شعار قسم مدونات

سنفرو.. الملك المحبوب

blogs سنفرو

بدأت الأسرة الفرعونية الرابعة بالملك سنفرو، بعد أن انتهت الأسرة الثالثة دون معرفة أسباب نهايتها، لكن ما يعرف؛ أنه وطبقا لما كان عليه نظام وراثة الحكم عند الفراعنة؛ من أنه إذا انقطع نسل الذكور من الأسرة المالكة؛ فإن الملك الجديد لا بد أن يتزوج من إحدى بنات البيت الملكي السابق حتى يجري الدم الفرعوني في عروق أبنائه، لذا فقد فعل سنفرو هذا الأمر وتزوج من الأميرة حتب حرس ابنة الملك حوني؛ آخر ملوك الأسرة الثالثة؛ التي كانت تحمل بحكم دمها الملكي حق وراثة العرش فأنجب منها ابنه خوفو الملك الشهير.  

 

الملك المحبوب.. هكذا أشار المصريون القدماء للملك سنفرو خلال فترة حكمه وفي العهود التالية، بل وأطلقوا عليه أيضا "الملك الرحيم" و"الملك المحسن"؛ وذلك لقربه منهم وعطفه عليهم ورحمته بهم، هذا فضلا عن الرخاء المعيشي والاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية التي تميز بها عهده -الذي استمر ما يقرب من ربع قرن- توسعت فيه تجارته الخارجية، وازدادت خلاله حملات التعدين الداخلية، وقويت فيه سلطته الخارجية؛ فأرسل الحملات التأديبية لكل من كانت تسول له نفسه الانقضاض على المملكة المصرية.

 

هكذا أصبحت مصر في عهد سنفرو مملكة متحدة ثابتة الأركان، فأحبه شعبه حبا شديدا، وتعلقوا به؛ لدرجة أنه كان كلما انتقل في أرجاء قصره أو خارجه كان رعيته يركعوا أمامه

وكان من ضمن أهم أعماله؛ أنه أرسل أسطولا من أربعين سفينة إلى فينقيا -لبنان وبلاد الشام حاليا- لإحضار خشب الأرز الذي تشتهر به، وقام بتشييد 60 سفينة لكل منها 16 مجدافًا، كما قام بإرسال حملة تأديبية إلى بلاد النوبة، نجحت في مهمتها نجاحا باهرا؛ وعادت بـ 7000 أسير، و200 ألف رأس من الماشية، بل وأرسل أيضا حملة أخرى مماثلة إلى حدود مصر الغربية بليبيا، والتي نجحت أيضا في استعادة الأمن وعادت بـ 11 ألف أسير و13 ألف رأس من الثيران والأغنام، كما قام بإرسال حملات تعدينية نحو حدود مصر الشرقية بسيناء فقامت باستخراج الفيروز والنحاس ولا تزال أسماء رجال تلك الحملة منقوشة على صخور جبل المغارة هناك، واستطاع سنفرو بحكمته وقوته أن ينشر الأمن والأمان بسيناء وأن يقضي على كل من تسول له نفسه التعدي على سكان ومدخرات المنطقة، وقد كانت كل هذه الأعمال سببا في أن يعتبره خلفاؤه من الحكام إلها حاميا لسيناء جنبا إلى جنب مع أربابها.

 

أما في الجانب المعماري فقد ارتبط اسم سنفرو بهرمين أقامهما بدهشور، أحدهما بالجهة الجنوبية، ويعرف بالهرم المنحني أو الهرم المنكسر الأضلاع؛ فهو على شكل مصطبة يعلوها الشكل الهرمي، والآخر يقع بالجهة الشمالية؛ ويعتبر أول هرم حقيقي استخدم فيه مهندسو الملك كل ما اكتسبوه من خبرة وتجنبوا كل ما ارتكبوه من أخطاء عند بناء الهرم الأول، ويطلق عليه الهرم الأحمر، هذا فضلا عن قيامه باستكمال بناء هرم الملك حوني المدرج – الذي يقع في ميدوم – وهو آخر ملوك الأسرة الثالثة، لذا ينسب هذا الهرم إلى الملك سنفرو. وضمن آثار الملك سنفرو وجدت قائمة كاملة لأغلب الأقاليم المصرية في ذلك الوقت فيما تعتبر أول وثيقة لتقسيمات مصر الإدارية في عصر يرجع إلى أكثر من 2500 سنة قبل الميلاد.

 

وهكذا أصبحت مصر في عهد سنفرو مملكة متحدة ثابتة الأركان، فأحبه شعبه حبا شديدا، وتعلقوا به؛ لدرجة أنه كان كلما انتقل في أرجاء قصره أو خارجه كان رعيته يركعوا أمامه ويقبلوا التراب الذي تحت قدميه، وحتى بعد وفاته كان القبر الذي يضم رفاته موضع تقديس، حتى أن حاشيته وعظماء البلاد في عهده كانوا يوصوا بأن يُدفنوا حول قبره أو بالقرب منه؛ حتى يقوموا على خدمته في الدار الآخرة، على حسب عقيدتهم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.