكتب عن التكنولوجيا علماً أنه ترك الوسائل الذكية وانعزل في غابة بريطانية ويراسل الجريدة بوسائل بدائية، ولديه عشرات آلاف المتابعين وأثرت فلسفته على جمهور واسع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.