شعار قسم مدونات

الرئيس بو تفليقة في ذمة التاريخ

مدونات - بوتفليقة

بوتفليقة صاحب الـ80 سنة والذي أصيب بعجز تام في السنوات الأخيرة كما هو معروف لدى العالم وليس الجزائريين فقط، والذي تظهر صورته في اللقاءات الرسمية في إطار خشبي أقرب "إلى رسم كاريكاتوري يلخص وضع البلاد" بحيث لم يتحدث مع الشعب منذ مدة طويلة، حتى أنه لم يظهر للإعلان عن ترشحه، والذي من المفروض أن لا يترأس الجزائر بسبب مرضه، غير أن الأحزاب الموالية للنظام، تؤكد قدرته التامة على استلام زمام الأمور وقيادة الجزائر.

 

وقد عبر عن هذه المهزلة المتحدث الإعلامي ل(حزب البناء الوطني الجزائري) "كمال قرابة" قائلا (الرئيس الذي اختزل في صورة بإطار من خشب، ذكرني بآلهة قريش، التي إن جاء صاحبها أكلها، وإن برد أشعلها ليدفأ، بؤساء نحن والوجع بلغ مداه)، كما أفاض الجميع في ذلك، وتعدى الأمر المظاهرات المتكررة من قبل الشعب الجزائري والمناضلين والمحللين وقادة الحرب العرب إلى أطباء الأمراض النفسية وعلماء الاجتماع وصحفيو القنوات الفضائية العربية، فوضع الجميع أيديهم على مكمن الجرح الذي استنزف أعمارنا وأتلف القدر الأكبر من ثرواتنا وأدخلنا جميعا كجزائريين في مآزق كنا ولا نزال في غنى عنها، إنه السبب الأول المحرك لهذه الدورة من الشرور، ظاهرة "الحاكم الأوحد" "القائد"، "الملهم"، "المنقذ من الضلال"، وغير ذلك من الصفات التي تبارى الكثير من الكتاب العرب في تدبيجها وصياغتها.

 

السلطة اهتمت كثيرا بتوفير التعليم للجميع دون مراعاة لجودة التعليم ولاحتياجات السوق من التخصصات المختلفة وهذا الأمر حوّل الجامعات إلى مدارس ثانوية من الدرجة الثالثة

أتساءل أحيانا: ماذا يريد أصحاب السلطة المرفوظة منا ولماذا لا يتركوننا نحيا؟ لماذا يصحون كل يوم من نومهم ليجعلوا الحياة أعقد ويتأكدوا من أننا نزلنا طبقة في السلم الاجتماعي؟ لماذا لا يكتفون ويرحلون بما سرقوه إلى جزر "الكاريبي"، ليعيشوا كالملوك، ويتركوننا نحيا بما تبقى في هذا البلد؟ وما الفارق بين أن تكون ثروة الواحد منهم 20 مليارًا وأن تكون 21 مليارًا؟

 

هم فقط يريدون أن يعتصروا الليمونة حتى آخر قطرة، ولن يركبوا الطائرات المتجهة إلى سويسرا قبل أن يتأكدوا من أن آخر موظف قد صار حافيًا وآخر طفل قد مات بسوء التغذية أو متجمدا من البرد، ربما يظهر واحد منهم في التلفزيون السويسري ليتنهد ويقول: "توحشتك بلادي ". وأي اشتياق لبلد لا تُسد فيه حفرة امتصاصية إلا إذا تسببت أولاً في موت أحدهم، ولا يُرمَّم جسر ولا سور إلا إذا وقع أولا على رأس أحدهم، ولا تُثار أي قضية فساد إلا إذا قدمنا في سبيل اثارتها حياة أحدهم.

