شعار قسم مدونات

هل ستُوقف إجراءات الطوارئ المد الثوري لشباب السودان؟

blogs السودان

جُبلت البشرية طوال تأريخها على بذل الجهود اللازمة لصناعة ذاتها وبناء مجدها والعمل دوماً على كسر الحواجز والمعيقات التي تمنعها من المضي قدماً في بناء نفسها والتطلع لمستقبل أفضل ولتحقيق ذلك قدمت الأمم الحية كثيراً من التضحيات وصنعت الثورات التي قادت العالم إلى التطور في المجالات المختلفة.

يمثل السودان أيقونة العمل الثوري الشعبي في أفريقيا والشرق الأوسط فهي الدولة الوحيدة التي أخرجت ثوريتين شعبيتين في المنطقة وفي هذه الأيام انتظم الشارع السوداني منذ ما يقرب إلى الثلاث أشهر ثورة شعبية شاملة تطالب بإجراء تغييرات سياسية جذرية للنظام السياسي القائم شعارها "تسقط بس" يمثل فئة الشباب الدينمو المحرك واللاعب الرئيس لهذه الثورة التي لم يكن يتوقعها أحد أن تحوى هذا القطاع الواسع من الشعب و تتحول إلى حالة نفسية واجتماعية للمواطن السوداني.

يتطلع شباب السودان اليوم لبناء دولة قوية مهيبة ذات رؤية وطنية خالصة وأجندات واضحة في محيطيها العربي والإفريقي بعيداً عن سياسات المحاور والأحلاف

تختلف هذه الثورة عن ما قبلها من ثورتي أبريل 1985 وأكتوبر 1964 والتي كانت تُعبر عن نخبة المجتمع السوداني وقتئذٍ، اختلاف هذه الثورة تكمن في أنها بدأت من الهامش إلى المركز ومن عامة الشعب إلى نخبتها السياسية وفئاتها الصفوبة. منذ اندلاع الحراك الجماهيري تعاملت معها القوى السياسية على أسس مختلفة وذلك حسب قربها وبعدها عن الشارع السوداني ومشكلاته، إذ ظهرت تصريحات القادة الحكوميين وبعض القوى السياسية المتحالفة معها بصورة استفزت الشباب وأغضبهم أكثر وذلك على سبيل إنكارهم للحراك في بادئ الامر ومن ثم تخوينهم واتهامهم بالتخريب وأنهم إذ يفعلون ذلك إنما يفعلونه لخدمة مصالح وأجندات أجنبية وغيرها من الأوصاف التي تنكر أصل المشكلة وفي المقابل كان الخطاب السياسي لتجمع المهنيين والقوى الموقعة معها على إعلان الحرية والتغيير أكثر مسايرة لتطلعات الشارع وبذلك كسب ثقة الشباب.

معظم الشباب الذي يقود التظاهرات الآن غير منتمي سياسياً أو مرتبطة أيدولوجياً وفي ذات الوقت يتمتع بوعي سياسي ربما أكثر من قادة العمل السياسي نفسهم وهذا ما جعلهم يتجاوزون كل المرارات التاريخية والتناقضات الاجتماعية والفوارق الطبقية فكان الشعار المطروح "حرية، سلام وعدالة" والذي يأملون من خلاله إلى العبور إلى النظام الديمقراطي العادل الذي يراعي حريات الفرد وسلام المجتمع وعدالة القانون دون محاباة لحزب أو فئة على حساب آخر.

كثيرون من المتابعين للشأن السوداني بدأوا بمقارنات وربطوا ما يحدث الآن لثورات الربيع العربي وأن هذه الثورة تأخرت كثيراً، فكانت الإجابة لبعض المحللين السودانيين أن هذه الثورة لم تتأخر عن الربيع العربي بسبب أن الواقع السوداني استثنائي وأن شباب السودان انطلقوا من واقع محفزاتهم الداخلية. إذا أردنا إجراء عملية تقييم لثورات الربيع العربي لخلصنا إلى أنها لم تنجح إلا في تونس لأنها انطلقت من واقع مشكلاتها الداخلية واستمدت قوتها من واقعها الاجتماعي، أما الأخريات جاءت كردة فعل لما حدث في تونس لذلك لم تنضج بالقدر الكافي.

في الواقع السوداني كان هناك خطاب يحذر من مصير ما آلت إليه الأوضاع في دول الربيع العربي كالنموذج السوري واليمني والجوار الليبي والمصري ويمكن الرد على ذلك أن الذاكرة السياسية السودانية تحمل بين طياتها من الوعي ما يكفي لتجاوز النهر إلى الضفة الأخرى، وما عاشه السوداني في واقعه السياسي والأمني أسوأ من ما يحدث في هذه الدول إذ أن هذه الدول ورغم ما بها من حروب لم تصل لمرحلة انفصال جزء منها أو عاشت واقع الحروب على غرار دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان.

يتطلع شباب السودان اليوم لبناء دولة قوية مهيبة ذات رؤية وطنية خالصة وأجندات واضحة في محيطيها العربي والإفريقي بعيداً عن سياسات المحاور والأحلاف. بعد ما اشتدت التظاهرات في مختلف المدن والمناطق السودانية أقدم الرئيس السوداني عمر البشير على إجراء عدة تدابير للخروج من هذه الأزمة والتي من بينها حل حكومة الوفاق الوطني وحكومات الولايات وتكوين حكومة عسكرية وإعلان حالة الطوارئ من أجل إيقاف حركة الشارع ربما.

يعتقد الكثيرون أن هذه الإجراءات لن توقف الشارع السوداني وربما تتسبب في تأجيجه أكثر، إذ لم يعد الشارع يثق في الحلول التي تأتيها من الحكومة ويبحث عن تغيير شامل لبنية الدولة. الشاهد أن الشارع هو من يقود دفة العمل السياسي والاقتصادي في السودان وهو من بيده الفعل وتركت للحكومة وشركائها ردة الفعل، وقامت الحكومة برمي كل أوراقها السياسية والقانونية والأمنية والشارع لم يستخدم إلا سلاح واحد من أسلحته المتعددة والمتمثلة في التظاهرات وهناك العديد من الأسلحة كالعصيان وغير ذلك، ستشهد الفترة القادمة مزيد من التصعيد والتصعيد المضاد وستكون الغلبة للفئة الأكثر قدرة على الصمود.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.