شعار قسم مدونات

طفلي تخلى عن المطالعة

blogs طفل

كنت جالسة ذات يوم أنتظر دوري عند طبيبة الأسنان، أخرجت كعادتي كتابا قد بدأت بقراءته خلال أيام وجيزة، فاقتربت مني امرأة في سن الأربعينيات، سائلة عن عنوان الكتاب. دار بيننا حديث ثنائي، وسألتني أسئلة كسبب حبي لقراءة الكتب ومتى بدأت القراءة، ومن حفزني على ذلك؟ أجبتها بصراحة لكن علامات الحزن والندم بدت ظاهرة على وجهها، وقالت لي أن ابنها الوحيد تخلى عن المطالعة، والسبب الوحيد هو أنها كان ترتاح من صراخه وبكاءه كلما أعطته الهاتف، وهكذا تهنئ من صراخه المتعالي وإزعاجه لها. في كل الأحوال الآباء اليوم يقترفون خطأ جسيما في حق أبناءهم، فقد وجدوا حلا للتخلص من البكاء والصراخ، شبيه تماما بمسكنات الألم عند صداع الرأس، فألام الرأس هنا هم الأبناء والمسكنات هم الإلكترونيات.

 

قبل ظهور الثورة التكنولوجية أعتقد أننا قد استمتعنا بقراءة قصص جحا والعربي الصغير، وأجبرتنا الوالدة على تلخيص كل قصة عند انتهاءها، بهذا تطورت فينا مهارات الخيال وسافرت بنا الى عالم وهمي شيق، وساعدتنا قصص الأطفال على التركيز وتنمية الأحاسيس والمشاعر. فقد تعودنا دائما ان وقت الفراغ كان متخصصا من أجل المطالعة أو اللعب خارجا لا غير، وكان لهما دور أساسي في تكوين شخصياتنا كأطفال. لكن اليوم حل محل المطالعة، مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو. فقد سيطرت على أحاسيس الاطفال وزرعت فيهم الغضب والتعصب والاضطراب النفسي.

 

الدول الغربية بعدما عرفت قيمة العلم وأصبحت ذا نمو ثقافي علمي، وأصبحت تزخر بنبوغ وعبقرية، وجعلت أطفالها تمجد حقيقة القراءة والعلم

للأسف أصبحت أحياءنا خالية من الأطفال فالأمهات اليوم يرفضن خروج الابناء للعب خارجا خوفا عليهم من تعلم الكلام الفاحش، أتعلمين أيتها الوالدة انه قد يتعلم الأسوء عبر تصفحه للإنترنت لا حاجة اليوم من ذكر الأضرار، بل يبقى أملنا في الحياة أن نعيش وسط هذه الثورة بإيجابية مطلقة، وأن نسيطر عليها لا أن ندعها تسيطر علينا. تستطيعون أيها الاباء أن تتيحوا لطفلكم الفرصة لتصفح جوالكم، لكن عوده على تطبيقات مساعدة في القراءة، واختر له فيديوهات مفيدة وعوده على استخدام الكتب الالكترونية وامنح له المأذونية لاختيار الكتب التي يود قراءتها هكذا سيدمن على قراءة الكتب بشكل يومي وبطريقة معاصرة.

 

من المعروف أن الأطفال لا يسمعون بل يقلدون، هنا يكمن الفرق بين أسرة أطفالها لهم شغف القراءة وملمون بشراء الكتب، وأسرة اطفالها تغيرت أنماط حياتهم بسبب التكنولوجيا، هذا التغيير لم يحدث من تلقاء نفسه، بل له ارتباط بالتنشئة الأسرية على وجه الخصوص. فلا مجال للمقارنة. فإذا بدأت بالقراءة أنت أولا، سيقلدك طفلك البريء، إذا أحببت لطفلك القراءة سيكون أسعد الناس بلا أدنى شك، وستنمو هواية المطالعة وحب القراءة مع نمو أظافره، كأنك أعطيته جرعة من الثقافة من صيدلية القراءة.

 

إن الإسلام قد حمّل الاباء خاصة والمعلمين عامة مسؤولية كبرى في تعليم الاطفال وتنشئتهم على الاعتراف من بئر الثقافة والعلم، وتركيز اذهانهم فقط على المعرفة المجددة والإدراك الناضج الصحيح.. وبهذا تتفتح المواهب ويبرز النبوغ وتظهر العبقرية.. قال الله تعالى في كتابه العزيز: قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون، فالمسلمون قدموا في فترات طويلة من التاريخ الغالي والنفيس لتعظيم الحضارة والعلم وهذه شهادات بعض فلاسفة الغرب: يقول لين بول في كتابه العرب وإسبانيا "فكانت أوروبا الأمية تزخر بالجهل والحرمان بينما كانت الأندلس تحمل إمامة العلم وراية الثقافة"، ويقول بريفولت في كتابه تكوين الإنسانية "العلم هو اعظم ما قدمت الحضارة العربية إلى العالم الحديث، ومع أنه لا توجد ناحية واحدة من نواحي النمو الأوربي إلا ويلحظ فيها أثر الثقافة الإسلامية النافذ".. وهذه الحقائق مؤداها أن الإسلام دين بناء حضاري.

 

وما جزاء الإحسان إلا الإحسان لكن هنا العكس تماما، فالدول الغربية بعدما عرفت قيمة العلم وأصبحت ذا نمو ثقافي علمي، وأصبحت تزخر بنبوغ وعبقرية، وجعلت أطفالها تمجد حقيقة القراءة والعلم وترفع ببلادها منار الفكر والعقل، أرسلت لنا نحن العرب هاتفا ذكيا وانشئت لنا مواقع ذكية وأصبحنا عكس ما كان يقال عنّا. لكن لا يزال بمقدورنا النهوض مجددا، فقط نريد خير أبناء ليكونوا خير خليفة، وأن يتألق العرب من جديد وفي هذا العصر الحديث كما عهدناهم دائما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.