شعار قسم مدونات

اكتشف أين يكمن شغفُك

blogs تأمل

من منّا لا يدرك معنى الشغف، إنه فتيل البدايات الجميلة ودمعة النهايات للأماني المحقّقة ودولاب حكايا النجاح التي لا تنتهي، هو الأعمال التي تستهوينا وتمتّعنا، هو وهجُ المشاعر التي تتملكنا حين نقبلُ على ما نُحب، فنسعى للإبداع فيه دون ملل، ينير ظلمة ليالي فيُذهب النوم من جفوننا ويُطبطب "أنْ أفِقْ!".
الشغف هو وقود الإنجاز الذي حققه العباقرة كلٌ في مجاله الذي أحبه وتميّز فيه، ليس لأن الله حباهم بذكاء خارق بل لأنهم وجدوا شغفهم وأبدعوا فيه فحققوا نجاحات باهرة خلّدها التاريخ. وكذلك نحن، لكلّ منّا مواهب وقدرات كامنة، كل ما علينا فعله هو اكتشافها وتطويرها، يقول أحد الكتاب: "هدية الله لنا: قدراتنا الكامنة، وشكرنا لله: تطويرها".

فأن تكتشف شغفك وفيما أنت موهوب ليس بالأمر الصعب، فكل ما عليك فعله هو الجلوس مع نفسك قليلاً والتفكر في الأمور التي قد قمت بها سابقا وأسعدتك، ليس شرطًا أن تكون أمورًا ملموسة فهنالك من لهم قدرة الإقناع أو يملكون روح التطوع والمبادرة. لذا ما عليك إلا التجول في أعماق ذاتك ثمّ دوِّنْ قائمة الأشياء التي تحبها، اكتب بحجم اتساع الأفق، اكتب حتى تصل إلى القمر، اكتب قائمة تضم الأمور التي تجعل منك إنسانًا لا يقهر، راجع ذكرياتك واكتب قائمة بالأشياء التي مدحك الناس عليها وأثنوا على تميّزك فيها، اكتب كثيرا أطلق عصافير ميولاتك في الأجواء حولك، ثم اقبض على أقربها لقلبك وحلّق معه، فحين تكتشف شغفك وموهبتك ستدرك مركز قوتك والذي سيقودك بدوره إلى النجاح.

ميولك للقراءة في مجال معين يكشف لك عن شغفك، ويجعلك تبرع فيه. لذا اكتب قائمة الكتب التي اهتممت باقتنائها فقد يكون شغفك يتوارى بين صفحات كتاب

ليس هنالك شخص لا يملك قدرات كامنة، عليك أن تعلم جيدًا أنّ الكنز بداخلك لكن الغبار يعلوه. ثمّ لا تنسَ نقطة أخرى مهمة وأنت تتجوّل بين خبايا ميولاتك، أنك كلما وجدت قدوتك وملهمك كلما كانت طريق النجاح أكثر سهولة. ولأُسَهِّل عليك طريق البحث عن شغفك، استذكر معي تلك الأعمال التي استغرقت وقتًا في فعلها دون كلل أو ملل بل واستمتعت بها، فهي ذي الأعمال التي ينصبُّ شغفك فيها. وتذكّر أن وراء كلّ نجاح مميز يكمن إما شغفٌ أو واجب وضرورة، فكل ناجح إمّا يدفعه حبّه أو شعوره بالمسؤولية، ووحده المُحب من يستعذب حلاوة الطريق، وهي الأعمال التي تستهوينا ونستمتع بفعلها تجعلنا ننجح فيها وبجدارة لأنها نجاحات بنكهة الشغف والمتعة، يقول جون سي ماكسويل "لن تحقق مصيرك أبدًا ما دمت تقوم بعمل تكرهه".

