شعار قسم مدونات

ماذا يخفي ماضيك عنك؟

blogs تأمل

تحذير قبل بدأ بالقراءة هذا المقال، قد لا تصلح هذه المدونة لبعض الأشخاص، وخاصة إذا كنت تعتقد أن عقلك لا يعاني من مشكلة ما؛ أو أن نفسك لم تطرح عليك بعض تساؤلات الوجودية الزمانية القدرية، أو أنك لم تمر يوما بتجربة محاكاة خواطر، وحتى لا يصيبك التباس في فهم معنى هذه المصطلحات نعطي مثال تقريبي لتبيان معنى المقصود في التساؤلات الوجودية الزمانية القدرية هي عبارة عن: مجموعة أسئلة تخص المكان أو زمان أو القدر، مثل الأسئلة، لماذا لم أخلق في زمان غير هذا الزمان؟ أو لماذا لم أخلق في زمن معين مثل زمن البعثة الرسول؟، وقد يكون السؤال لا يشمل تغير زمان ويكتفي بتغير المكان مثلا: لماذا لم أخلق في دولة ما ذات ظروف اقتصادية ما؟ أو الأسئلة القدرية بدون أخواتها مثل لماذا لم إرث مال كثير؟

قد تكون هذه المجموعة من التساؤلات؛ من أسهل الأسئلة الوجودية الزمانية القدرية التي يمكن أن يطرحها الإنسان على نفسه، ولكن ماذا عن توارد الخواطر، ومحاكاة الواقع مع تجربة سابقة، أو الالتباس بين الواقع وحلم قد مررت به منذ زمن، هل انتابك يوما شعور بأن هناك شخص ما بخطر ويحتاجك في مكان ما، ثم اكتشفت أنه وقع بمشكلة ما فعلا، قبل أن تكمل المقال منها يجب أن تقف مع نفسك لدقيقة وتحاول أن تتذكر هل مررت يوما بتجربة ما أو موقف ما في أثناء حدوثها أو بعد حدوثها وقلت في نفسك لقد حدث هذا الموقف معي في الماضي، وكان الماضي يعيد نفسه، أو قلت أن هذا الموقف حلمت به من قبل، هنا يقف التحذير لفتح الحديث عن عالم الخفي في نفس الإنسان الباطني وكيف تؤثر هذه التساؤلات والمواقف على حياة الإنسان.

قد تكون الأسئلة الوجودية الزمانية القدرية؛ أسئلة مشروعة، وبحاجة إلى علم ديني مفصل ليجاب عنها، وخاصة وأن هذه الظروف تعتبر اختبار لعبور إلى العالم الخلود

قد تكون المقدمة طويلة نسبيا، ولكن قبل فتح هذا الباب سأتحدث عن تجربة شخصية مع هذا العالم الخفي وكيف أثر بحياتي، كنت في سن الثالثة عشر من عمري عندما حلمت أني شاب تجاوزت العشرين من عمري وأقف في مكان مظلم وهناك نور محدود يحيط بي، ثم شاهدت نور آخر محدود قادم من وسط الظلام من بعيد، وعندما اقترب مني كان نور يحيط بفتاة جميلة، تبلغ من العمر عشرين عاما أيضا، وعندما وقفت أمامي اتسع الضوء وتضاعف عشر أضعاف، أخذت أتأملها جيدا، وبعد ثواني عدت إلى الخلف خطوة، وقلبي يخفق، حاولت الاقتراب مني، فأشرت لها ان تبقى بعيده، ولا أعرف سبب لتصرفي هذا، فعادت أدراجها وهي تنظر إلي وأنا أنظر إليها وحاولت مرتين أو ثلاثة أن تعود وتكلمني فأشيح وجهي عنها، وعندما اختفت في ظلام سطع نور الصباح فكان يوم جميل تكثر به الفرشات والأرض المثمرة بزهورها وشجرها. 

كان مجرد حلم، ورغم ذلك فقد احتفظت بوجه الفتاة في ذاكرتي فهي بنسبة لي حسناء، حتى بلغت من العمر سادسة عشر لأجد نفسي أقف أمام نفس الفتاة، لن أكذب على نفسي كنت مغرم بها حتى من قبل أن ألتقي بها في الواقع، خفق قلبي حتى خشيت أن ينفجر، هذا ليس حلم، ثم تعرفت عليها عن قرب ومع ذلك خشيت أن أتزوجها، ورغم معرفتي أنها تحمل لي شيء في قلبها، وأنها تفتح لي المجال لخطبتها على مر سبع سنوات مرت بعد ذلك تاريخ، ولكن كنت أخشى من هذه الخطوة بسبب حلم، فقد كان هناك نور نهار وليس نور محدود وإن كان كبير نسبيا. 

