شعار قسم مدونات

"أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ"..

blogs دعاء

ما بالُ صَدرِك بالأنينِ مُتثاقلا
والقلبُ يشكو والعيونُ جفاءُ
أتجزع والله لا يردَ خائبا
ولك القرآنَ ضياءٌ للروحِ وشفاءُ

قد تثَاقلت بعض القُلوب، وامتَطتها الهُموم، في كلّ يوم تجدوا ما يداهم حياتكم من شيءٍ لم يُتوقع مجيئه، ويمر العمر ولنا أمنيات ونحتاج للرحمات، ألا نوقن بأنّ لا ينجينا سوى الدعاء، في حين عجزنا عن كلّ شيء وحتى في حال كان بمقدورنا فعل ما نريد، لما نجزع ؟ ولما لا نجعل الدعاء في السرَّاء والضرَّاء ؟! حان علينا أن نتدبَّر ونتذكَّر عظمة آيات الله، فقال جلّ جلاله :"أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ" (سورة النمل،62)، فإليه سيلجأ المضطر إذا دعاه، وهو سبحانه من سيكشف ضرّ المضرورين؛ فلا أحد ينجينا من هلاك النّفس سواه.

لنرى عظمة تلك الآية في هذه الحادثة، "ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل -حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي الصوفي- قال هذا الرجل: كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني، فركب معي ذات مرة رجل، فمررنا على بعض الطريق، على طريق غير مسلوكة، فقال لي: خذ في هذه، فإنها أقرب. فقلت: لا خبرة لي فيها، فقال: بل هي أقرب. فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعر وواد عميق، وفيه قتلى كثير، فقال لي: أمسك رأس البغل حتى أنزل. فنزل وتشمر، وجمع عليه ثيابه، وسل سكينًا معه وقصدني، ففررت من بين يديه وتبعني، فناشدته الله وقلت: خذ البغل بما عليه. فقال: هو لي، وإنما أريد قتلك.

الله جلّ جلاله لم يترك لعباده الهلاك، أسبغ عليهم رحماتٍ تتنزل في هذا الشهر العظيم، ما زال هناك وقتً للتجرّع إلى الله، لا يردّ عباده حين يهرولون بإذلالهم وخشوعهم إليه

فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل، فاستسلمت بين يديه وقلت: إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين؟ فقال: (صلى الله عليه وسلم) وعجل. فقمت أصلي فأرتج علي القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد، فبقيت واقفًا متحيرًا وهو يقول: هيه. افرغ. فأجرى الله على لساني قوله تعالى: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ"، فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي، وبيده حربة، فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده، فخر صريعًا، فتعلقت بالفارس وقلت: بالله من أنت؟ فقال: أنا رسول الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء. قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالمًا.

الدعاء عبادةٌ لا تنقطع، سُقيا الروح، غيثٌ للقلب، أعمالٌ تُرفع وحياةٌ تهنأ؛ فالنفس حين تنبض بالدعاء، ترقد بين رحمة الله، تستقيم لا تندثر ولا تنحرف، وقربٌ من الله عزّ وجل، قال تَعَالَى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" (البقرة: 186)، وعَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا"(بن ماجة)، وعن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ" (مسند الإمام أحمد).

لا شيء يقف أمام أن نوقن بأنّ الله مجيب الدعوات، لماذا تجزعون وترتدُّون حينما تحلّ بكم مُصيبة؟ إنّ الذي استخلفكم في الأرض لا يعجزه شيء، أتنزلق قلوبكم بعد الثبات؟ من سينجي احتراق النفس ولهيب أرواحكم حين تخلو من روح الله؟ أنتم في المنتصف مترنحين بين الحق والباطل، كما قال تعالى: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا" (النمل: 14)، أتكتمون الحق؟ إنّ السماء حق والأرض حق ومعجزات الله كلّها الحق، ومفاتيح الله للتوبةِ نجاةً للانغلاق على النّفس، وأبواب الله مشرّعة لعباده، فأيّ عظمةٍ حين يغلق الله أبواب النار ويشرّع أبواب الجنّة في شهر رمضان المبارك؟ الله جلّ جلاله لم يترك لعباده الهلاك، أسبغ عليهم رحماتٍ تتنزل في هذا الشهر العظيم، ما زال هناك وقتً للتجرّع إلى الله، لا يردّ عباده حين يهرولون بإذلالهم وخشوعهم إليه، ها قد أتى شهر الخَير والغُفران، فروا إلى الله بالدعاء، وأطفئوا عَتمة قلوبكم بالدعاء؛ لتُضاءَ حياتكم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.