ومتى ما اكتشفت شغفك وسلكت طريق الإصرار والمثابرة على تحقيق هدفك فهذا دليل على وصولك لأعلى درجات الشغف والاستمتاع. فكِّر لبرهة ما العمل الذي بامكانك الاستمرار بفعله دون ملل ولآخر ثانية في حياتك دون أن تفكر حتى في أخذ عطلة أو التخفف منه أو التخلي عنه؟ فمن منا بمقدوره التخلي عن ما يسكنه ويشعره بعذوبة الحياة، عن سر ومصدر سعادته! لا أحد. فحين يكون الشغف لا مكان للراحة أو التخلي بل هنالك الاستمرار فحسب. أين تبذل مالك ووقتك وجهدك وراحتك بكل حب دون تذمر هناك يكمن شغفك، آمن بقدراتك ولا تخف من الفشل، وما أكثر الأعمال التي نتوق لفعلها لكن خوفنا من الفشل حال بيننا وبين القيام بها، لكن أغلب الناس يجهلون أن الفشل طريق النجاح، فإيماننا بطموحاتنا وأحلامنا هي ما تجعلنا ننهض بعد كل عثرة بعزيمة وهمة أكبر.

يقول تشارلز ف. كاترينج: "آمن وتصرف كما لو كان الفشل مستحيلا". فوحدها الأفكار التي تجول في أذهاننا ما يحدد مسارنا. تعوّد على الحديث مع نفسك واملأ فكرك بكل ما هو إيجابي فكما حقق حلمك أناس آخرون بإمكانك أنت أيضا تحقيق ذلك فهو ليس بالأمر الصعب أو المستحيل فوحده إيمانك بذاتك ما سيوصلك لمبتغاك. كل ما تطمح لتحقيقه سيكون بمثابة حلم في البداية ولتجعل منه واقعًا وحقيقة أكتبه على ورقة، وما أكثر العباقرة الذين كتبوا أحلامهم على ورقة فأصبحت واقعا مجسدا أمامهم.

ومن بين الأمور التي قد تستنبط من خلالها شغفك أيضًا الغضب، فإن كنت مثلاً في مكان يعم بالفوضى وتجد نفسك منزعجا منها فاعلم أنك شغوف بالتنظيم والترتيب بل وبارع في ذلك، لا أقصد هنا ترتيب غرفة أو مكتب فقط، بل ترتيب مستندات أو معلومات… فغضبك حيال أمرٍ أو مشكلة ما ليست حالة عابرة، خاصة إن كنت تملك حلاً لها بل هي نقطة قوة وشغف لك. وقد يختبئ شغفنا بين طياة ما نخشاه، لذا أكتب قائمة بالأشياء التي تخشاها واكتشف شغفك بين طياتها. اكتشفت شغفي بينما كنت أحاول مساعدة غيري، شغفي كان ومازال يكمن في الأعمال التطوعية التي من شأنها رسم البسمة على ثغر غيري، لم أدرك ذلك في البداية لكن استمتاعي وسعادتي في كل مرة أساعد فيها غيري وأتطوع للقيام بأمر ما اكتشفت حينها أني شغوفة بمساعة الناس.

ثم إن ميولك للقراءة في مجال معين يكشف لك عن شغفك، ويجعلك تبرع فيه. لذا اكتب قائمة الكتب التي اهتممت باقتنائها فقد يكون شغفك يتوارى بين صفحات كتاب. وأخيرًا عزيزي القارئ عليك أن تدرك جيدًا أن كل إنسان على وجه الأرض خلقه الله سبحانه وتعالى وزرع فيه مواهب وقدرات غير محدودة هي بمثابة هدايا وعطايا من عنده عزّ وجل، فما علينا إلا اكتشافها، فتحها وتطويرها، كطريقة لشكره تعالى على هذه الهدايا، فليس هنالك من ولد دون موهبة تُميّزُه عن غيره بل كلٌّ منّا يتميز عن غيره في شيء يجد فيه شغفه ويعجز عن العيش بدونه، فقط هي بضع خطوات اتبعها لتكتشف من خلالها ما تتميز به عن غيرك وأين يكمن شغفك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.