شعار قسم مدونات

من لا شيء إلى إنسان!

blogs تأمل

يُميتك الحبُ أو يُحييك.. أو لربما يجعلُك واقفًا مُترنّحًا ما بين الموتِ والحياة، هو نقطةُ مُنعطفٍ في طريقِك ولرُبَّما كانت نُقطةَ البدايةِ أو النهاية، حين تُحِب ستكونُ أكثرَ وعيًا وعلمًا وأكثر قدرة على إدراكِ خبايا القلوب، ستشعرُ بما لا يشعرُ بهِ أحد، ستكونُ قريبًا من كل مُتَيَّم أو مَيْتَمٍ، فَفَقْدُ الحبيبِ كاليُتمِ أو أشدُ وقعًا؛ إما أن تكونَ يتيمًا تَقتاتُ على وقعِ ذكرى في قلبِك فتَحْيا وإما أن تقتُلُكَ تِلكَ الذِكرى فَتكونَ اليَتِيمَ المفتون المقتول.

وهي ذي للحياةِ مَحطات كثيرة، ربما لن يستطيعَ عقلُك تَقبّلَ أن كل هذا سيحدث معك إن قيلَ لك ذلك، ولكنكَ ستضطر لمواجهة ما لم تَكُن تتخيله قبلاً. سيجبركَ الحُب أو سيطوعُ قلبك، لأن تكونَ أنتَ المختلف عن ذاتك بدافع الحُب ستضطر أو ستجد نفسَك ماضيًا في صُنعٍ ربما يراهُ غيرك ضَربًا من الجنون، ولكنه لا يكتملُ معنى الحب دونه.. يأخذُك هذا الشيء الغريب الذي يغزو قلبَك للعالمِ الآخر حيثُ المفردات المختلفة، والتعابيرُ المختلفة، حيث التفاصيل العميقة التي يمكن من كل جزء منها أن تصنع لك روايةً أنتَ بطلُها، وتبقى روايتُه الأولى والأخيرة "الحب" وكيف كُنتَ حيَّا ومن ثُمَّ أصبحتَ أنتَ الحياة!

الحب الذي ينشر الأمان في قلوب الباحثين عنه السائرين إليه الحب الذي يكون بـنكهة الأمان، ذاك الذي يسلبنا من اللاشيء فينا ليجعلنا نشعر بإنسانيتنا، فنكتشف كل جمال في ذواتنا

حين تكون الحياة "مودةً، وهناءً، ونورًا ودوامَ وصلٍ" يكون ذاك حبًّا؛ وتكونُ هي السعادة، مفردة غريبة تجمعُ متضادتين فيكون الحُب جنةً أو يكون نارًا ما إن كان الوصلُ حَليفهُ والسدادُ طريقهُ حتى َتحول إلى جنةٍ تربو في قلوب المحبين تجمعهم في درب السير إلى المودة التي تشعل في القلب قبسًا من من نور يشرق في حياة المحبين ومن ثَمَّ يتحول إلى هناءٍ ونقاءٍ بدوام الوصل واستمرار الاتصال..

إن الحبّ يا عزيزي كما السيف مخير ما بين وصلٍ وقطعٍ أو ما بين لقاء وفراق فانٍ، فإن كان اللقاء كانت السعادة وكان الحب الحقيقي، وإن كان الفراق تحول إلى جمرٍ يكوي قلوب المحبين كيًّا فيصبح الحب موتًا؛ لذلك نبحث عن حب يكون بتلك التركيبة الرباعية التي ما إن بحثت عن معنى للحب حتى وجدتها هي، وجدت سببًا للاستمرار في حياة مليئة بالمنغصات فتجد الحب حِصنًا منيعًا أمام كل ذلك، تجده الدافع الأقوى لتستمر لتزهر وتينع في زمن مليء بالقحل الكثير، ما أن تفهم هذه الرباعية حتى تجد النصف الآخر الذي بسببه وعلى حين بغتة كان حُب الحياة أو لربما فهمها، النصف الذي بحضوره تستطيع مواجهة أعتى قوة بوجهك، والذي لأجله تعيش الحياة كما هي، بجماليتها..

النصف الذي بحضوره يغدو العلقم شهدا ولأجله يصبح الصعب سهلا، نصف لو نظرت إليه لوجدته كلك، ولو قاسمت الكون فيه لكنت أنت الرابح، فهو كل الكل وإن بدا نصفًا، نصفك الذي يعينك ويقويك يغيثك في وقت يصعب على القلب استقبال أحد سواه، نصف يمثل المعنى الحقيقي للحب، الحب الذي بيده بنوره وبه نصل إلى بر الأمان.. نصف يمسح شجون قلبك ويزهر الأمل فيه ويحييه.. وكأن المعنى الحقيقي للحب تمثل بحضوره، بوصله وبسكينة القلب الذي تداهمه عند ذكره، حب يداعب الروح فرحا وأملاً، ولا يحسب للفراق معنى، لأنه في قاموسه لا يوجد معنى كهذا ففي كل الوصل خير وفي كل فراق لقاء ولو بعد حين.

خلاصة القول نحب الحب ما أنار قلوبنا ودفعنا لأن نرى العالم عالمًا يستحق العيش وننبذ كل سبب يلوّث الحب ويغير مفهومه الحقيقي ونسعى لأن نعلن الحب بمسمّاه الفعليّ، الحب الذي يسمو بالقلب إلى أعالي الدرجات من سماوية القلب والروح، الحب الذي ينشر الأمان في قلوب الباحثين عنه السائرين إليه الحب الذي يكون بـنكهة الأمان، ذاك الذي يسلبنا من اللاشيء فينا ليجعلنا نشعر بإنسانيتنا، فنكتشف كل جمال في ذواتنا، الحب الذي يكون بـ "المودة والهناء والنور ودوامِ الوصل".. فيكون حياةً. ختامًا نستذكر قول الأستاذ محمد إقبال: "فتّشتُ طويلاً فيما يتغيّر فينا حينما نحب.. فوجدتُ أننا نعبُر من لا شيء إلى إنسان".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.