سألت نفسي كثيرا لو لم أرها في حلمي من قبل هل كنت سأتزوجها؟ هل كنت سألتقي بها؟ والأهم كيف حلمت بها وأنا لا أعرفها؟ وعند طرح الأسئلة على نفسي وجدت أن هناك أسئلة أخرى تطرحها مثل لماذا خلقت الآن؟ لماذا ليس في عصر أخرى؟، بوجود ظروف أخرى؟ وبعد وقتل اكتشفت بعض أصدقاء لديهم تساؤلات قريبة، تخص الزمان والمكان والقدر، وتوارد الخواطر.

درب من الجنون قد تكون بعض هذه تساؤلات، وخاصة عندما يصيبك شك أنك عشت هذه الحياة من قبل، أو أن هناك شخص ما قادم من المستقبل يجلس معك وأنت نام، وتتذكر بعض ما أخبرك به عندما تشاهد موقف ما، فيلتبس عليك الواقع، كثيرا من الأشخاص مر بمواقف وكتمها حتى لا يقال عنه مريض نفسي أو مجنون، قد تكون الأسئلة الوجودية الزمانية القدرية؛ أسئلة مشروعة، وبحاجة إلى علم ديني مفصل ليجاب عنها، وخاصة وأن هذه الظروف تعتبر اختبار لعبور إلى العالم الخلود، ومع اختلاف الظروف الزمانية والمكانية والقدرية قد تختلف نتيجة الامتحان، مما قد يفتح تساؤلات دينية عن حياة أخرى عشناها قبل الخلق الحالي، كاختبار قدرات وإمكانيات، كان من خلاله فرز الزمان والمكان والظروف القدرية التي ستلقاها، أشبه بالقرعة التي تكون بين الأندية في الدوريات.

undefined

وقد يكون هذا التفكير ضرب من الجنون وبه شيء من عدم القدرة على استيعابه العقلي، ولكن هل هناك ما يدل عليه من ناحية شرعية قد يكون بعض الآيات القرآنية تحمل شيء من ذلك مع عدم الجزم بذلك، قال تعالى: "كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (28) البقرة، لا يوجد موت قبل الحياة، وخلق المعروف "خلق ادم" لم يكن إحياء ميت، بل كان إنشاء من تراب، فإذا كنا نعيش حياة سبقها موت فهل كنا أحياء قبل ذلك؟

قد نجد الجواب في قوله تعالى: "قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ" (11) غافر. لا يختلف العلماء تفسير في عدد المرات التي عاشها الإنسان، بل يختلفون متى حدثت هذه الحياة، فهناك من يقول إن الإنسان خلق حياته الأولى في دنيا، ثم مات، ثم خلق من جديد في القبر، ثم مات للحياة الآخرة، في حين يرى أخرين أن خلق الإنسان الأول كان مع خلق سيدنا آدم، خلق كل أبناء آدم بدون استثناء، ثم عرضت عليهم الأمانة واخذ منا الميثاق، بما صح في بعض الأحاديث وعلوم التفسير.

ولسنا أعلم من علماء التفسير فإذا صح أنا خلقنا من قبل، وعرضت علينا الأمانة وأخذ الميثاق، ثم أماتنا الله ليبعثنا في خلق جديد، نخوض به الامتحان لعبور إلى دار الآخرة بعد اختبار أولي حدد من خلاله زمان والمكان والظرف المناسب لكل منا على حدا؟ والأهم هل حمل الإنسان شيء من ذاكرة تلك الحياة وخاصة أن القرآن الكريم أشار إلى الخلق الأول في قوله تعالى: "وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ" (62) الواقعة. وهنا يجب أن نشير إلى أن الخلق الأول اختلف عليه علماء الدين والتفسير فهناك من قال إن الإنسان يخلق في رحم أمه ثم تعرض عليه الأمانة بعد أن يعرف قدره وظروف حياته، وقيل أنه يرى حياته حتى مماته، هنا أيضا لا خلاف على أن الإنسان مر بحياته من قبل، ولكن ما هي مقدرة الإنسان على تذكر ذلك؟

فإذا كان تحديد الزمان والمكان والقدر بناء على فرضية أن هناك حياة أولى، فإن توارد الخواطر والحالات التي تصيب الإنسان في لحظة ما والشعور بأن هناك خطب ما يحدث الآن، قد يكون نتيجة لمعرفة مسبقة محفوظة في العقل الباطني؛ والتي لن تسمح لك بمعرفة الغيب بمعنى معرفة ماذا ينتظرك مثلا، ولكن قد ترسل لك إشارة بأن شيء قد يحصل، فيبدو عليك القلق أو شك أو الارباك، وربما يبدو عليك الفرح وشعور بأن هناك خبر جميل قادم، من أين ولماذا وكيف لا تعرف حتى يصبح أمرا واقعا، دون معرفة سبب الحقيقي لذلك قال تعالى: "قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (188) الأعراف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.