 

يذكرني هذا الأمر بطقس غريب عند بعض الشعوب البدائية، حيث يقومون باختيار أجمل طفل أو طفلة لديهم ثم يلقونه كأضحية ثمينة في مجرى النهر الثائر اعتقادا منهم أن النهر هكذا سيهدأ ويزول خطر فيضانه…ففي بلدي الحبيب الجزائر حولت السلطة الحاكم الذي لا قدرة له حتى على أن يكون حاكما إلى نصف إله -أو إله كامل- وجعلت من الرعية عبيدا له، ونرى الوضع مجسدا بوضوح في حياتنا الإجتماعية والسياسية.

  

فالسلطة اهتمت كثيرا بتوفير التعليم للجميع دون مراعاة لجودة التعليم ولاحتياجات السوق من التخصصات المختلفة وهذا الأمر حوّل الجامعات إلى مدارس ثانوية من الدرجة الثالثة وأدى ذلك إلى إنتشار البطالة بين خريجي الجامعات، فلا يعقل أن يتقدم حوالي2000خريج جامعي لمسابقة تشمل 100منصب أو أقل من ذلك، وفي كثير من الأحيان تتدخل الوساطة والمحسوبية للحسم في قائمة الناجحين.

 

والتوظيف بهذه الطريقة أصبح مدخلا للفساد لأنه يحرم أصحاب الكفاءات من الحصول على شغل المناصب التي يستحقونها، في نفس الوقت يعطي هذه المناصب لأفراد لا يملكون المؤهلات والخبرات الكافية لشغلها، وبالتالي ضعف أداء المؤسسات الحكومية وانتشار الفساد المالي والإداري فيها، وهذا أيضا ما أنتج مشاكل أخرى كالبطالة المقنعة مثلما هو الحال بالنسبة لفئة عمال عقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية التي لا تخضع لحقوق واضحة وبأجور زهيدة جدا.

 

وحتى الفئة البسيطة في تعليمها والتي تعاني من أجل الحصول على الحد الأدنى من المعيشة يتعامل معها النظام بقسوة، بحيث تقوم أجهزة الأمن التابعة لها بمطاردة الباعة الجائلين ومصادرة مصدر رزقهم الوحيد، المتمثل في عربة لبيع الخضار أو بيع المأكولات الشعبية أو بيع الملابس، بدل أن توفر لهم أماكن بديلة يمارسون فيها عملا يكفل لأسرتهم حياة كريمة.

 

ذلك لأن مناصب العمل الدائمة ينتفع بها عدد قليل جدا من أصحاب المصالح المرتبطين بالنظام الحاكم، ويحصل هؤلاء أيضا على أراض بالمجان وقروض وتسهيلات من البنوك وبدون ضمانات، كما تتمتع المشروعات الترفيهية التي يقيمونها بإعفاءات ضريبية وجمركية، وفي المقابل لا يحصل المواطن البسيط على شئ من هذه المزايا لإقامة مشروعات انتاجية هادفة إلا بالقرعة أو المزادات وبقيود وضرائب سدادها مستحيل.

 

فكيف بهذه الظروف أن يتحمل شبابنا مصاريف الزواج الباهظة والمسؤوليات المترتبة عنه، وإضافة إلى مشكلة السكن التي لم تعرف طريقها للحل، نظرا لانتشار العشوائيات كمناطق محرومة من أبسط الخدمات ومتاخمة للأحياء الراقية، وهو منظر يعكس تجاور البؤس والحرمان مع الرفاهية، وكان ذلك السبب المباشر في انتشار جملة من المشاكل الإجتماعية الأخرى مثل العلاقات غير الشرعية، وبالتالي ارتفاع نسبة العنوسة ارتفاعا رهيبا مما يشكل خطرا على الاستقرار النفسي والعاطفي.

 

وفي ظل هذا الوضع الكارثي وجدت الجريمة انتشارا مخيفا، والتي تتنوع بين مخالفة القانون والاغتصاب والدعارة والنصب والاحتيال والتهريب عبر الحدود، دون أن ننسى الإشارة إلى ظاهرة اختطاف الأطفال للاعتداء عليهم وقتلهم، وكل هذا بسبب تعاطي المخدرات التي تدفع شباب في مقتبل أعمارهم لقضاء حياتهم في السجون، أو تدفعهم إلى الانهيار والإقدام على الإجرام في حق الذات إما حرقا أو رميا بأنفسهم من أعالي الجسور احتجاجا على أوضاعهم المأساوية.

