شعار قسم مدونات

من أنا؟ سؤال لم تُجبني عليه سوى الكُتب!

BLOGS كتب قديمة

رغم أنني تخرجت من كلية هندسة البرمجيات بتقدير جيد جداً "الدرجة الثانية القسم الأول"، إلّا وأنني أستيقظ في كل صباح سائلةً نفسي هل هذا حقاً ما أريد؟ وتلوح نفس الإجابة كل يوم "لا"، ما بين رغبة أمي وتطلُعات أبي وأحلامهما بإبنتها المهندسة التي لا أُريد أن أُخيبها، وبين ما أُريده أنا حقاً أجدني أقف أحياناً عاجزة، رغم معرفتي المسبقة بأن مكاني لم ولن يكون هناك بين الحواسيب والبيانات والمعادلات الرياضية، ربما قد أكون أبرع في هذه الأشياء ولكن ليس حباً فيها بل لكرهي للفشل، وحبي لكل ما يدفع للتحدي، أما المشكلة الأساسية فتكمُن في الشغف، إنه المحرك والدافع الأساسي لكل عمل يقوم به الإنسان، فشغفي للكتب والتحدث باستمرار عن العلم والمعرفة وضرورة ارتقاء الإنسان بنفسة معرفياً أجدها تجرفني في تيارِ معاكس للطريق الذي رسمة لي والداي الطريق الذي لطالما حلمت منذ الصغر أن أكونة.

كنت أريد الإلتحاق بكلية الإعلام أو الفنون ولكنني واجهت رفض والدتي بالنسبة للكليتين، ولأنها تعلم جيداً عن شخصيتي القوية وصوتي الجهوري الذي يمكنة أن يهز المنابر قالت أنه بإمكاني أن ألتحق بكلية القانون، ولكن الفكرة لم ترق لي لا أريد أن أكون محامية، هذا ليس ما أحلم به، ولكنني كنت أستخدم موهبتي في الإلقاء وحضوري الطاغي على المسرح كي أحرز أعلى درجة في سمنارات الجامعة وهذا أقصى ما كان متاحاً كوني لم أكن أحب السياسة أو الانخراط في الأحزاب السياسية ولا تروق لي الندوات كثيراً ربما لأن الجامعة بحد ذاتها لم تكن تروق لي، وقد أخبرت مرة رئيسة القسم بهذا فعرضت علي أن تحولني إلى قسم آخر، أخبرتها إن كان بإمكانها أن تحولني من الكلية ككل وليس فقط من قسم إلى آخر ولكن يبدوا أن هذا كان مستحيلاً.

أن أكون كاتبة! إنه شغفي الوحيد ولكن لأنني لا أريد أن أستعجل هذه الخطوة فلا أجد أنني ناضجةُُ بما فية الكفاية لأُخرج ذلك الكتاب الذي يكتسي بحلية الوقار الذي يلبسُها العلم

لم تكن لدي ولا لمرة تلك الفرحة النابعة من القلب لكل ما كنت أنجزة، ربما لأنها كانت انجازات مختلقة من وحي عدم الرغبة في الفشل والبقاء في الخلف بينما الآخرون يتقدمون. منذ تخرجي مرّ الآن خمسة أشهر لما لم أبحث عن عمل في مجالي الذي من السهل وأنت خريج كلية حاسوب أن تجد عملاً ولازِلت أنتظر إجراءات الشركة التي سوف ألتحق بالعمل معها وقد أخبرونا مسبقاً أنّ إجراءات الإنضمام إلى الشركة قد تأخذ وقتاً كونها تابعة للجيش وحرصاً منها على الإجراءات الأمنية المطولة المعروفة في أي دولةٍ عربية، كان بإمكاني أن أعمل في أي مكان إلى أن ألتحق بوظيفتي الثابتة ولكني كنت أرفض كل العروض حتى التي جاءتني في مكاني لسبب وجية وهو عدم رغبتي وإحساسي الدائم أنني لم ولن أنتمي إلى هذا المكان، ولكنني أعلم مسبقاً أنني لن أستطيع كسر القيود وبناء مملكتي الخاصة إن لم أُشيد مملكة أبويّ أولاً اللذان ومنذ أن جلست في المنزل لايفتأن يذكران كل يوم سيرة الزواج وبرغم رفضي المتواصل للفكرة وقولي لهما أنني لا أفكر الآن بأن آخذ هذه الخطوة في حياتي إلا أنهما يلحان كل يوم، وأنا أعرف جيداً في اليوم الذي أعرب لهما عن رفضي للعمل في مجال دراستي سأجدني مكبلة بقيد من نوع جديد، أرحم منه ألف مرة قفص والداي الذي فتحت لتوي بابة ومن الحماقةِ أن أُغلقة بيدي.

