شعار قسم مدونات

أول الغيث ثورة.. لماذا لا يكتمل نجاح الثورات؟

blogs الجزائر

كان الربيع العربي محطة مفصلية في وعي الشعوب العربية، حين كُسِرت محرمّات كبيرة عملت الأنظمة العربية على زرعها في عقول شعوبها كان عمادها الخوف وإستحالة تغيير الأمر الواقع. وبفضل هذا الأمر الواقع، تكرسّت قيم ومبادىء وأفكار صاغت المنظومة الكاملة التي تلحظ تفاصيل الحياة اليومية للمواطن العربي، ولو بنسب متفاوتة بين مختلف البلدان. لكن الملاحظ بعد حدوث الحراكات الشعبية، هو واقع المعارضة السياسية أو البديل عن هذا النظام القائم، فوقعت في مشاكل سياسية عكست في جانب منها وقع السنين الثقيلة عليها والتي تحكمت خلالها الأنظمة الرسمية بواقع الحياة السياسية، فكانت هذه الأنظمة هي الحاكمة حيث سمحت لمعارضة تُناسب ذوقها السياسي فقط.

مرحلة ما بعد إسقاط النظام!

ولو أخذنا مثالاً ما حصل في النموذجين الجزائري والسوداني، كونهما أحدث نسخات الربيع العربي، نرى أن الهدف الأساسي للحراكات الشعبية أو ما يحلو للبعض أن يسميها ثورات، هو الإطاحة برأس النظام. وبعد إسقاط النظام، تدخل الجماهير في نشوة الانتصار، وتبدأ الحماسة الثورية تخفّ يوماً بعد يوم، مقابل عودة الروح لأركان النظام السابق، حتى تجد الحراكات نفسها أمام مرحلة جديدة يُجدَّد فيها للنظام نفسه وتجري عملية تحديث له بعد التضحية بأحد أعمدته من قبل رجالاته من أجل حماية النظام ككل. وهذا الأمر مردّه لغياب أي إستراتيجية لدى النخب والقطاعات الشعبية الثورية للتعامل مع مرحلة ما بعد سقوط رأس النظام بسبب ما مارسه أولاً هذا النظام سابقاً بحق المعارضة حيث خلق منها حالات هزلية غير ناضجة، وثانياً بسبب الصراعات على السلطة وتقاسم الثروات، فتظهر حينها المعارضة العربية كأنها نسخة أخرى عن النظام السابق.

الخلط بين رأس النظام والنظام نفسه
معظم من يخرج من الجماهير ضد النظام هم من طبقة الفقراء والمتضررين من الطبقة الوسطى بفعل سياسات التهميش. وفي حال لم يتم تقديم معالجات واقتراحات حل للمشكلة الاقتصادية، فإن الحراك الثوري سيحكم على نفسه بالموت المبكر

المشكلة الجوهرية التي تقع في فخها المعارضة، هو خلطها بين رأس النظام والنظام ككل. فتعتبر أن مجرد الإطاحة برأس النظام هو إطاحة بالنظام ككل، وهذا خطأ جسيم. ولسخرية القدر، يُشكِّل هذا الخلط بين الأمرين أكبر خدمة لأركان النظام السابق ليُعيدوا تنظيم صفوفهم ويستعيدوا الحكم. وفي الحالة الجزائرية، كذلك السودانية كما يبدو حتى الآن، لم يتم استبعاد أركان النظام ككل من الواجهة السياسية، بل المؤسف أن رجالات النظام بدأت عملية الإشراف على مرحلة إنتقالية، لا شك أنها لن تكون إلا بما يخدم مصلحة القيّمين عليها.

وعلى هامش هذا الخلط، يأتي دور المؤسسة العسكرية، فالجيش في البلدان العربية يُمارس صلاحيات وأعمال بعيدة كل البعد عن وظيفته الأساسية. إذ يتدخل في الصراعات السياسية وينحاز لطرف دون آخر ويطمح قادته وضباطه للوصول إلى الحكم، وفي كثير من الأحيان يحسم هو الجولة الأخيرة من المعركة. لذلك، على الحراك الثوري أن يفهم حقيقة أن الجيش هو جزء من النظام السابق، ولا بد من إستيعابه وإعداد خطط سلمية للتعامل معه لا الإستسلام لرغباته ولأجنداته السياسية.

المشكلة الاقتصادية العميقة

لا شك أن الدافع الأساسي للثورات العربية هو الوضع الاقتصادي السيء والذي يظهر بمؤشرات كثيرة كتراجع معدلات التنمية والنمو وارتفاع نسب البطالة وغياب الإصلاحات الاقتصادية وهيمنة الدولة ورجالاتها على مساحات واسعة من الاقتصاد الوطني ما يسبب ارتفاعاً هائلاً في حالات الزبائنية والفساد والإحتكار. وبالتالي، على سلّم أولويات النخب الثورية هو أن تكون مستعدة لتقديم الحلول لمعظم هذه المشاكل الاقتصادية. وببساطة، معظم من يخرج من الجماهير ضد النظام هم من طبقة الفقراء والمتضررين من الطبقة الوسطى بفعل سياسات التهميش. وفي حال لم يتم تقديم معالجات واقتراحات حل للمشكلة الاقتصادية، فإن الحراك الثوري سيحكم على نفسه بالموت المبكر. 

الحل الثوري المتكامل

الغاية هي النجاح ولكي نشهد نهايات سعيدة لثورة حقيقية، على الحراكات الثورية أن لا تدخل في صراعات مبكرة على السلطة، وأن تتوحد على رؤية كاملة لمرحلة ما بعد إسقاط النظام وتقديم المشروع السياسي والاجتماعي والاقتصادي البديل الذي يلحظ الحلول للمشاكل الذي سبّبها النظام السابق. وفي مرحلة من المراحل، لا بد من استبعاد كل من تورط بالفساد والإفساد وإشراك الجميع في مهمة بناء البلد وتنميته، دون عقد صفقات مشبوهة مع أركان النظام السابق. فالتنظيم السياسي مطلوب لا التطهير، والمحاكمة والمحاسبة هي الهدف لا الانتقام أو الثأر، والبناء والتأسيس هو الغاية الأسمى لا الهدم. كل ذلك سيُعطي النتائج المطلوبة لو إنتظم في عملية متكاملة معروفة الأهداف والتوجهات، لا التحرّك بعبثية ولأهداف سياسية ضيّقة الأفق وغير ناضجة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.