شعار قسم مدونات

كيف تعاملت الصين مع مذبحة نيوزيلندا؟

blogs جريمة المسجد

كغيرها من الدول الأوروبية والآسيوية أدانت الصين الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة خمسين شخصاً في مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية قبل أسبوعين. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لو كانغ، "إننا نعرب عن تعازينا للضحايا وتعاطفنا الصادق مع العائلات الثكلى والمصابين".

 

يبدو الموقف الصيني في ظاهره متسقاً مع الإدانات الدولية للمجزرة الإرهابية، لكن قراءة بسيطة لطريقة تناول وسائل الإعلام الصينية الرسمية لهذا الموضوع، ومتابعة ما نشر على صدر صفحاتها في أعقاب المجزرة، يشير إلى أمر آخر يتجاوز حدود الإدانة والتعاطف مع الضحايا.

  

عيوب الحضارة الغربية

قالت صحيفة جلوبال تايمز الصينية في افتتاحيتها بعد أيام من الهجوم على المسجدين: إن حوادث إطلاق النار كشفت عن عيوب في الحضارة الغربية، وأضافت أن الغرب يمر في فترة إشكالية تضرب أساسه، مشيرة إلى أن المهاجرين خاصة المسلمين، لا يستطيعون الاندماج في المجتمع الغربي.

 

تحاول بكين ربط ما حدث في نيوزيلندا بما يحدث في إقليم شينجيانغ، والتأكيد على أن بذور الإرهاب لاتزال منتشرة في جميع أنحاء العالم

واعتبرت الصحيفة المملوكة للدولة أن النظام السياسي في الغرب لا يدعم التخطيط الشامل والاستراتيجيات طويلة الأمد المرتبطة بالإدارة السياسية والاجتماعية. وفي ذلك إشارة واضحة إلى النموذج الصيني في التعايش السلمي بين القوميات المختلفة، خصوصاً وأن المكتب الإعلامي التابع لمجلس الوزراء الصيني أصدر بعد أيام قليلة من هجوم كرايست تشيرتش، ورقة بيضاء تدافع عن معاملة الصين للأقليات المسلمة في إقليم شينجيانغ.

 

وجاء في الورقة أن السلطات الصينية اعتقلت نحو ثلاثة عشرة ألف شخص وصفتهم بالإرهابيين منذ عام 2014، وصادرت أكثر من ألفي عبوة ناسفة وعاقبت أكثر من ثلاثمئة ألف شخص في الإقليم خلال الفترة نفسها، بسبب ما وصفته الورقة بأنشطة دينية غير قانونية.

 

جرس الإنذار

أما صحيفة الشعب وهي أيضاً صحيفة حكومية، فقد نشرت مقالاً بعنوان "هل أصبحت دولة الخلافة تاريخاً؟" قالت فيه إنه بالرغم من القضاء على "دولة الخلافة" أو ما يسمى بالدولة الإسلامية، فإن الندبة التي خلفتها لا تزال مؤلمة، ولا يزال جرس الإنذار يرن في عدد من الدول.

 

وأضافت أن عودة المتطرفين إلى بلدانهم بعد تفكيك التنظيم يشكل تهديداً لأمن واستقرار جميع البلدان، وأشارت في معرض حديثها عن هذا الموضوع إلى قصة الطالبة البريطانية شاميما بيجوم، التي سافرت إلى سوريا وهي بعمر 15 عاما وانضمت إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وقالت إن قيام السلطات البريطانية بسحب جنسيتها بعد عودتها إلى وطنها، يشي بالمعضلات الأمنية والقانونية والأخلاقية التي تواجهها الحكومات الأوروبية في التعامل مع مثل هذه القضايا. وختمت مقالها بالقول إن دولة الخلافة هزمت، لكن الوضع الذي يواجه العالم لا يزال قاتماً، ولا يزال أمام العالم طريق طويل لاستئصال التربة التي تولد الإرهاب.

 

ما تقدم يشير إلى محاولة بكين ربط ما حدث في نيوزيلندا بما يحدث في إقليم شينجيانغ، والتأكيد على أن بذور الإرهاب لاتزال منتشرة في جميع أنحاء العالم، وبالتالي فإن حرب الصين على ما يسمى بالإرهاب في شينجيانغ هو جزء من حرب عالمية، وأن التحديات التي تواجهها هي نفسها التي يواجهها الغرب، مع فارق بسيط أن الصين لديها القدرة والحكمة في التعامل مع خلايا الإرهاب النائمة على خلاف الدول الأوروبية التي تفتقر للتخطيط والإدارة الاجتماعية. ويغمز المقال باستخدام مصطلح الإدارة الاجتماعية، إلى مراكز إعادة التأهيل في إقليم شينجيانغ، التي تقول وسائل إعلام غربية إنها معسكرات اعتقال تحتجز فيها السلطات الصينية حوالي مليوني مسلم.

 

هذا الربط بين ظرفين مختلفين يدعو للتساؤل عما إذا كانت الصين تستخدم مذبحة كرايست تشيرتش كأداة دعائية لتشتيت الانتباه وصرف الأنظار عن سياساتها بإقليم شينجيانغ، في ظل تواتر الإدانات الدولية لمعسكرات الاعتقال، وإذا كان لزيارة رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن، المقررة إلى الصين مطلع الأسبوع المقبل، علاقة بهذا الأمر، خصوصاً وأن الصين أول دولة تزورها جاسيندا بعد مذبحة المسجدين، تلبية لدعوة من نظيرها الصيني لي كه تشيانغ. غير أن ما قد يعكر صفو الزيارة، قيام جاسيندا بتوجيه أسئلة للقيادة الصينية عن حقيقة معسكرات الاعتقال وأحوال المسلمين في إقليم شينجيانغ، وذلك استجابة لتوصيات من نشطاء ومؤسسات حقوقية، خصوصاً بعد أن تحولت إلى أيقونة للمتعاطفين مع المسلمين في جميع أرجاء العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.