شعار قسم مدونات

هل يتحرك العرب بعد ضم ترامب الجولان إلى إسرائيل؟

blogs الجولان

ماذا بقي للعرب؟ دول بأكملها انهارت، ودول بعينها تعيش اضطرابات وصراعات، وشباب عربي تائه وسط هذه الصراعات، بين متطرف لا يعرف إلا قطع الرؤوس، وغير مبال بما يحدث حوله وقليل من يهتم بأمر شعبه ومصلحة بلاده وهم القوة النافذة في كل مجتمع يمثلون الأمة العربية التي تمزق شملها وضاعت هيبتها وانمحت قوتها وتأثيرها رغم أنها تملك ما لا يملكه غيرها، من ثروات طبيعية وبشرية هائلة، ماذا بقي للعرب أن يقولوه للعالم بعد القرار الجائر الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضم هضبة الجولان السورية إلى إسرائيل وهو يمثل خدمة مجانية لصديقه الوفي بنيامين نتنياهو الذي ذهب إلى أمريكا خصيصا لحضور التوقيع على وعد ترامب.

لكن هذا القرار الذي رفضته جميع الدول في مجلس الأمن بعد جلسة خاصة عقدت بناء على طلب من سوريا يصبح غير سار وغير قانوني بحسب جميع الدول التي رفضته وبالتالي فإن أي تحرك من جانب إسرائيل لتفعيل القرار الترامبي يعد باطلا ولا أساس قانوني له، بل إنه سيستفز سوريا في المقام الأول وجميع العرب الذين يرفضون هذا الأمر جملة وتفصيلا، غير أنه من الواجب على العرب أن لا يقتصر رفضهم على مطالبات وتنديدات وخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع بل عليهم التحرك على كل الجبهات لإيقاف القرار الأمريكي الخاص بهضبة الجولان وكذلك القرار الأمريكي الخاص بالقدس الشريف.

نعيش عصرا قوي فيه الاهتمام بالأنا، وكثر فيه الطمع والجشع، وانتصرت فيه المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، فعم الفساد كل الأمكنة ونخر دولا بأكملها، وسمح المرء لنفسه أن تعتدي على الوطن

وهذا هو دور جامعة الدول العربية في حقيقة الأمر، حيث ينبغي على الجامعة أن تعمل بجد لإحضار ملف خاص بالقدس وملف خاص بهضبة الجولان والدفاع عن مقدساتنا الإسلامية وأراضينا العربية وإظهار الجدية التامة في المطالبة وإشعار أمريكا أن ما أقدمت عليه يعد تعديا على الحقوق العربية وتدخلا سافرا في شؤون دولة ذات سيادة وخرقا واضحا لقرارات الأمم المتحدة، ويمكن لجامعة الدول العربية أن تقدم احتجاجا رسميا وتستدعي سفراء أمريكا في الدول العربية لتقديم بيان رسمي يبين فيه فساد القرار الأمريكي والعمل على إلغائه بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وروسيا، وغير من الكيانات والدول الرافضة لهاذين القرارين.

أما إذا توانت عن أداء مهمتها كجامعة تجمع الدول العربية وتدافع عن الحق العربي بكل قوة بفعل الصراع العربي العربي أو الخلافات الحادة بين الدول العربية وشغور كرسي سوريا فيها فإنها تصبح كالرجل المريض السقيم، وسقمها مؤثر هذه المرة لا يرجى برؤه بسرعة، حيث زادت الأسقام في الفترة الأخيرة وبدا دور العرب خافتا جدا يكاد يضمحل من المشهد العالمي، لكن الغريب أن الشعوب العربية تراجع دورها في الفترة الأخيرة ولم تعد تبالي بالوحدة العربية والقوة العربية، حيث كانت أغنية " وين الملايين وين الشعب العربي وين" تلهم حماس العرب شرقا وجنوبا، شبابا وكهولا، رجالا ونساء، وكانت خطابات جمال عبد الناصر تدوّي في أذنيْ كل عربي، وكانت منابر حسن البنا تشعل القلوب العربية مروءة وشهامة ورجولة، كل ذلك ذبل وانتهى اليوم.

نعيش عصرا قوي فيه الاهتمام بالأنا، وكثر فيه الطمع والجشع، وانتصرت فيه المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، فعم الفساد كل الأمكنة ونخر دولا بأكملها، وسمح المرء لنفسه أن تعتدي على الوطن، ومصلحة الوطن ومقدرات الوطن، فانتهى الحلم العربي ودُفن ولكن لا أقول للأبد ربما يأتي يوم من يوقد شمعة الأمل فتنير الدرب لحاملي الرايات النظيفة وهموم الأوطان البريئة، فيفرح كل مهموم وكل مغموم وكل مظلوم وكل ملهوف وكل مكلوم وكل مقهور، وينشأ من أصلابنا من يدافع عن قضايانا بكل قوّة ولا يخاف لومة لائم.

