شعار قسم مدونات

حراك فبراير السلمي.. حين يكون الشعب في مستوى الحدث

blogs الجزائر

مر أربعون يوما على مسيرة الحِراك السلمي، تُوج باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد مناورات بائسة من قبل قوى غير دستورية، كانت الأولى من أجل الترشح لعهدة خامسة، والثانية محاولة تمديدها لبضعة أشهر، لإجراءات إصلاحات دستورية مهمة حسب زعمهم، من خلال عقد ندوة وطنية جامعة، وهي التي تُحدد موعد الانتخابيات الرئاسية، وكان الرئيس المنتهية ولايته يحلم أن يُسلم عرش الرئاسة لمن سيخلفه.

  

لكن الشعب الجزائري رفض التمديد والتأجيل، فكانت المحاولة الثالثة البقاء لغاية 28 أبريل؛ مع إصدار قرارات مهمة، وتدشين ثلاثة مشاريع هامة على رأسها المسجد الكبير، وفتح المطار الدولي الجديد، وتدشين الملعب الأولمبي الكبير، لكن الشعب رفض. لم يكن للرئيس آخر الأمر إلى الانصياع لأمر الشعب والجيش، فقدم استقالته يوم 2 أفريل سنة 2019، بعد أن عجز الطاقم الرئاسي وآل بيته من استنفاد الوقت اللازم لتحضير خروج مشرف وآمن لهم.

  

إن أكبر نصر حققه الشعب الجزائري من خلال ثورته السلمية يمكن أن نحدده في العناصر الأتية:

 

– انتصر الشعب على الخوف ونفسية الركون، وطلق السّكون واتجه صوب الحِراك الاجتماعي والسياسي، مما أحدث قفزةً نوعيةً في الوعي لم نلاحظها لدى كثير من الشعوب التي ثارت على سُلطها، فلم نسجل طيلة الجمع الخمس حدثا مأساويا، ولم تسل قطرة دم واحدة.

 

لم يقع الشعب الجزائري في فخ تمثيل الحراك بل كان مصرا على ألا يُمثله أحد مهما كان وزنه أو تاريخه، لأن التمثيل في تلك المرحلة كان ليكون في صالح النظام، والذي كان يطلب من الحراك الشعبي تعيين ممثليه حتى يحاورهم

– انتصر على النعرات الإثنية والجهوية، ولم ينساق وراء الدعاية المغرضة ولا الشائعات التي حاول من خلالها النظام إحداث انقسام داخل الجبهة الشعبية، فكان الشعار الأكثر حضورا لا فرق بين القبائلي، العربي، الميزابي، الشاوي، الترقي كلنا جزائريون إخوة في الدين والوطن، وهذا التلاحم الوطني تم التعبير عنه من خلال التمسك بالراية الوطنية كراية سياسية وحيدة، أما الرايات الأخرى ما هي إلا تعبير عن انتماء ثقافي، ونقصد الراية الأمازغية، النايلية، الهلالية.

 

– امتازت ثورة 22 فبراير بالتنظيم المحكم على مستوى 48 ولاية، ولم يحدث صدام بين الشعب وقوات حفظ النظام، بل كان تحول الشباب إلى دروع تحمي عناصر الأمن من أي اعتداء تقوم به عناصر المندسة والمنحرفة.

 

– ظهور ثقافة التعبير الحر من خلال التفنن في كتابة الشعارات، واختيار الأناشيد الوطنية الحماسية، كما سجلنا حضور صور أبطال ثورة التحرير الوطني أمثال العربي بن مهيدي، لطفي، سي الحواس، عميروش، زبانة، وهذا في حد ذاته انتصار تاريخي، حيث لم تستطع السلطة أن ترسمه بقوة برامجها الدراسية وأيامها الاحتفالية، لكن الشعب رسمه بقوة الوعي والرغبة الملحة في الانتماء للحظة النوفمبرية.

 

– ظهور شعارات ذات بعد ثوري محض، تعكس درجة اليأس من النظام القائم، وهذا يؤكد أن صبر أيوب قد بلغ حده وأن الشعب قرر أن يمضي إلى آخر المطاف، فليس هناك ما يخسره حاضرا ومستقبلا قياسا مع ما خسره طيلة صبره وانتظاره، ومن تلك الشعارات التي غزت العالم بأسره: "ترحلوا يعني ترحلوا"، ارحلوا جميعا"، "ترحلوا قاع" ولعل هذا الشعار الأخير هو الأكثر رواجا لأنه مستمد من اللغة العامية فلفظة "قاع" تعني الكل بوجه مطلق لا استثناء فيه.

 

– نذكر أنه في جميع المسيرات لم يتم سب رئيس الجمهورية وإن طال السب محيطه وزبانيته، فالشعب الجزائري كان مدركا أن الرئيس لا يحكم بسبب مرضه، وإنما الحاكم الفعلي شقيقه سعيد بوتفليقة، الذي شكل جماعةً غير دستورية تحكمت في مفاصل الدولة، فنهبت المال، وعطلت المصالح، وأبعدت الشرفاء، وقربت السفهاء، وبددت أحلام الشباب ودفعتهم للهجرة في قوارب الموت.