 

الديمقراطية تجربة مثل العديد من التجارب البشرية تبدأ متعثرة ومملوءة بالأخطاء، ثم ما تلبث أن تصحح نفسها بنفسها، وعلينا ألا ننسى أننا سوف نبدأ في كثير من الأحيان من الصفر تقريبا

وكحل أخير وأقل ضررا أحيانا يقدم الشباب على الهجرة إلى غير رجعة، سواء بالالتحاق بالمعاهد الأوربية أو الهجرة بطريقة سرية هربا من أوضاع مزرية، نقرأ شعاراتها على جدران العمارات والمؤسسات العمومية والتي تحمل الكثير من دلالات البؤس والإحباط، فكانت "الحرقة" التي أحرقت قلوب الكثير من الأمهات وفلذات أكبادهن، غادروا أحياء في قوارب الموت ليعودوا بعد أيام جثثا هامدة.

 

إن دولتنا الجزائر تمتلك ثروات طبيعية هائلة بامكانها أن توفر الرفاهية لجميع أفراد مجتمعها، الذي يعاني من غياب العدالة في توزيع الثروات والتي يحتكرها النظام الذي يمثل 5 بالمئة فقط من السكان في العالم العربي لكن يمتلكون 80 بالمئة من ثروات البلاد، وللأسف نحن لا نرى هذه الثروات واحتياطات صرفها الملياري بالدولار سوى في إقامة حفلات الرقص والغناء، تحت غطاء الثقافة والتي تنفق من أموال الخزينة على احتفاليات بمثابة تبييض للأموال من طرف جهات فاسدة.

 

وحتى في حالة سلمنا بالنزاهة الإدارية وغياب الفساد فستستفيد من هذه الأموال فرق ومغنون منافقون من خارج البلاد، يقومون بعروض تجميعية فرجوية تخلق هستيريا جماعية من شأنها أن تعمق الإحساس بالاغتراب وتزيد من الانفصام النفسي، حيث يجد الشاب نفسه ممزقا بين هالة احتفالية مبهرة وواقع معيشي بائس…كل هذا في الوقت الذي تكون فيه البلاد أحوج ما تكون إلى ترشيد النفقات وتعزيز مسار التنمية، ودعم البحث العلمي.

 

نحن هنا لا نشعر بانتمائنا الوطني ولا نشعر بحقوقنا كبشر، ولا بحرية تعبيرنا إلا عبر هذه الشبكة العنكبوتية كبديل للإعلام الرسمي والموالي للحكومة، فشبابنا صار يرفع فيديوهات على اليوتيوب من موقع الحدث بكل التفاصيل مع انتشار الناشطين والمدونين المهتمين بالقضايا السياسية والاجتماعية وشؤون الشعب، في محاولة لتحسين واقعه والدفاع عن حقوقه، فالأمر يتطلب الاعتراف بوجود مشاكل مع نية صادقة في حلها.

 

إن الديمقراطية تجربة مثل العديد من التجارب البشرية تبدأ متعثرة ومملوءة بالأخطاء، ثم ما تلبث أن تصحح نفسها بنفسها، وعلينا ألا ننسى أننا سوف نبدأ في كثير من الأحيان من الصفر تقريبا، لدي يجب أن نحتفي بأي خطوة حتى لو كانت عرجاء، كما علينا أن نواظب على هذا الوعي الجماهيري المحنك سياسيا ونستمر في إعلاء كلمة الحق لا غير، بعيدا عن أي مساهمة في التدخل الخارجي بعدم تعبيد الطريق لأي فتنة أن تتفشى بيننا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.