شعار قسم مدونات

فيلم fight club.. في نقد مجتمعات الستارباكس

BLOGS FIGHT CLUB

"نحن الابن الأوسط للتاريخ، بلا هدف أو مكان. ليس لدينا حرب عظيمة. ولا كساد عظيم. فحربنا العظيمة هي حرب روحية.. وكسادنا العظيم هو حياتنا. لقد تربينا جميعا على التلفزيون لنؤمن بأننا في يوم ما سنصبح جميعا مليونيرات، ونجوم افلام، ونجوم روك، لكننا لن نكون. ونحن نتعلم ببطء تلك الحقيقة. ونحن غاضبون جداً جدا".. تشاك بولنياك.

السعار الاستهلاكي، أدق وصف لحالة الهيجان التي يعاني منها الناس في عصرنا الحالي، نهتم  بملابسنا أكثر من أدمغتنا، نتهافت خلف الماركات العالمية، وآخر صيحات الموضة، أغلى هاتف، وأفضل المتاجر، تسيطر الماركات الكبرى على عقولنا ونمط عيشنا يوما بعد يوم لدرجة أنه في يوم من الأيام قد تنموا الماركات لتصبح أكبر من الإنسان، بل أكبر من الكون ذاته فتظهر أشياء مثل "مجرة مايكروسوفت" و"كوكب ستارباكس"، إذن هل ترغب في تغيير جذري لحياتك؟ هل مللت من نظام الحياة المتكرر الذي لا معنى له؟ هل تود أن تعيش حياتك كمغامرة كبيرة؟ إذن فلنكسر أول قاعدة لنادي القتال وهي "إياك والتحدث عن نادي القتال"، ولنتحدث عن نادي المشاغبين، نادي أبناء الطبقة الوسطى المنسيين الذي لا حل لهم سوى الغضب والتمرد والفوضى كمذهب لمقاومة مجتمعات الستارباكس الاستهلاكية.

فيلم fight club بالرغم من بثه أول مرة منذ ما يقارب 19 سنة، إلا أنه لا يزال يصنف من أفضل الأفلام التي صدرت، برسائل مبطنة شديدة تكاد لا تخلوا منها أي لقطة، فالمخرج  ديفيد فينشر استطاع تحويل رواية نادي القتال لتشاك بولنياك لرسالة مفتوحة وأداة مقاومة ضد تغول الرأسمالية، بداية من زرعه لكوب ستارباكس في كل لقطة من لقطات الفيلم كدلالة على توحش المجتمعات الاستهلاكية، إلى الحوارات العميقة التي تجمع بين بطلي الفيلم  تايلر (براد بيت) وجاك (ادوراد نورتون).

في مديح الأناركية والتمرد

"أنت لست وظيفتك، أنت لست النقود التي تملكها في المصرف، أنت لست السيارة التي تقودها، أنت لست محتويات محفظتك، أنت لست زيّك اللعين ذو اللون الكاكي"..
– تايلر

في بداية الفيلم يصور لنا المخرج الحياة المملة للبطل جاك، ونتعرف على حالة الأرق التي يعاني منها  والغرق في دوامة التكرار والعمل، نراقب حياة جاك بشفقة دون ادراك انه يمثلنا نحن، يسعى جاك لإيجاد نفسه عبر الاستهلاك العشوائي من خلال إفراطه في الاقتناء وتجهيز منزله دون تبرير، يصف الفيلسوف البير كامو شعورنا في الحياة الاستهلاكية ببضع كلمات شديدة الإيجاز لكنها مرعبة إذا تأملنا فيها: "نهوض، ترام، أربع ساعات في المكتب، غداء، ترام، أربع ساعات عمل، عشاء، نوم، الإثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، الجمعة، السبت على النمط نفسه"، هكذا إذن تمر أيامنا في حالة من التكرار برضا أو غير رضا لكن بإذعان للزمن، نوع من الملل والسأم، ويطرح ألبير كامو سؤال: "ما جدوى هذا السعي ومغزى هذه الحياة" ويجيب أنه لا مغزى سوى قبض الريح.

