شعار قسم مدونات

الكتب في زمن اليوتيوب

blogs كتب

إذا قلتُ كلمة "يوتيوب" سيفهم الداني والقاصي ما أعني، فمَن لا يعرف موقع مُشاركة الفيديوهات الذي يعتبر المنصة الإعلامية الأولى، إذ أصبح خلال سنوات قليلة ثاني أشهر موقع في العالم بعد محرك البحث غوغل. لكن إذا قلتُ "بوكتيوب" قلَّما سأجد مَن يفهم المقصود، لأنها كلمة غائبة على مسامع القارئ العربي. ويأتي هذا المقال من أجل التعريف بمنصة إعلامية رائعة وسوق تجاري واعد. وبالرغم من النجاح الذي يحققه على مستوى العالم إلَّا أنّه لا يزال غير مُستغل على نطاق واسع من قِبَل المؤلفين ودور النشر العربية.

في هذا المقال سأركز على التعريف بالبوكتيوب؛ هذه الظاهرة المهمة التي تجمع بين الثقافة والتكنولوجيا، والتي أتوقع أن تغيّر مستقبل الكتب إلى الأبد بشكل مختلف عن التأثير الذي صنعته الكتب الإلكترونية. البوكتيوب تعني ببساطة قنوات اليوتيوب المتخصّصة في الكتب، وبعبارة أخرى القنوات الثقافية والأدبية في اليوتيوب. قد يبدو ذلك غريبًا لمَن يظن أنه لا يوجد باليوتيوب سوى قنوات الطبخ، والكوميديا، والرياضة، وألعاب الفيديو، وقنوات التجميل، والموضة، وغيرها من المجالات الشائعة التي تجذب جماهيرًا بالملايين؛ عدى قنوات الفضائح والشائعات. لكن في الواقع ثَمّة قنوات ناشئة، اختار أصحابها مجالات مختلفة رغم من أنها ليس رائجة أو شائعة بين عامة الناس، ومن بينها قنوات تُعنى بالكتب. ولأنّ صعوبة البداية من أسرار النجاح، نراها تشق طريقها الصعب بثقةٍ وتمهل نحو النجاح رغم تجاهُلها من قِبَل الشركات.

البوكتيوب جعلني أحلم بمجتمع يقرأ ويفكر لأنه طريقة جديدة للتعريف بالكتب في زمن اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي

تتباين قنوات الكتب وتتنوّع فيما تقدّمه من محتوى يختلف باختلاف توجُّهات كل قناة واهتمامها، ومن أبرز ما يُقدَّم: مراجعات ومناقشات الكتب، المشتريات من الكتب، قراءات شعرية وكتب مسموعة، وتحديات القراءة كتحدي القراءة السنوي، أو تحديات جماعية تشارك فيها عدة قنوات ومشتركيهم، كتحدي «ماراثون القراءة» إذ تتم قراءة أكبر عدد ممكن من الكتب خلال أربع وعشرين ساعة. ومن القنوات ما تُجرىٰ فيها حوارات مع المؤلفين أو تتعاون مع الكُتّاب الشباب الذين ينشرون كتبهم بشكل مستقل، ومنها ما تحوي جولات بالمكتبات والمعارض، أو تعرض آخر الإصدارات الروائية والنقدية والجوائز الأدبية لتتميز على سائر القنوات.

ويبقى البوكتيوب فضاءً حرًّا ومتطوّرًا، يتيح لأصحاب القنوات إمكانية الإبداع، وإضافة محتوى أصيل يلفت أنظار الناس ويثير اهتمامهم بالقراءة ويشجعهم على النقاش. يفتح هذا آفاقًا واسعة تأخذ بالمجتمع نحو الأفضل ويرتقي بالمحتوى الذي يُعتبر ذخرًا لكل "منشئ محتوى"، سواء أكان في المدوَّنات المكتوبة أم مدوَّنات الفيديو. فيما مضى كنتُ أعلم مميزات البوكتيوب من متابعتي لعشرات القنوات الأجنبية -التي صرتُ مهوسًا بها- والتي جعلتني أحب القراءة بشكل أكثر وأفضل. وحينما بدأت قناتي "أصدقاء الكتب" في غُرّة أبريل من عام 2017، كنت واثقًا وما زلتُ من أهمية البوكتيوب خصوصًا في مجتمع يعيش أزمة قراءة كمجتمعاتنا العربية. إلَّا أنّي انتظرتُ شهورًا طويلة كَي أبدأ قناتي الخاصة، ومعها بدأت رحلتي في التحفيز على القراءة، والتعبير عن شغفي بالكتب على اختلاف أنواعها ومجالاتها.

بدأ الأمر بمشاركة مراجعات بسيطة لكتب قرأتها، نصائح أشاركها مع القراء المبتدئين، وبما أنني أعشق الشعر بدأت أنشر أيضًا قراءات شعرية بصوتي ومع مرور الوقت وانتشار القناة، تطور طموحي لأصبح مؤسس أول ماراثون للقراءة في اليوتيوب. الآن أصبحت تصلني تعليقات تطالبني بمراجعة الكتاب الفلاني ورسائل خاصة تحفزني على الاستمرار في إنتاج هذه التدوينات المرئية.

دعاني البوكتيوب لأقرأ أكثر وأستفيد بشكل إيجابي من التكنولوجيا، وأحلم بشباب يقرؤون ويتصالحون مع الكتاب. البوكتيوب جعلني أحلم بمجتمع يقرأ ويفكر لأنه طريقة جديدة للتعريف بالكتب في زمن اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي. لهذا آمل أن ينضم إليه جميع الفاعلين في قطاع الثقافة ومجال صناعة الكتاب ليس كسوق تجاري فقط ولكن كمنصة إعلامية وشبكة اجتماعية للتحفيز على القراءة. البوكتيوب خير دليل لتعايش التكنولوجيا مع الكتاب الورقي وأفضل مكان يمكن أن يلتقي فيه أصدقاء وصديقات الكتب. إنه ببساطة، احتفال بالكتب في زمن اليوتيوب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.