شعار قسم مدونات

ساحات المعارك ضد الظلم ليست ساحات للاختلاف الفكري

blogs ثورة

كلما نظرت إلى أمة العرب والإسلام في سنواتها القليلة الماضية ستشعر بالألم وبالحسرة عندما تجد في تاريخ هذه الأمة من علو شأن وكرامة وريادة بين الحضارات والأمم، فرقهم مفسدون خائنون بمعاونتهم للأعداء الأمة ووضعوا حدودا بينهم فمنعوا التلاحم فينا بينهم وتلاقي الثقافات ومشاركة الأفراح والهموم بين كل أفراد الأمة فعندها كنت تجد أن يظهر قائد من بلاد ما وراء النهر ينقذ مصر والشام من خطر المغول وتجد قائد من بلاد الكرد ينقذ القدس والشام من الحملات الصليبية وتجد قائد شاب يهرب من قتال الأخوة ليصل إلى الأندلس فتجده يلملم شملها ويجعلها منارة للعلم والازدهار ويقدمها كحضارة من أروع الحضارات كما هي بغداد والقاهرة ودمشق.

والأكثر إيلاما عندما تجد تلك الحدود قد وضعت في القطر الواحد فتجد أن حكاما مفسدون قد زرعوا في نفوس العامة حدودا نفسية بينهم وبين إخوتهم من نفس القطر فتجدهم غير متقبلين بعضهم البعض حتى إذا جاءهم الخطر تركوه يأتيهم وتمسكوا بالتناحر فيما بينهم على اختلافات فكرية مكان وتوقيت عرضها من المفترض أن لا يكون في حالات وجود خطر واستبداد عليهم.
 

سيستمر الاستبداد طالما من يعارضونه متنازعون فيما بينهم ولا يمتلكون من الحكمة ما يجعلهم يتصدون معا للاستبداد المسلط عليهم جميعا وما يمنعهم في الاصطفاف نزعة الأنا في نفوسهم

عندما يقرأ أحدهما هذه البداية سيشعر بالملل ويتلفظ ما هذا الكلام الإنشائي الحالم أين الفكرة؟! واين الحل؟! الكثير طالما تحدث عن ذلك ولم يغير شيء من واقعنا قيد أنملة، اتفق مع هذا ولكن كيف يكون التأثير وأنت عندما تقرأ لا تتفكر ولا تتسأل عن دور الفرد في تعديل حالة المهانة والذل التي نحياها، حيث أن فرد واعي مدرك يستطيع ان يغذي تلك الحقائق في ولو القليل ممن حوله إلى أن نجد من أحدهم من يقودنا إلى طرق استعادة الكرامة والعزة من جديد.

حالات التحرر من الظلم والاستبداد تبدأ من الإيمان بأن ساحات المعارك ضد المستبدين لا تصلح لتداول الاختلافات الفكرية والأيديولوجية بين المعارضين للاستبداد حيث أن معركتهم للظلم هي نقطة البداية للسعي لوضع نظام للتنافس فيما بينهم الذي يخدم المصلحة العليا للبلاد، فإن رأيت في تلك المعركة من يصر علي وضع الخلافات وتحريكها في ساحات المعركة إنما هو مرتزق أو صاحب مصلحة فردية وليس بالفرد الحكيم الذي يجب استبعاده عن تلك المعركة ولا يقبل منه رأي مهما كان يحمل من الصواب؟!

نحن أجيال لم تجد من يربي عقولها للتعامل مع تلك الأزمات حيث اننا منذ عقود وهناك أنظمة فاسدة وخائنة تسعي لزرع كل ما هو لا قيمة له في عقولنا عن طريق ما يسمونه الفن والثقافات العامة، حتى أصبحوا يتحكمون في أنواع الثقافات المكتسبة من المجتمعات الخارجية فجاؤوا بكل ما يجعل الفرد عبارة عم دمية يتحكمون بها طبقا لرغباتهم، وإذا انحرف منهم أحد عن المسار المحدد له كان عقابه يكون شديدا، فالتحرر هو أن تتحرر من تلك الملوثات التي شبعوا عقولنا منها.

حتما سيستمر الاستبداد طالما من يعارضونه متنازعون فيما بينهم ولا يمتلكون من الحكمة ما يجعلهم يتصدون معا للاستبداد المسلط عليهم جميعا وما يمنعهم في الاصطفاف نزعة الأنا في نفوسهم، ويتركون من يشفي من هذا المرض بين سندان ومطرقة الظالم وآهاته من المفترض أن تجعلهم أكثر حكمة وأكثر إصرارا على الانتصار ضد الظلم. 

لا تراني صاحب أيديولوجية إسلامية أو علمانية، ولا تذكرني بمعتقدي الذي هو مختلف مع معتقدك ونحن جميعا بين مطرقة وسندان الاستبداد، ولكن أذكرني هنا بأني فرد يري بأن عليه واجب ديني وإنساني يجعله لا يقبل الظلم لمن يحمل نفس معتقده أو لا، نعم سنظل مختلفين دائما ولكن يجب عليك أن تختار بأي شكل وفي وقت سنختلف؟! لا أريد إقصاءك بل أريد فقط أن تقبل هدنة لوقف الخلاقات على أمور لا نملك من تطبيقها شيء طالما يحكمنا ظالم، ومن يختار بأي طريق ستجري الأمور فيما بعد هو الشعب الذي يتلقى وله الخيار الأخير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.