يقوم الفيلم بطرح سؤال معنى الحياة في نهاية المطاف، عبر تصوير حياة جاك كشخص ناجح في وظيفة مثالية وشقة مليئة بالمقتنيات العصرية والأنيقة وكترة السفريات، وهذا ما تظهره المجتمعات الاستهلاكية كنمط عيش مثالي وحلم للعديد من الناس، لكن على الرغم من كل ممتلكاته، يتخبط جاك في الاكتئاب والأرق وعدم الرضا عن الذات لغاية النقطة المحورية في الفيلم، الالتقاء بتايلر واحتراق الشقة كدليل على التمرد والقطع مع المجتمع الاستهلاكي وطبعا.. تأسيس نادي القتال. نادي القتال أيقونة لتمرد أصحاب البزات والأقمصة البيضاء على الحياة الرتيبة المتمحورة حول مكاتب العمل ومطاردة الأحلام المزيفة، لقد استطاع المنتسبون لنادي القتال أن يتذكرو أنهم لا زالوا أحياء ووجدوا في قبو النادي نمط عيش يجعلهم يحسون أنهم فعلا على قيد الحياة، رسالة نادي القتال أن العقل عرضة لتذمير ذاته عبر الانغلاق أو الإدمان لذلك يجب علينا الانضمام لأنشطة حركية تذكرنا بأنفسنا وأسلافنا الذين عاشوا في الكهوف، لمجابهة قاعة الانتظار الكبيرة المسماة "العالم".

نادي القتال.. دفاع عن الرجولة

"معظم الناس الطبيعين يفعلون أي شيء لتجنب القتال"..
– تايلر


لكي يعالج جاك الأرق الذي يعاني منه، يواظب على زيارة مجموعات للشفاء في الكنيسة، ومن بين المجموعات التي يحضر لها، مجموعة لمرضى سرطان الخصية، بالرغم من أنه غير مريض إلا أنه يدعي المرض لرغبته في تحرير همومه وطاقته السلبية، والسماع لمشاكل الرجال والبكاء معهم، وهناك يتعرف على توماس الذي فقد خصيته وتركته زوجته لكي تنجب الأبناء مع شخص آخر، هكذا نتعرف على عالم الرجال الذي سلبت منهم رجولتهم وفحولتهم فينغمسون في موجة بكاء جماعية وعناقات، من هنا تنبتق القاعدة الثالثة لنادي القتال.. لا تبكِ، لا تكن مثل النساء.

كمقاومة لهذا الانتهاك على الرجولة، يزيل جاك وتايلر الغشاوة على الرجولة الحديثة، ويذهبان إلى أبعد حد في تمردهما عبر إحياء صفات الذكورية المطموسة كالعنف والعدائية والتمرد المطلق. كما ينتقد الفيلم الحرب الممنهجة ضد مفهوم الأسرة التقليدية، من خلال إظهار البطلين محرومين من سلطة الأب في طفولتهما: "ما تراه في نادي القتال هو جيل من الرجال ربته النساء"، وهذا ما يطرح تساؤلات حول قيمة الأب بصفة خاصة والأسرة التقليدية بشكل عام التي تتعرض للتفكك على حساب إدعاء الحداثة، يضعنا الفيلم أمام معاناة الصبية في غياب الأب ونموهم ليراقبوا عالم الرجولة عن بعد  كمتلصصين لغاية الذروة التي تجعلهم ينفجرون ليقتحموا عالم الرجولة بأكتر الطرق الراديكالية، يقول تشاك بولنياك: "كل شخص في نادي القتال يمسح الدماء من وجهه المهشم ويمضي في طريقه ويستمر في حياته أيا كان حلمه، فقط ما يحدث داخل النادي يساعد الرجال على المضي قدما".

كما أن الفيلم درس حقيقي في مفاهيم الإنسانية الحقة بالرغم من غرقه في العنف والدماء، يعطي الفيلم دروسا في مفاهيم الحياة وخصوصية اتخاد القرارات عبر سرد قصة معاناة تايلر مع ابيه الذي تخلى عنهم في طفولته ويملي عليه ما يجب أن يفعل عن طريق الهاتف فقط، حتى يدرك  تايلر أنه يعيش حياة لا تعني له شيئا  بل كان يعيش حياة والده. تأتي نهاية الفيلم مع استفاقة البطل بعد قتله لتايلر الذي في نهاية المطاف ليس سوى شخصية ثانية ابتكرها دماغه كنوع من المقاومة، شخصية خارقة نيتشاوية امتلئت بكل الخصال التي تمنى جاك أن تكون فيه ولم يستطع، وبعد أن تتلمذ على يد تايلر الذي يمثل اللاوعي الخاص به، استطاع قتله كأخر درجات الارتقاء الاخير في حياة جاك، لتظل فكرة التمرد والعصيان والبحث عن الحرية والكثير من افكار نادي القتال مذهبا للعديد من سكان عصر الحداثة أمام النظام العالمي الذي يستعبد الشعوب، الفيلم تكريم لكل من لا يريد حسب البينك فلويد أن يكون مجرد حجر في الجدار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.