شعار قسم مدونات

فنزويلا بين نظرية المؤامرة وفشل نظامها

blogs فنزويلا

فشل نظام نيكولاس مادورو في إدارة البلاد أدى إلى أزمة سياسية خانقة وانهيار اقتصادي انعكس سلبا على السلم الاجتماعي وفعالية مؤسسات الدولة؛ حيث أن اتهام الرئيس الفنزويلي للولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على قلب نظامه، ومحاولة استيلائها على ثروات بلاده؛ هو محاولة يائسة لتهرب نظامه من مسؤوليته في إيصال البلاد لهذا الوضع المزرى، والعمل على جعلها لقمة سائغة للدول الطامعة في خيراتها. 

لا أخلاق في عالم السياسية، ولهذا فإنه من الطبيعي أن تكون لأي دولة قوية كالولايات المتحدة أطماع خارج حدودها، لأن بسط دولة قوية سيطرتها على دولة ضعيفة سيأدي إلى مصادرة خيرات الدولة الضعيفة الاقتصادية والتأثير على حياتها الثقافية؛ ويوسع من دائرة نفوذ الدولة القوية في المحافل الدولية ويعزز من قدرتها على توجيه القرارات الدولية لصالحها، ويضيف إلى خزائنها ثروات ترفع من مستوى رفاهيتها وازدهارها.

على الرغم من أن فنزويلا تصدر النفط منذ عام 1914 وتمتلك أكبر مخزون نفط في العالم إلا أنها فشلت في استثمار هذه الثروات الهائلة لإقامة نظام ديموقراطي يعمل على إحداث ثورة اقتصادية، وسياسية

تعمل الولايات المتحدة على بسط نفوذها بالقوة في بعض الحالات على دول ضعيفة، أو من خلال استقطاب شريحة سياسية تبحث عن دعم مالي وسياسي لتغيير نظام الحكم في بلادها؛ مقابل تنازلها عن جزء من ثروات أوطانها في صفقات تجارية وسياسية تحولها إلى دول تابعة. كان ذلك جليا في الحالة الفنزويلية بعد إقدام أمريكا على دعم خوان غوايدو كرئيس شرعي تودد لها من أجل دعم انقلابه على نظام نيكولاس مادورو.

مرت فنزويلا بالعديد من الانتكاسات التي أدت إلى حالة الانهيار التي تعيشها اليوم؛ فقبل عام 1952 عانت البلاد من الانقلابات والدكتاتوريات العسكرية، وفي 1952 أقيم فيها نظاما ديموقراطيا على أساس حزبين؛ تبادل كل منهما حكم البلاد لأكثر من أربعين عاما وفشلا في محاربة حالة الفساد والقمع التي كانت سائدتا في البلاد قبل وصول الديموقراطية، مما أدى إلى انتشار الفقر وشح الخدمات الأساسية كالكهرباء ومياه الشرب والمرافق الصحية. 

في عام 1998 وصل هوغو تشافيز إلى السلطة عن طريق الانتخابات كمرشح واعدا أنه سيعمل على إنعاش اقتصاد البلاد واحترام مؤسسات الدولة؛ لكن ما قام به هو انشاء نظام اشتراكي سيطر من خلاله على الكونغرس، والمحكمة العليا، وسرح الألوف من الكفاءات البشرية الغير موالين له مما قوض عمل وفعالية مؤسسات الدولة. 

كذلك قام تشافيز بمصادرة او تأميم العديد من الشركات ليصل عدد الشركات الخاصة في 2011 إلى 9000 مقارنة بـ14000 عام 1998 مما أدى الى هروب الاستثمارات الأجنبية و العديد من الشركات الفنزويلية إلى دول لاتينية مجاورة، كما حول بلاده للاعتماد كليا على صادرات النفط لتصل إلى 96 بالمئة من الصادرات بحلول عام 2011؛ بعد أن كانت الصادرات تمثل 77 بالمئة عام 1998؛ مما أدى إلى انهيار شبه كامل لاقتصاد البلاد بسبب انخفاض سعر النفط، وبحسب صحيفة "The Guardian" البريطانية قام هوغو تشافيز بتسريح 18000 موظف من أكبر شركة منتجة للنفط في البلاد والمعروفة باسم "PDVSA" واستبدلهم بـ80000 موظف من المواليين لنظامه.

في عام 2013 تولى نيكولاس مادورو السلطة بعد وفاة تشافيز؛ حيث سار على نفس نهج سلفه في تطبيق النظام الاشتراكي الذي أدى إلى أزمة سياسية واقتصادية خانقة؛ كانت نتيجتها تدخل عدة قوى في الشأن الداخلي للبلاد طمعا في ثرواتها، ومغادرة 3.2 مليون فنزويلي بلادهم إلى دول مجاورة هربا من القمع والفقر المدقع الذي وصل إلى 87 بالمئة؛ حيث تنبأ صندوق النقد الدولي في منتصف 2018 أن التضخم في فنزويلا سيصل إلى مليون بالمائة. 

على الرغم من أن فنزويلا تصدر النفط منذ عام 1914 وتمتلك أكبر مخزون نفط في العالم يقدر بنحو 298 مليار برميل، وتمتلك العديد من الموارد الطبيعية الأخرى كالذهب والالماس والحديد والنفط الرملي؛ إلا أنها فشلت في استثمار هذه الثروات الهائلة لإقامة نظام ديموقراطي يعمل على إحداث ثورة اقتصادية، وسياسية، وثقافية تحول البلاد إلى واحة من الرخاء والازدهار. فالأنظمة الاشتراكية أو الشيوعية أو البعثية أو الماركسية هي أنظمة شمولية تمثل السياسة لقادتها جسرا للقوة والثراء، ولذا فان الفشل والسقوط هو المآل المحتوم لهذه الأنظمة. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.