شعار قسم مدونات

الإسلاميون بين أمريكا وإيران!

blogs إيران

الرفاق حائرون يتساءلون عن الحرب بين أمريكان وإيران: تكون أو لا تكون؟! ودعك منهم. لا تبحث معهم عن إجابة على هكذا سؤال. فتش معي عن حال من يطرح السؤال، وخاصة من الإسلاميين. لماذا يتساءلون عن الحرب بين البلدين؟!، أعتقد أن هذا السؤال أهم! يتمنون أن تقع الحرب بين الدولتين. يريدون أن يهلك الله الظالمين بالظالمين وأن يخرجنا من بينهم سالمين. وكأن الحرب ستهلك الطائفتين، وكأن المنتصر منهما -على فرض حدوث الحرب- سيكون أخًا ودودًا مع الحالة الإسلامية!

هذا التساؤل يكشف عن نوعية من التفكير سادت في الفترة الماضية، خلاصتها: انتظار النصر من الغير. انتظار أن تحل صاعقة بالظالمين وتهلكم ويمكن الله للمؤمنين. هذا النمط تم توطينه بعد انتشار نظرية (الفئة المؤمنة) للأستاذ سيد قطب، والتي تُحِّدث الناس بأن شرط النصر فقط الإيمان بالله، وأن من صحت عقيدته استوجب النصر! والله -سبحانه وتعالى ذكره- يقول: "ولَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ" (محمد:4)، والله -سبحانه وتعالى ذكره- يقول: "وجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ" (الفرقان:20)، فانقلبت (الفئة المؤمنة) إلى نظرية تنظر للكسل.. للإرجاء. ولذا يركن بعض المؤمنين بمحتوى النظرية لبعض الظالمين رجاء أن يكون سببًا في هلاك الظالم الآخر كما يحدث الآن من استدعاء الخطاب الشرعي الرافض للشيعة وبيان أنهم أعداء الله ورسوله، وأنهم يستحقون ما يُفعل بهم، وكأن الحرب لا تشعل نارها في عوام الناس، وكأن الحرب لا تهلك الحرث والنسل، وكأن الحرب لا تأكل أموال الأمة ورجالها.

حين تضع التجربة الإيرانية الحديثة.. أعني إيران المتدينة -تختلف معهم أو تتفق- تجد أنها تجربة إسلامية في طريقها للتقويض، كما فُعل بالتجربة المصرية عدة مرات وآخرها رحيل الإخوان بعد فشلهم

هناك فرق بين الحدث والسياق. فتشديد الحصار على إيران وحشد مزيد من القوات على الحدود حدثٌ، ولكن: ما السياق الذي ينتظم فيه هذه الأحداث الفرعية؟! هذا هو السؤال. وهذا هو مستوى التفكير الذي ينبغي علينا أن نحاول فهمه، ومن ثم نضع الأحداث الفردية في السياق المناسب. الشيعة حكموا إيران رغمًا عن الغرب، وتمددوا في المنطقة في إطار منفعة متبادلة مع الغرب، والآن يراد كسر ذراعهم وإرجاعهم، أو بالأحرى إرجاع إيران التي صنعها الغرب في إطار قوة إقليمية تثير القلاقل ولا تسيطر منفردة.. ما يقال له توازن إقليمي في إطار تبعية للغرب.

والأمريكان خصوصًا والغرب عمومًا، استخدموا البعد الاجتماعي بجانب الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية مع إيران، وذلك أنهم استقبلوا من أراد أن يرحل إليهم من الإيرانيين، ولابد أن هؤلاء سيتم إحتواؤهم إن لم يكن إعادة صياغتهم مرة أخرى بهوية غربية، وهو ما فُعل بالمجتمع الخليجي ومن قبله بالمجتمع المصري. فإذا قلنا أن الحرب هدفها فرض رؤية معينة على الخصم.. إذا قلنا أن هدف الحرب هو إعادة هيكلة المهزوم بما يتوافق مع قيم ومبادئ المنتصر فإن البعد العسكري اليوم تضاءل بعد التطور التكنولوجي الذي انعكس على حركة المعلومات والأفراد والأشياء لصالح البعد الاجتماعي؛ أو: أصبح البعد الاجتماعي/ الثقافي أحد ميادين الحرب على الشعوب، ولم تعد الحرب فقط بالسلاح وأدوات الأمن القمعية. حين تضع التجربة الإيرانية الحديثة.. أعني إيران المتدينة -تختلف معهم أو تتفق- تجد أنها تجربة إسلامية في طريقها للتقويض، كما فُعل بالتجربة المصرية عدة مرات وآخرها رحيل الإخوان بعد فشلهم وثورة الناس عليهم، وكما فُعل بالتجربة السودانية التي ضغطوها حتى ثار عليها الناس فأفشلوها والآن أحاطوا بها لإشعال النار في جنباتها.

الشيعة هؤلاء نموذج متطور -من حيث التطبيق- للأنساق المغلقة (الجماعات الإسلامية) التي تولدت في مصر ثم الشام والأردن، ومنثور في تراجم كبرائهم تأثرهم بالإخوان تنظيميًا، وأنهم ترجموا كتب سيد قطب ودرسوها. وعند التدقيق في حالهم تجد أنهم حالة شديدة النضج من التطبيق للنسخة الصحوية، ومع ذلك تم توظيفها في إطار إشعال الصراع الداخلي بين المسلمين وتبديد طاقات الأمة؛ وتم وضع القلاقل أمام هذه التجربة؛ وتم تخريب المجتمع الذي يحكمونه بأدوات العولمة متعددة الأبعاد؛ والآن جاءوا بأسلحتهم لقلع النظام الحاكم ونخبته وإعادة النسخة الإيرانية العلمانية، والآن جاءوا لأخذ مزيدٍ من أموال الأمة، والآن يكثرون قواتهم على حدود الصين لتكون الحرب بين الشرق والغرب على أرضنا وبأموالنا ورجالنا. تستحق الحالة الإيرانية الدراسة، لبيان قوة، وشراسة، وخبث، وعداوة الكتلة الغربية الإمبريالية التي تحرق مجتمعاتنا وتعيد صياغتها من جديد وتستخدم الصحوة أداة من أدوات تخريب المجتمعات وإعادة هيكلتها. كيف ننجو من هذا التوظيف والاستعمال؟! ولا تطالبني بحل.. فيكفيني أن أكتشف الداء، واجتهد معي في البحث عن الدواء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.