 

– لم يقع الشعب الجزائري في فخ تمثيل الحراك بل كان مصرا على ألا يُمثله أحد مهما كان وزنه أو تاريخه، لأن التمثيل في تلك المرحلة كان ليكون في صالح النظام، والذي كان يطلب من الحراك الشعبي تعيين ممثليه حتى يحاورهم. غير أن عدم وجود ممثلين عن الحراك جعل السلطة تقف عاجزة عن المناورة، فحتى الشخصيات التي كانت تُحلل وتتحدث عن الحراك لم تجرأ القول بأنها تُمثل الحراك، بل الحراك ذاته رفع عدة لافتات يرفض أن يمثله كان من كان.

 

– لعب الكم دورا مهما في تغيير موقف الجيش، ففي الجمعة الأولى كان موقف الجيش منحازا نحو النظام، ووصف القائد المتظاهرين بالمغرر بهم، كما لمسنا لغة التهديد والوعيد في الخطاب الأول، تم الرد عليه بجمع مليونية شملت كل الولايات بدون استثناء، حتى تلك الولايات المعروفة بولائها للنظام منذ 1962 انتفضت لأول مرة، وخرج شبابها يصرخون: ارحلوا ارحلوا.

 

– تم تحرير وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، فاصطف أغلبها مع الشعب. حيث استطاع الشعب أن يكسب سلطتين مؤثرتين الجيش والإعلام، بالرغم أن الشعب لن ينسى الدور السلبي لبعض القنوات المحسوبة على النظام، والتي وإن تخلت عنه في اللحظات الأخيرة عير إنها ستحاسب حسابا عسيرا، لأنها تأسست بفضل المال العام المنهوب، وعملت على تضليل الشعب وقتا طويلا.

 

– رفض الحراك الشعبي أي تدخل أجنبي، لذا كان الشعب ضد تدويل الحراك من قبل النظام، وذاك من خلال رفض كل ما قام به رمطان لعمامرة بالخصوص، فذهابه إلى الصين وروسيا وإيطاليا كان من أكبر الأخطاء التي ارتكبها النظام.

 

معركتنا القادمة ستكون من أجل تنحية حكومة نور الدين بدوي، وحل المجلس الدستوري، والبرلمان بغرفتيه، ثم التمكين للشعب من خلال المادة السابعة والثامنة من الدستور

– أهم ما سجلته في خضم هذه الأحداث، هو تحول الشعب إلى قارئ للدستور، وهو الذي كان منذ شهرين يجهل مواده الدستورية، بل لا يُحبذ الحديث عنه، لكن الأحداث المتسارعة جعلته يحفظ ويعي كثير من المواد: 7، 8، 28، 102، 104، … وخاصة المادة 102 التي شكلت محور حديثه في أغلب الأحيان.

 

– انتشرت الشائعة بصورة مذهلة، وكان الغرض من زرعها إرباك الشعب، وصرفه عن الأحداث المحورية، لكن الوسائط الاجتماعية وعلى رأسها الفيس بوك مكنت الشعب من الاطلاع على كل كبيرة وصغيرة، والقدرة على التمييز، وعليه لم تستطع الشائعات كسر إرادة التغيير.

 

– تفنن البعض في السخرية والتنكيت، ووجدت تلك الفنون قبولا في أوساط الشعب، مما جعل الحراك يكتسب طابعا مرحا وفنيا.

 

– الحضور القوي للمرأة الجزائرية، فالنظام السابق كان يراهن دوما على العنصر النسوي للمساندة والمؤازرة من خلال سن جملة من القوانين التي أتاحت للنساء الحصول على مناصب برلمانية وحكومية وفق نظام الحصة (الكوطا).

 

وبعد أربعين يوما من الصمود والتصدي لكل أشكال الهيمنة والتضليل، استطاع الشعب الجزائري أن ينتصر في معركته الأولى والمتمثلة في تنحية الرئيس والقوى غير الدستورية التي حكمت البلاد وآذلت العباد.

  

غير أن ثورة 22 فبراير لم تصل إلى أهدافها، فتنحية سلطة الواجهة لا يعد تغييرا جذريا بل هو مجرد تغيير سطحي، فالثورة هدفها التغيير الجذري للنظام العميق، ونقصد أن ما بعد 2 أفريل هو العمل البطولي الذي سنقوم به حقا، فتغيير سلطة الظل والقوى الخفية في دواليب السلطة تحتاج منا نضالا كبيرا، وكلنا مجمعون على أن المسيرات ستتسمر حتى نصل إلى جميع أهدافنا دون نقصان.

 

معركتنا القادمة ستكون من أجل تنحية حكومة نور الدين بدوي، وحل المجلس الدستوري، والبرلمان بغرفتيه، ثم التمكين للشعب من خلال المادة السابعة والثامنة من الدستور، حيث لا يؤمن الشعب الجزائري في انتخابات ديمقراطية وشفافة في بقاء الولاة ورؤساء الدوائر، فضلا عن رئيس الحكومة المعروف بتزويره لأغلب الاستحقاقات السابقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.