شعار قسم مدونات

أن تصبح كاتباً.. ليس سهلاً!

blogs كتابة

إذا أردت أن تكتب جيداً اقرأ كثيراً، هذا ما قالوه دائما عن كيفية إتقان الكتابة، عانيت كثيراً لأكتب أول موضوع لي ولا زلت أعاني حتى أنتج أي موضوع، وكأنني أعصر نفسي مئة مرة حتى اُخرجَ بعض الكلمات، وكأنني في آلة ضغط حتى أنتج بعض الأفكار، وكأن الزمن تلاشي من فرط التفكير في كيفية صياغة العبارات، وبعد كل هذا لا تنتج إلا القليل ولعله أيضاً يرضيك.

فكرت كثيراً في مواضيع أحببت الكتابة عنها، الأفكار موجودة ولكن التحدي في كيفية التعبير وصياغة الكلمات وإيصال المعني وعمق الرسالة وصدق المشاعر، وبعد أن تقطع شوطاً ليس بالقليل تجد أن الفكرة لم تعد تروق لك كالسابق، وأنها ليست جديدة ويصيبك الإحباط وتبدأ في شجار مع فكرتك بعد ما كنتما صديقين. والآن، بعد أن فكرتُ في أفكار كثيرة ولم تكتمل وتخرج إلي النور، قررت الكتابة عن معاناة الكتابة خاصة للمبتدئين مثلي.

الكتابة ليس لها وقت، فقد يأتيك بحرٌ من الأفكار أثناء خلودك إلي النوم، حينها استيقظ واكتب ولا تفلت هذه الأفكار، وذلك بالقياس علي أحوالك المختلفة، وبناءاً عليه فإن كاتب مثلك لا يجب أن يتحرك بدون ورقة وقلم

إذاً.. لماذا لا تخرج أفكارنا إلى النور بعد إهدار أحبارنا عليها وقتاً طويلاً؟ لماذا نملُ بعد وقت طويل من صراع كلماتنا وأفكارنا التي لا تتحد في النهاية لتصبح موضوعاً ذا قيمة؟ الإجابة هنا أن الموضوع الذي تكتب فيه ليس موضوعك! بمعني أنك لست الشخص المناسب للكتابة في هذا الموضوع أو أنك تحتاج إلى وقت أطول من القراءة والتثقيف لتستطيع الكتابة فيه، هذا أشبه بالذي يقف في الطابق الأول ويوجه نظره إلى الطابق الخامس ظناً أنه سيبلغه بدون جهد، ولكن ما هو ببالغه وإن ظل عمراً ينظر إليه. 

لكي تستطيع حل هذه المعادلة، عليك بالكتابة في مستواك الفكري والثقافي، والقراءة لتحسين هاذين المستويين وليس القراءة فقط، بل القراءة والكتابة في نفس الوقت. ليس عليك أن تختار أفكاراً كبيرة وعميقة ذات زوايا متشعبة، بل اختر مواضيع بسيطة ذات زاوية واحدة وهدفها واضح وألفاظها سهلة لينة، لا تتعجل سيأتي وقت الأفكار العميقة لاحقاَ. كتابة اليوميات والمواقف التي تؤثر فيك، وتدوين مشاعرك تجاه الأشياء والأشخاص؛ لها آثار ايجابية في تطور كتابتك وإمدادك بالأفكار الملائمة لك ولمستواك الثقافي وبالتالي ستعبر عنها أفضل ما يكون. 

اختر مجالك الذي تهواه لكي تقرأ فيه وتبني ثقافتك، وبالتالي ينعكس ذلك علي كتابتك تدريجياً، يمكن ألا تقيد كتابتك بمجال محدد في البداية فقط وأن تطلق العنان لعقلك ومشاعرك لكن في مستواك وقدرتك التعبيرية كما اتفقنا. الأفكار حولنا وفي كل مكان، إنها داخل بيتك وبالقرب من محطة انتظارك للحافلة، إنها بين أصدقاءك وأقاربك، في الشوارع والميادين، في التصريحات والأخبار، في العادات والقيم، في القرآن والسُنة، إنها تحاصرك من كل جانب ولكن ابحث وستجد الكثير.

الكتابة ليس لها وقت، فقد يأتيك بحرٌ من الأفكار أثناء خلودك إلي النوم، حينها استيقظ واكتب ولا تفلت هذه الأفكار، وذلك بالقياس علي أحوالك المختلفة، وبناءاً عليه فإن كاتب مثلك لا يجب أن يتحرك بدون ورقة وقلم. الصبر علي تطور مستواك من الأمور المهمة، وإن كنت ستلاحظ فارقاً ملموساً في وقت قياسي إذا التزمت التدرج كما ذكرتُ سابقاً، أيضاً لا تتعجل نشر تدوينتك أو مقالك، أرسلها إلي الصفحات والمواقع لكن لا يصيبك إحباط إذا لم يتم النشر.

عندما تتم كتابة موضوع افتخر بذاتك واسعد من داخلك، حتى وإن لم ينشر علي مدونة أو موقع أو لم يقرأه أحد، فالكتابة في حد ذاتها انجاز جيد يستحق أن تفخر به. حاول عرض الموضوع بعد إتمامه علي بعض المقربين منك، ولكن احرص أن يكونوا من المشجعين غير المثبطين، فالتعليق واقتراح تعديلات في إطار التشجيع سيكون أفضل لك من النقد اللاذع.

وفي النهاية يجب أن تعرف لماذا تكتب ؟ نحن نكتب لتفريغ الطاقات، لتخليد الذكريات، لتصحيح المعتقدات، نكتب للإعلام ونشر الأفكار، لتحرير الأوطان، لنشر الثقافات، لتغذية القلوب والعقول، نكتب بأيدينا لتشهد علينا يوم القيامة أنها لم تكتب باطلاً وإنما حق. في النهاية لابد أن يكون هدف الكتابة إيجابي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.