شعار قسم مدونات

عمر أبو ليلى.. انتكاسة جيش!

مدونات - عمر أبو ليلى

عندما ترى ذلك الشاب الوسيم الذي اعتاد الحياة وحبها، وعشق السعادة لقلبه وقلوب الآخرين، ويبتسم لكل من وقع تحت ناظريه، يلاطف الكبير ويداعب الصغير ويحنو على رفاقه، ويسبقهم دوما إلى كل عمل خير، يأسر قلب من قصده.

عندها تتساءل: ما الذي يدفع ذلك الشاب عمر أبو ليلى وهو في عمر الزهور أن يفكر بشيء فاق في تصوره أفعال الكبار، واستحالت على خريجي المعاهد العسكرية والكليات الحربية، ليخرج في عملية مركبة معقدة مكتملة الأركان، زاد تعقيدها التخطيط المحكم والتنفيذ الفردي والانسحاب الكامل من مكان العملية بسلام، ليجعل دولة بكامل أجهزتها الأمنية والاستخبارية وعتادها العسكري في انتكاسة متعددة الألوان، وتضع كل مقدراتها المهولة لتبحث عن ذلك الشاب الذي نجح في اختراق تلك المنظومات المعقدة. والذي بدوره لم يتعلم فنون الحرب ولا تشكيل الخطط الحربية ولا حتى حرب الشوارع البدائية، لم يتعرف على أساليب التمويه والإعماء، ولم يجيد الرماية على الأسلحة الخفيفة ولا المتطورة، مكتفيا بمشاهدتها صورا في أيدي الجيش الذي لا يقهر. غير أن الشهيد والأحداث من حوله التي علمته أن يكون ندا، ويأبى أن يعيش الذل والقهر، وصار يبحث عن شفاء الغليل، ولحظة الانتقام لكل أم ثكلى وزوجة فجعت وشيخ ابيضت عيناه من الحزن، ولكل طفل أبصر موكب والده الشهيد.

مما يزيد المحتل غيظا، أن هذا الجيل الثائر ولد في وقت أحكموا فيه قبضتهم على أفكارهم وتلاعبوا في مبادئهم وأسموه زورا وبهتانا تعايشا سلميا إلى جوار دولة لم تتقن إلا فن القتل

ماذا تنتظر من طفل شب على أصوات الرصاص والقذائف، وقام من نومه مفزوعا وقد تجمع الجنود حوله، وهو يشاهد أباه وقد تعرض لذل وقهر الاحتلال، من طفل يعاين اعتقال النساء، وهو يشاهد مظاهر التشريد وهدم البيوت والاعتداء كل صباح على الطلاب ومعلميه، وهو يقطع طريقه إلى مدرسته من حاجز إلى آخر. تلك التراكمات من مسلسل الاعتداءات اليومية والتي يتفنن العدو فيها، ويتلذذ بعذابات وأنات نسائنا وأطفالنا، لتساهم في تغيير السلوك ونمط الحياة، وتحول تفكيره من طفل حالم بحياة سعيدة وعيش رغيد، إلى شاب تملكه دافع الانتقام من كل ظالم وغادر، والانتصار لكل مكلوم ودمعة يتيم، وتصقل شخصيته إلى رجل في تفكيره، وتدفعه إلى تلك التضحية المحكمة تخطيطا وتنفيذا؟!

يكبر أطفال فلسطين ويكبر الألم والوجع في قلوبهم، ويكبر معهم الحقد على كل معتدي، ليصبحوا لعنات تطارد المحتل خلف ثكناتهم المنيعة وأسلحتهم الحصينة، التي لم تشفع لهم ولم تنقذ حياتهم، بل عجلت في هلاكهم وبسلاحهم قتلوا، وبالطبع لن تتوقف دوافع الانتقام طالما أمعن العدو اعتداءاته وأسرف في إذلاله، وتكررت ملاحقاته للعزل، وأهان الحرائر، ولن يدري العدو من أين تأتي رصاصة الانتقام القادمة، وعلى أي شكل ستكون المفاجئة، مع تسارع الأيام وتطور المشهد وعظمة التخطيط والتنفيذ، ولن يجني كل معتدي غير الموت الزؤام.

ومما يزيد المحتل غيظا، أن هذا الجيل الثائر ولد في وقت أحكموا فيه قبضتهم على أفكارهم وتلاعبوا في مبادئهم وأسموه زورا وبهتانا تعايشا سلميا إلى جوار دولة لم تتقن إلا فن القتل والسلب والتشريد، مما يدلل على استحالة أن يظهر الفلسطيني الجديد الذي رسموه في مخططاتهم الذي يرضى بسياسات دولة الاحتلال المهينة للبشر والحجر، ولا يرضى أن يتخلى عن أرضه ومبادئه.

هذا الجيل الذي لم تقنعه الشعارات الزائفة التي يروج لها صباح مساء، لا يمكن له أن يستسيغ الصَغَار مكبلا بقيود الاتفاقات التي تمنعه الانتصار لذاته ولقضيته. تشعر عندها أنك تعيش مع جيل جُبل على الكرامة ويأبى عيش الذل والمهانة، على غير ما أريد له بأن يكون خانعا ذليلا، تشعر وأن هذا الشهيد الذي عاش يوما بجسده معنا، كان فكره مع قضيتنا الحية التي لا ينساها مع دروب الحياة المتداخلة وينشغل بها عن أصدقائه ومحبيه، وروحة تسمو إلى العزة والإباء، وفطرته ما دامت حية تسري في عروقه، تشعر وأنه شيء مختلف عن الآخرين، فله سمات وطباع تستذكر أثرها بعد اصطفائه، تعد له أنفاسه لحظة كان معك وتحصي أعماله، وتشعر أن كل عمل قام به شيئا موزونا مدروسا وكأنه الملهم الذي يخط وصيته في حياته أعمالا لا أقوالا، تصبح شيئا تهتدي وتقتدي بها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.