عندما قررت أن أكتب وقُبِل طلب أن أنشر كتاباتي على مدونات الجزيرة وبعد نشري لأول مقال، جئت بالمقال إلى والدتي وأريتها إيها وقد وضعتُ صورتي بقربة لم تتبرم من الأمر ولكنها بالطبع تعلم أخواي أكثر مني فنادتهُما لتُريهما صورتي بقرب المقال، لم يكن المهم ما كتبتة بل تلك الصورة التي بقرب ما كتبت تبرما في بادئ الأمر سمعت كلمات من قبل "سأقتلك ليس لدينا فتيات يضعن صورهن على الإنترنت" ولكني كنت أعلم بعدم جديتهم في الأمر فهما ليسا من القرن الماضي ويعلمان جيداً كيف تربيت ولا أضعها لأتعرف على شباب على الإنترنت، مر الأمر وصرت أكتب وأنا حرة وضعت صورتي على صفحتي على الفيس بوك وكانا أول من ضفتُهما في الصفحة.

أن أكون كاتبة! إنه شغفي الوحيد ولكن لأنني لا أريد أن أستعجل هذه الخطوة فلا أجد أنني ناضجةُُ بما فية الكفاية لأُخرج ذلك الكتاب الذي يكتسي بحلية الوقار الذي يلبسُها العلم، لا أحبب سفاسف الأمور وأرغب دائماً منها بأعلاها، يمكنني أن أكتُب الآن ولكن لا أريد أن أكتب كما يكتب الكثير من كُتاب اليوم بٌخرجون كُتباً تُدِر عليهم أموالاً ولكنها لا تٌنمي عقولاً، وآخذ من كُتّاب اليوم قٌدوةً لي في هذا "أيمن العتوم" الذي بدأ يُمارس الكتابة في الأربعين من عٌمره وهو القائل لإحدى الفتيات التي كانت تٌريد أن تبدأ بالكتابة: لا تستعجلي الكتابة فقط اقرأئي كثيراً، فنحن مثل الكأس وعندما يفيض ستأتي الكتابة وحدها، وكأسي لم يمتلئ بعد، أٌحس أنه مازال في أوله ولكن هيهات مؤكد سيفيض يوماً، لذا عليّ أن أبني مملكة والديّ أولاً رغم أنني في هذه الخمسة أشهر دأبت كل يوم على وضع حجر أساس في مملكتي التي لا أفتأ أُردد صداها على مسامع الجميع، حتى باتوا مقتنعين بها، ولكن الإقتناع شئ والفعل شئ آخر.

ربما أيضاً من أسباب رغبتي في المواصلة في مجال لا أرغب به هو أنني لطالما أحببت الإعتماد على ذاتي وأجد من المشقة طلب المال من والدي باستمرار رغم أنه لا يمانع قط ولكنني أُمانع فشخصيتي تأبي الإرتكاز على غيرها حتى على من تُحب. من حق كل فتاة أن تبني العالم الذي تُريد ما دامت لا تُخالف تعاليم الدِين، من حقها أن تحلم وتبني من حقها أن تعيش، أذكر فتيات عرفتُهن على مدى سنيّ دراستي وقد أخرجهُن ذويهن من المدرسة ليتزوجوا، منهن من لم يُتممن العاشرة، ولكنني كُنت محظوظة حيث كانت والدتي ترفض فكرة زواج القاصرات رغم أنّ هذا شئ عادي في عائلتي والداي وحتى هي تزوجت بعمر الثامنة عشر، ولكني الآن أخذت فرصة لأصبح ما أُريد فكيف بكل العوائق أن تردع شخصاً مقبل على الحياة بكل ما أُوتي من عزيمةٍ واصرار.

وحدها الكتب علمتي وأرتني الطريق الذي يجب أن أسلكه في الحياة، وأنت/ أنتِ أي طريق اخترت لتسلك، لا تضيع فترة الشباب دون أن تعرف في أي طريق تُريد أن تسير. قد تسلك الطريق الخطأ ولكن كُن متأكداً ما دمت تُريد أن تصل للغاية التي أوجدك الله لأجلها في هذه الحياة فلا بد من أن تهتدي إلى الطريق الصحيح حتى وإن كنت قد وصلت إلى آخر الطريق الخطأ. فقط لا تسأم من تعديل وجهتك وانطلق من جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.