إن العرب اليوم في وضع لا يحسدون عليه، تمزّقٌ من الداخل، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ونهشٌ من الخارج، يستنزف الثروات ويبيع الأوطان ويقتل الإبداع والمبدعين والعلماء والمبتكرين، ويلهي الشباب ذكورا وإناثا، ويفكّك الأسر التي تبني المجتمعات، ويجرح القيم والمبادئ والأخلاق، ويقضي على كل مقاومة أينعت في البلاد العربية وأرادت العزة والكرامة.

ماذا بقي للعرب أن يقولوا عن أرادوا وقت الانهيار التام، وبلادهم العربية تنهار الواحدة تلو الأخرى، بل مستعمرهم يهديها لغير مستحقها وأمام أعينهم، وهم يندّدون فقط، ويطالبون فقط، ولا يجرؤون على فكّها بالقوّة والقانون، متى تكون للعرب عزّتهم، متى نرى وحدتهم، متى نشعر أنهم أقوياء في وجه الطغمة الامبريالية الأمريكية والعنصرية الصهيونية التي احتلت البلاد طولا وعرضا بغير حساب، في وقت ظن العرب وإن بعض الظن إثم، أن إسرائيل تجاملهم وأن أمريكا تصادقهم، ألم يعلموا أن إسرائيل تستغل ضعفهم ووهنهم، وأن أمريكا تقايضهم بالذي هو أدنى وتستنقص من مروءتهم.

ماذا بقي للعرب من مروءة وشهامة؟ ماذا بقي للعرب من أراض مقدسة غير محتلة؟ ماذا بقي للعرب من نخوة وحميّة؟ هل وصل العربي إلى هذا الحد من الدناءة والوضاعة؟ فإن كان الجواب نعم فإنه يستحق العقوبة، وعقوبته تأتيه من الذين يظن أنهم أصدقاء له وقد ذكر له الكتاب المقدس أنهم أعداء يخفون مالا يظهرون، وإن كان الجواب لا، فماذا ينتظرون أن يعلنوا الوحدة العربية، في إطار من الأخوة والتعاون المثمر، ونبذ الصراعات الداخلية وتنحّيها جانبا، والتفكير جديا بما يصلح الشعوب العربية ويكفل عزتهم ومجدهم ونصرهم وقوتهم.

صدقوني لو حصل هذا سيهاب منا ترامب ونتنياهو، ولن تقوم لهما قائمة، ليس الإرهاب فقط أن يحمل الإنسان سلاحا ويقتل الأبرياء بل إن احتلال الأرض واغتصابها دون موجب حق أو قانون هو الإرهاب بعينه، وتجويع شعب وخنقه اقتصاديا هو الإرهاب بكل تفاصيله، فقد يقتل الإرهابي الذي يحمل السلاح خمسين أو مائة شخص ولكن الإرهابي الذي يصدر قرارا باحتلال أرض أو عقوبات اقتصادية قد يقتل شعبا بأكمله، فانظروا إلى ما يحدث في اليمن وفي غزة وفي غيرهما من بلادنا العربية والإسلامية.

فالإرهاب له صور كثيرة ويمارس حتى من الدول الغنية على الدول الفقيرة، من خلال ما تقرره الدول العظمى بزعم الدفاع عن إسرائيل وزعم أن العالم قد تغير، ولا بد من إجراءات جديدة توقظ الضمير وتبعد شبح الإرهاب الإسلامي، وهي إجراءات لا ترقى في حقيقتها أن تكون جدار صد ضد الإرهاب بل يمكن أن تؤججه وتشعله في كل مكان من خلال ما تكتبه هذه الدول من حماقات سواء على صعيد العقوبات وخنق الدول الضعيفة والأفراد أو من خلال الاستيلاء على الأرض دون وجه حق كما تفعل إسرائيل اليوم في فلسطين، فقد أطلق ترامب يدها ومنحها الضوء الأخضر لتتصرف كيفما شاءت وعلى الطريقة التي ترضيها.

إن العرب اليوم يحتاجون إلى جلسة مصارحة ومكاشفة وترك الخلافات الجانبية العربية العربية جانبا فقد يحصل الخلاف بين الأشقاء ولكن لا يتحول إلى عداء وحرب بين الفرقاء، فلو حصل الوفاق بدل الشقاق، والتعاون بدل التشرذم، والوحدة بدل العزلة، لاتّحدت الشعوب العربية في وجه الافتراس الغربي الموحش الذي ينهش أجسامنا العربية كل يوم، ويصيبها بسقم جديد يحمل سمّا ناقعا، يثبط كل أمل في الحصول على أمل قريب، فهل يحدث اختراق أو جديد يسعد الشعوب العربية قاطبة في قممنا العربية مستقبلا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.